الجزائر - فشلت تعهدات الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وبالتنحي عن الحكم في أقل من عام، إذا أعيد انتخابه في تهدئة غضب الشارع الجزائري في الوقت الذي اعتبر المطالبون برحيل بوتفليقة، أن رسالته يوم الأحد مجرد مناورة سياسية لاحتواء الاحتجاجات. وعلى الرغم من الغضب الذي يشعر به العديد من الجزائريين غداة تقديم بوتفليقة ترشيحه لولاية رئاسية خامسة، بدا يوم الاثنين هادئا في الجزائر، بعد ليلة طويلة من الاحتجاجات على ما اعتُبر "تحقيرا" للحركة غير المسبوقة الرافضة لبقاء الرئيس البالغ من العمر 82 عاما في الحكم على الرغم من اعتلال صحته. ومباشرة بعد إعلان تقديم ملف ترشيح الرئيس، خرج العديد من الشباب إلى الشارع ليلا في العاصمة الجزائر ومدن أخرى للتظاهر. ولم يتم تسجيل أي حوادث. وتكررت الشعارات ذاتها التي تشهدها التظاهرات منذ 22 فبراير/شباط "بوتفليقة إرحل" و"لا للعهدة الخامسة"، وغيرها من الشعارات التي عكست ضيقا شعبيا من الوضع الذي آلت إليه الجزائر الدولة النفطية والعضو في أوبك. ويشكو الشعب الجزائري من استشراء الفساد خاصة في أوساط النخبة الحاكمة وفي مؤسسات الدولة، ما حرمهم من الاستفادة من عائدات ثروتهم النفطية. ويعكس استمرار الاحتجاجات أن "تعهدات" بوتفليقة بالتنازل عن الحكم قبل نهاية ولايته الخامسة وتنظيم انتخابات رئاسيّة مبكرة في حال فوزه في انتخابات أبريل/نيسان، لم تنجح في تهدئة الاحتجاجات. ورأى محمد (69 سنة) وهو متقاعد، أن هذا الترشح "شتيمة للشعب"، دفعته إلى إعلان استعداده للتظاهر "للمرة الأولى". وتابع في حي باب الواد الشعبي "يريدون أن يقنعونا أن بوتفليقة نبيّ مُرسل ولا يوجد غيره لإنقاذ البلاد". أما كريم (22 سنة) الذي يبحث عن عمل، فقال إن بوتفليقة "يستهزئ بنا، لقد قلنا لا، يعني لا، ونحن الشعب يعني 42 مليون شخص وليس كمشة حفنة) من المسؤولين تفرض علينا قواعدها". وتولّى إيداع ملفّ ترشّح بوتفليقة مدير حملته الجديد عبدالغني زعلان الذي تلى رسالة من بوتفليقة يتعهّد فيها الرئيس بتنظيم انتخابات رئاسيّة مبكرة في حال فوزه يُحدّد موعدها مؤتمر وطني يعمل أيضا على إقرار إصلاحات أساسيّة. وجاء في الرسالة "أتعهّد أمام الله تعالى والشعب الجزائري" بالدعوة "مباشرة" بعد الانتخابات الرئاسيّة "إلى تنظيم ندوة وطنيّة شاملة واعتماد إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة من شأنها إرساء أساس النظام الجديد". كما تعهّد الرئيس الجزائري بإعداد دستور جديد يُطرح على الاستفتاء من أجل ولادة "جمهورية جديدة" وبالعمل على وضع سياسات "عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنيّة وبالقضاء على كافّة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيّين بالإضافة إلى تعبئة وطنيّة فعليّة ضدّ جميع أشكال الرشوة والفساد". ويتوقع أن يقوم المجلس الدستوري بالموافقة، ماعدا في حالة حدوث مفاجأة كبرى، على ترشيح بوتفليقة المقعد منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013 شلته جزئيا وأصبح غير قادر على الكلام. وينص القانون على أن يعلن المجلس الدستوري قراره عشرة أيام بعد انقضاء مهلة الترشحات. ويتشكل المجلس من أعضاء أوفياء للرئيس بوتفليقة الموجود في مستشفى في سويسرا منذ أكثر من أسبوع، لإجراء "فحوص دورية"، ولم