الدين في حقيقته رسالة الإله إلى عباده على يد عبد من عباده اصطفاه منهم ليبلغهم تلك الرسالة لتكون لهم منهج حياة يسيرون عليه فيتحقق العدل بينهم فلا يتظالموا حتى يلقوه في اليوم الذي حدده فربنا عز وجل يقول: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فغاية الدين بنص الآية إقامة العدل، لذا أرسل الله الرسل مؤيدين بالمعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات، وأنزل معهم الكتب التي تحمل إليهم النقل الصادق عن الله، ليعدل بين الخلق دون حيف ولا جور، أما من ظلم ففي الإشارة إلى الحديد أن من عاند الحق بعد قيام الحجة عليه انتصف منه، حتى لا يعود في الدنيا جور، ولهذا كما جاء على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). وإذا حاد الناس بالدين عن هذا الطريق واتخذوه سلماً إلى غايات وأعراض لها لا صلة لها بالدين، ونازعتهم أنفسهم لبسط سلطانهم على الخلق، وإذلالاً لهم لتحقيق رغبات لهم آثمة كما تفعل الجماعات المتطرفة من أرباب العنف، الذين نرى جرائمهم في أقطار شتى من بلاد المسلمين اليوم، متوسلين بالدين لما يفعلون من تعذيب الخلق وإحراقهم بالنار وإزهاق أرواحهم بالسلاح الأبيض، يقدمونهم قتلى قربناهم لسلطان لم يرضَ الله عنه، ولم يقبله دين ولا عقل، وأولئك الذين يكفرون العامة والخاصة بسبب زعمهم أنهم يكرهون الدين أو لا يريدون تطبيق أحكامه، على نهج سلفهم الذين قاتلوا الرعيل الأول ممن آمنوا بالله وبرسوله –صلى الله عليه وسلم- وكتابه متأولين آية من كتاب الله "إن الحكم لله"، مكفرين خير الخلق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها بدعوى أنهم حكموا الرجال كما زعموا في دين الله، وقد ندب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنه إليهم فأبطل حجتهم، فرجع منهم من رجع وأصر منهم من أضله الله، وظلت دعواهم على مر العصور حجة كل خارج على الأمة يجرد عليها سيفه لتحقيق غاياته التي ما أنزل الله بها من سلطان، حتى رأيناهم في كل زمان لا يقتلون سوى أهل الإيمان، وقل أن يقتلوا غيرهم، لأنهم إنما باعوا دينهم بدنياهم فخسروا الدنيا والدين معاً حقاً، فكم من هؤلاء من تاجر بدينه، هو اليوم لا ذكر عليه، قضى عليه فعله، فهزم في الدنيا، وينتظره في الآخرة عذاب شديد وأشد منه اليوم هؤلاء الذين اتبعوهم في الضلال دون بصيرة فخسروا دينهم ولم يكسبوا دنياهم، وأشد منهم خسراناً من باع دينه بدنيا غيره، من هؤلاء الذين يؤيدون هذه الموبقات، التي إنما تكسبهم سخط الله وسخط عباده، وعمل قليل يقضي على الشر وأهله ويبقون هم قد تحملوا تبعات ذلك كله، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لجلسائه: أخبروني بأحمق الناس، قالوا: رجل باع آخرته بدنياه فقال عمر: ألا أنبئكم بأحمق منه قالوا: بلى قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره، وهم اليوم في دنيانا كثيرون، فما أن ظهرت هذه البدعة الماحقة للدين والدنيا بأدعياء الدين المتاجرين به لغايات وشهوات تدفعهم لذلك حتى رأينا من الناس من قل علمه وكثر جهله أتبعهم دون تبصر فباع من أجلهم دينه بدنياهم وباع آخرته بدنياهم أيضاً، فلا هو ربح شيئاً من الرغبات والشهوات التي قد يكونون حقاً قد حصلوا شيئاً منها قبل أن يهزموا، وظل هو ينتظر نصيبه فخاب وخسر، فاحذروا إخواني مصير مثله فأنا لكم ناصح أمين. alshareef_a2005@yahoo.com
مشاركة :