توقفتُ في الحلقة الماضية عند اتهام داعش لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- بحرق رأس خالد بن نويرة، استنادًا على رواية باطلة لتبرر قتلها للطيار معاذ الكساسبة حرقًا، ففي سندها “محمد بْنُ حميد الرازي” قال يعقوب بن شيبة: محمد بن حميد كثير المناكير، وقال النسائي “ليس بثقة”، وقال الجوزجاني: “ردئ المذهب غير ثقة، وقال صالح بن محمد الأسدي: “كل شيء كان يُحدّثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه، وقال في موضع آخر: “ما رأيتُ أحدًا أحذق بالكذب من رجليْن: سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد، (العسقلاني: تهذيب التهذيب، ترجمة محمد بن حميد الرّازي، رقم 6081). كما نجد هناك من يزعم أنّ أبا بكر رضي الله عنه حرق الفجاءة السلمي حيًا مستندين على ما ورد في تاريخ الطبري من رواية باطلة تناقلها المؤرخون، والتي أخذها من كتاب الردة لسيف بن عمر التميمي الضبي (ت180هـ) ففي رواية أبي جعفر محمد بن عبدالله الحضرمي، عن ابن معين، قال في سيف: “فَلْس خير منه” وهذه العبارة أشد في التضعيف من سابقتها، وقال الحالك: “اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط”، (العسقلاني: تهذيب التهذيب، ترجمة سيف بن عمر التميمي رقم 2819). وإذا كان قد تجرّأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسب إليه ما لم يقله، ألا يتجرّأ على سيدنا أبي بكر، ويُنسب إليه ما لا يقله، وما لا يفعله، وقد روى عن طائفة كثيرة من المجاهيل أو الإخباريين، ومن الضعفاء؟ وما نُسب إلى سيدنا أبي بكر يتناقض مع وصيته لأسامة بن زيد عند خروجه للدفاع عن المدينة من المعتدين، والتي جاء فيها: “لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا كبيرًا ولا تعزقوا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا للأكل. وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”. وهكذا نجد أنّ داعش وأمثالها يأخذون من ما هو موجود في كتب التراث من مفاهيم خاطئة وأباطيل وإسرائيليات وفتاوى تكفير وإجازة قطع الرؤوس، وتحريق الأسرى، بنسبته إلى نبي الرحمة والإنسانية وبعض صحابته رضوان الله عليهم ليعطوا ما يقومون به من جرائم بشعة غطاءً شرعيًا؛ لذا أكرر مناشدتي بتصحيح الخطاب الإسلامي وتنقية كتب التفسير والحديث والتاريخ والفقه من تلك المفاهيم الخاطئة والإسرائيليات، والروايات الضعيفة، والفتاوى التكفيرية التي شوّهت الإسلام فحوّلته من دين رحمة وعدل وتسامح إلى دين عنف وإرهاب وقتل وتحريق أسرى. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :