كم يفتخر الكويتيون بأن أعيادهم الوطنيّة صارت أعياداً خليجيّة وعربيّة وأحياناً دوليّة. كم يفرحون حين يرون السعودي والقطري والإماراتي والعماني والبحريني يرفعون أعلام بلدهم ويحتفلون ويوزّعون الورود والحلويات في المرافق العامة والخاصة. كم يشعرون بأهمية دور وطنهم - الرسالة وهم يرون محبّته جامعة للمتناقضات في تصريحات المسؤولين العرب الذين يختلفون على الكثير من الأمور ويتّفقون على الإشادة بالكويت وقائدها الزعيم الإنساني صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد.لم تكن مجرد احتفالات ومشاركات ما رأيناه في الأيام الماضية. ولم يكن التضامن مجاملة أو نصاً بروتوكولياً نتلقّاه بطريقة آلية من الدول الشقيقة والصديقة. ما عايشناه كان فعل إيمان بالكويت ونهجها التوحيدي وسياستها القائمة على التقريب لا التفريق. فعل ثقة برأس دولتنا الذي رسم خريطة طريق تاريخيّة في السياسة الخارجيّة بحبر الحياد الإيجابي، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، والعقلانيّة في مقاربة الأمور المصيريّة وإبعاد العواصف ما أمكن عن جدران البيت الكويتي والخليجي في الوقت نفسه.... وفعل إيمان بأن الاستقرار الداخلي والدور الخارجي خطان مكمّلان لبعضهما لا تستقيم مسارات أحدهما من دون الآخر. وهنا لا بد من التنويه بأن استقرار الداخل الكويتي في بيئة دستورية حاضنة وتاريخ ديموقراطي وسقف عالٍ من الحريات كان العامل الرئيسي في إكساب أي تحرّك كويتي خارجي مصداقيّة دوليّة... ففاقد الشيء لا يعطيه وصاحب الأشياء الكثيرة الجميلة يمتلك مفاتيح الثقة والقبول.وبما أنّنا نتحدث عن استقرار داخلي، فمن البدهي القول إن الاستقرار الأمني والاجتماعي لا يتثبت ولا يكتمل إلا بوقوف الكويت فوق بنية اقتصادية متينة وسليمة وصلبة وقادرة على حمل أعباء استحقاقات عقود مقبلة تعبر معها أجيالنا إلى مستقبل أفضل وآمن.لذلك، نرى أن السياسة الخارجيّة الحكيمة بل والتي أصبحت مضرب مثل، والاستقرار الداخلي المبني على مروحة متنوعة تبدأ بصيانة الحريات والديموقراطية وتنتهي بوعي المواطن. هما حدّان أساسيّان لمثلث لن تكتمل أضلاعه إلا بثورة إدارية فعليّة لتطوير البنية الاقتصاديّة باتجاه ثابت ينفض عنه كل مخلّفات وتخلّف الماضي.جميل أن ننوّع تعاوننا في الخارج ونحلم بمشاريع عملاقة وأرقامها المليارية، وجميل أن يكون تعاوننا الاستثماري والتجاري مع دول العالم ضمانة لتعاون سياسي وأمني، وجميل أن تحقق استثماراتنا في الخارج عوائد مجزية نضعها في صندوق سيادي للأجيال القادمة... لكن الأجمل أن نقرن ذلك ببنية اقتصادية داخلية يكون قيامها أولويّة الأولويّات، بل أكثر من ذلك نملك الجرأة والمعطيات العلمية لنقول إن كل ما هو خارجي سيبقى طارئاً وقد يضيع في غفلة ما أو ظرف ما إن لم يستند إلى الأصل... والأصل هنا.الدولة التي تريدها شريكاً استراتيجياً لك تبيعك بشراكة أكبر مع جيرانك طالما أن القصة قصة عرض وطلب ومداخيل أكثر. المشروع العملاق الذي تبنيه هناك خيره مشترك ولطالما غضضنا الطرف عن بعض الحقوق والمكاسب من أجل علاقات أفضل وصداقة أمتن.صناديق الأجيال لا توظّف في خطط داخلية كما تفعل النرويج وتبقى كميات نقد وعرضة لمخاطر الاستثمار.بصراحة أكبر وفي ذروة مشاركة القريب والبعيد لاحتفالاتنا، نقول إن الفرحة ستكون أكبر ألف مرة لو نستكمل إنجازات الكويت ببنية اقتصاديّة خدماتيّة داخلية تكون الحدث وتعطى لها الأولوية على ما عداها. فتعبيد طرق الكويت ومدّ مدنها الجديدة بالبنى التحتيّة اللازمة أبدى وأولى من تعبيد طريق الحرير، وإنجاز جامعة الشداديّة ومدّها بالتكنولوجيا اللازمة أبدى وأولى من المساهمة في استثمارات تكنولوجيّة في الخارج، وتطوير حقول الشمال والجنوب مصدر خيرنا وثروتنا أبدى وأولى من تطوير حقول الذرة والقمح هنا وهناك، وتزويد المستشفيات الجديدة الضخمة بإدارات حديثة وكوادر معروفة أبدى وأولى من عقد صفقات مع «مقاولي» العلاج في الخارج داخل الكويت وخارجها.وطبعاً عندما نتحدّث عن مشاريع الخارج فنحن لا ننتقدها أو نعتبرها أمراً هامشياً، إنما نقول إن الأبدى والأولى هو بثّ الروح في تنمية الداخل لأنه الحصن والملاذ والمركز القادر على النهوض والاستمرار في حال سارت الرياح بما لا تشتهي السفن.الكويت مليئة بالطاقات الشابّة لكنها مليئة أيضاً بالإحباط. نريد لهذه الطاقات أن تزرع المستقبل بجهودها وعطاءاتها، ونريد من الحكومة أن تفتح الطرق أمامها لا أن تكتفي بحشر الخرّيجين في بنود التوظيف الرسمي مطلقة النار على الأحلام والتفاؤل.اكتمال مثلث الاستقرار والسياسة الخارجية بالنهضة الاقتصاديّة هو اكتمال للتحرير بمفهومه الوطني والإنساني العام. كل وطن ونحن بخير. «الراي»
مشاركة :