تتزايد معدلات الدين العام بفرنسا بما يُفقدها مزيدًا من القدرة على التنافسية في ظل ضعف نمو الإنتاجية؛ ما دفع البرلمان الأوروبي، المسؤول عن مراقبة سلامة السياسات الاقتصادية للبلدان الأوروبية، للدعوة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين المالية العامة بفرنسا ومعالجة المشكلات في أقرب وقت ممكن. واقتصاد فرنسا هو خامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ويمثل نحو خُمس إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو؛ لذلك فإن الحفاظ على معدلات مُرتفعة للنمو الاقتصادي في فرنسا يُعد بمثابة هدف أساسي لبلدان الاتحاد الأوروبي للحفاظ على نمو أوروبا. وتتأثر فرنسا في الوقت الراهن بسبب احتجاجات «السترات الصفراء» والتي نشأت عنها موجات صادمة للاقتصاد الفرنسي، وسط اضطرار الحكومة للتراجع عن تنفيذ العديد من الإصلاحات التي وعد بها الرئيس ماكرون لانعاش الاقتصاد. نقاط ضعف وتُعد فرنسا في طريقها لتجاوز حد العجز المالي المسموح به في بلدان الاتحاد الأوروبي، في أعقاب تخفيض الضرائب وسلسلة من الإجراءات الطارئة المكلفة اقتصاديًا والتي وُضعت بعد أن تعرضت إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمزيد من الاحتجاجات المناهضة لسياسات الحكومة. وعلى الرغم من تحقيق فرنسا لنوع من التقدم الاقتصادي في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال فيما يتعلق بأسواق العمل والضرائب وبيئة الأعمال، فإن الإصلاحات الفرنسية جاءت ببعض الآثار السلبية على الاقتصاد وهو ما أدى لاندلاع الاحتجاجات بالبلاد، حسبما ذكرت المُفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أن يرتفع العجز العام في فرنسا إلى 3.2% في عام 2019، متجاوزًا بذلك سقف العجز في الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنسبة 3%. وقالت المفوضية الأوروبية إن الاقتصاد الفرنسي سينمو بمعدل يقدر بنحو 1.3% خلال العام الجاري، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 1.6%. احتجاجات نوفمبر واندلعت الاحتجاجات في فرنسا تحت مُسمى حركة «السترات الصفراء» منتصف نوفمبر الماضي، ومنذ ذلك الحين تصاعدت إلى احتجاج أوسع ضد ارتفاع تكاليف المعيشة وهو ما مثل تحديًا مباشرًا لسلطة ماكرون، ما اضطره لاتخاذ تلك التدابير الاجتماعية. وسعى ماكرون إلى انهاء الاحتجاجات في ديسمبر الماضي بوعده تخفيض الضرائب على المتقاعدين وإعفاء أجور العمل الإضافي من الضرائب وزيادات الأجور للعاملين الأفقر وتقليص ضريبة الوقود- التي ألغيت فيما بعد- وهو ما ضغط على الميزانية الفرنسية. وفي ديسمبر الماضي، اضطرت الشركات في وسط باريس إلى الإغلاق المؤقت؛ حيث عانت العاصمة أسوأ أعمال شغب منذ عقود. وكانت الحكومة قد صرحت في وقت سابق بأن الاحتجاجات خفضت النمو بأكثر من 0.1%، وهو ما يعادل نحو 2.5 مليار يورو. وقدم ماكرون تنازلات متعددة فشلت في إخماد غضب السترات الصفراء؛ حيث تخلى عن زيادة الضرائب، وأعلن ماكرون خلال يناير الماضي سلسلة من الإجراءات لتعزيز القوة الشرائية، وذلك بصرف عشر مليارات يورو كزيادة شهرية لذوي الحد الأدنى للأجور قدرها 100 يورو للفرد. تأثيرات سلبية وقال المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية «INSEE»، هذا الأسبوع، إن الاقتصاد نما بنسبة 0.3% في الربع الرابع من العام 2018، كما أكد المعهد أن الاقتصاد الفرنسي نما بنسبة 1.5% خلال العام الماضي، بانخفاض من أعلى مستوى له في العقد بنسبة 2.3 % في العام 2017. وقال بنك فرنسا في مسحه الشهري للأعمال، خلال فبراير الماضي، إنه من المتوقع أن تحقق فرنسا نموًا اقتصاديًا مقداره 0.4% في الربع الأول من العام الجاري؛ حيث يواجه ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تراجعًا اقتصاديًا بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وتأثر الإنفاق الاستهلاكي في فرنسا سلبًا من الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد ضد حكومة الرئيس ماكرون؛ كما انخفض نشاط الخدمات الفرنسية خلال الشهرين الماضيين، حيث يشير مؤشر مديري المشتريات لشهر يناير الماضي إلى أسوأ انكماش في نحو خمس سنوات. وأفاد المعهد الإحصائيINSEE بأن أسعار المستهلكين انخفضت بنسبة 0.4٪ خلال يناير الماضي، وسط انخفاض تكاليف الوقود، وكذلك المبيعات الموسمية. وتراجع معدل التضخم إلى 1.2 % من 1.6 % في ديسمبر الماضي، في حين انخفض متوسط التضخم السنوي إلى 1.8 % من 1.9%. ومن المتوقع أن يتراجع معدل التضخم إلى 1.5% في عام 2019، وهو ما يقل 0.1% عن توقعات يناير الماضي. وتراجعت إنتاجية الشركات بنسبة 20 إلى 40% في المتوسط في الأسابيع الأخيرة بسبب المظاهرات التي تحدث كل يوم سبت. كذلك تباطأ إيجاد فرص العمل في فرنسا وتراجع إنشاء الشركات الجديدة خلال فبراير للشهر الثاني على التوالي. وقالت الحكومة، خلال فبراير الماضي، إن نحو 72.6 ألف شخص في نحو 5 آلاف شركة قد خفضوا ساعات عملهم بسبب انخفاض الأجور، منذ بدء حركة احتجاج الصدريات الصفراء في 17 نوفمبر الماضي.
مشاركة :