يعلن بعد عن تاريخ عودته. وقالت ماجدة (32 عاما) الطالبة في كلية الطب "أخجل أن أقول أنني جزائرية، أصبحنا أضحوكة العالم"، في إشارة إلى صورة الرئيس الذي لم يلق أي خطاب منذ إصابته بالجلطة وندرة ظهوره. أكد السفير الجزائري لدى فرنسا عبدالقادر مسدوة أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يتواجد منذ الأحد الماضي في المستشفى الجامعي بجنيف، بصحة جيّدة وأنه لايزال على قيد الحياة. وتحدث لقناة "سي نيوز" الفرنسية في تصريح نادر عن وضع بوتفليقة الصحي وعن قرار ترشحه وتعهده بالتنحي عن الحكم في أقل من عام إذا أعيد انتخابه. وقال مسدوة "أؤكد لكم أن الرئيس على قيد الحياة وطبعا هو من يقرر ولا أحد يفرض عليه أي شيء"، مضيفا في تعليقه على قرار ترشح بوتفليقة "أظن أنه قيّم الوضع واتخذ القرار، طبعا الرئيس لا يملك صحة عشريني، لكن عقله عقل عشريني وقدّر أنه يمكن أن يقوم بأشياء لصالح البلاد ويريد أن يصل بباخرة الجزائر إلى بر الأمان". ورأى الدبلوماسي الجزائري أن ترشح بوتفليقة وقراراته اللاحقة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتغيير النظام في أقل من عام إذا أعيد انتخابه، هو "كفاحه الأخير. كفاح يتمثل في تسليم المشعل للشباب". وفي تطور آخر، أعلن النائب والوزير الأسبق سيدي أحمد فروخي اليوم الاثنين، استقالته من المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) ومن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، تضامنا مع المعارضين لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وقال في بيان "في الوقت الذي نشهد فيه لحظات استثنائية، بات من واجبنا في هذا البلد الاستماع، لمرافقة هذه الحركة الاجتماعية الشعبية الهامة لمستقبل بلدنا". وتابع "بينما تهب رياح الحرية على بلادنا، جاء الوقت لإعادة ترجمة مطالب الشعب وأنا مقتنع بأننا أمام واحدة من أعظم اللحظات في تاريخ أمتنا وأنه من الضروري تسهيل ومرافقة ظهور أجيال جديدة وأشكال جديدة ذات مصداقية". كذلك عبرت الصحف الصادرة الاثنين عن غضبها. وبحسب صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، فإن "بوتفليقة أظهر احتقاره للجزائريات والجزائريين من خلال تقديم ملف ترشحه". وأضافت الصحيفة أن الترشح لولاية خامسة "خرق واضح للدستور" و"إهانة وإذلال غير محتمل" لأغلب الجزائريين. وحذرت من أن "الجزائر على فوهة بركان". وعنونت صحيفة "ليبرتي" أن هذا الترشيح "ضد الشعب"، لأن الوعود بولاية خامسة قصيرة "لا تعدو أن تكون مناورة" هدفها تهدئة هذا الغضب "في انتظار استرجاع السيطرة على الأمور". أما صحيفة "الخبر"، فاعتبرت أن "بوتفليقة يتجاهل مسيرات رفض الخامسة" و"يكون قد رفض الاستجابة لمطالب الشارع بعدم الترشح". في المقابل رأت صحيفة "المجاهد" الحكومية في ترشح بوتفليقة وتعهداته بالإصلاح "رسالة أمل من رجل دولة". وتابعت الصحيفة في افتتاحيتها "إن رئيس الدولة عبّر عن واجباته تجاه خدمة الجزائر وشعبها ومغادرة الحكم بشرف". وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فإن عدد المرشحين الذين قدموا ملفاتهم للمجلس الدستوري بلغ 20 مرشحا، بينهم بوتفليقة، لكن من دون منافس قوي بما أن أغلب المرشحين البارزين قرروا عدم المشاركة في الانتخابات المقررة في 18 ابريل/نيسان.
مشاركة :