«تفاصيل الغياب».. حب بين الواقع والخيال

  • 3/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دبا الحصن: محمدو لحبيب البحث في تفاصيل الغياب، يستدعي التفصيل في حكايات الحاضر المعيش، فالحياة كل مترابط لا يمكن فهم جزء منه بإغفال الجزء الآخر، هذا ما ارتكز عليه العرض العماني «تفاصيل الغياب» الذي اختتم مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي في دورته الرابعة، أمس الأول، وسط حضور جماهيري كثيف. اعتمد مخرج العرض سعيد أسعد عامر المزج بين تقنيات مسرح الدمى والعرائس، والتمثيل البشري، فصاغ حكايته من خلال التناغم بينهما، وجعل المتفرج أمام عرض ينهض فيه المحركان للعرائس «كريم ونوال»، من وراء ستائر لعبتهما بالدمى إلى الفضاء المسرحي لتتشكل قصة حب بينهما، ولتنتهي تلك القصة بالزواج وإنجاب طفل. وتعمد المخرج أن يمزج بين حقيقة قصة كريم ونوال، وخيال نفس القصة التي تُحكى من خلال تحريكهما للدمى والكلام على لسانها، معطيا بذلك مساحة واسعة لنفسه لكي يمارس عبر تقنيات إخراجه، كل ما يريده من عبثية واستغراق في اللاواقعية. تتصاعد الأحداث الدرامية بين كريم ونوال فتظهر المشاكل والاختلافات بينهما كما يمكن أن يحدث في أية أسرة، وتتحول قصة الحب والكلمات الرومانسية من قبيل «كنا شخصين وسنصبح شخصاً واحداً»، والتي قيلت من طرف كريم قبل أن يتزوجا، إلى جمل متألمة متسائلة عن الحب الذي راح، مثل «أنتِ تبحثين عن بديل لي، ألم نعد نحب بعضنا؟» لتجيبه نوال بعد ذلك غاضبة: «بعض الرجال خونة»، وتبدأ حكاية الغياب في نسج نفسها رويدا رويدا من خلال حكاية الحضور والحب والانسجام، وكأن كاتب النص فهد ردة الحارثي أراد بذلك أن يُصدِر تساؤلاً لذهن المتلقي مفاده: ألا يستمر أي شيء على حاله في الحياة حتى الحب؟. ذلك السؤال الذي كرسه المخرج من خلال أدواته المسرحية، ومن خلال اعتماده لسينوغرافيا بسيطة ومتحركة باستمرار تبعاً لتحرك الممثلين على الخشبة، وهو ما أعطى انسجاماً تاماً بين تصوير الشخصيتين باعتبارهما محركين للدمى، وقطع الإكسسوارات والديكورات المشكلة للفضاء المسرحي. استخدم المخرج إضاءته إجمالاً بشكل جيد لكنه وقع في عدة أخطاء، فلم يكن هناك مبرر إخراجي لتوظيف بعض ألوان الإضاءة، وكذلك الأمر بالنسبة للموسيقى التي لم تأت متسقة مع مشاهد العرض، ووظفت أحياناً بشكل مبالغ فيه في بعض اللقطات، في حين اختفت تماماً، أو انقطعت فجأة في الوقت الذي كان المشهد يتطلبها. كما ظهرت عند الممثلين أخطاء كثيرة في اللغة، وكذلك ظهر التكلف في رسم الانفعالات الكثيرة التي يزخر بها النص، فكان الإحساس غائباً، مما أحدث حالة من الانفصال بين الجمهور والعرض في بعض الأحيان. نهاية العرض كانت متميزة، فقد نجح المخرج في جعل البداية تعود في النهاية، بعد أن لجأ كريم ونوال إلى الطلاق لحل المشاكل بينهما، وجدنا العرض يطلق حكاية جديدة من خلال الدمى عبر جملتين قصيرتين هما: «مرحباً اسمي كريم، مرحباً اسمي نوال»، وفي ركن الخشبة الآخر يظهر مقعدان فارغان، في إشارة لافتراق كريم نوال في الواقع لا في الخيال، وفي ختام تبدو معه الحكاية وكأنها بدأت للتو. حظي العرض بنقاش مستفيض في الندوة النقدية التي أدارها الفنان عبد الله مسعود، حيث أشار عبد الناصر خلاف إلى أنه أحب الشخصيتين وطريقة تقديمهما في العرض الذي يشبه اللعبة داخل اللعبة، وأشاد بقدرة المخرج على تحريك الديكور والسينوغرافيا، لكنه اعتبر أن العرض تضمن اختزالاً مخلاً لزمن الأحداث فيه. طارق الدويري أوضح أن العرض تضمن أفكاراً جيدة، وأن المخرج اشتغل وبذل جهداً في صناعة الخيال، مبيناً أنه كان يمكن أن يكون أفضل لو توفر له فني إضاءة متخصص ومحترف. محمد رفعت اعتبر أن العرض تضمن مغامرة تجريبية، ورصد تقلبات العلاقة بين الرجل والمرأة في عدة ثقافات من خلال استخدامه لأشياء بسيطة، وحلول إخراجية مبتكرة، كتبادل القبعات مختلفة الأشكال والتي تنتمي إلى أماكن مختلفة من العالم. بين التأثير والتأثر اختتمت أمس الأول جلسات ملتقى الشارقة السادس عشر للمسرح العربي الذي يقام على هامش المهرجان، بعقد جلستين، جاءت الأولى تحت عنوان «التجارب المسرحية الرائدة والجديدة بين التأثير والتأثر»، وأدارها الفنان الإماراتي نبيل المازمي، وضمت ورقة بحثية قدمتها الناقدة والمسرحية اللبنانية وطفاء حمادي بعنوان «مسارات أجيال المسرح اللبناني بين التواصل والانقطاع»، وأكدت في بدايتها أن الصراع بين الأجيال سيظل سؤالاً مطروحاً طالما استمرت الحياة نفسها. واستعرضت تجربة عدة أجيال مسرحية لبنانية، والتداخلات بينها، وأكدت أن لبنان تجاوز التقليدية في المسرح منذ سبعينات القرن الماضي، وأن الأجيال الجديدة ظهرت عندها اتجاهات ما بعد الحداثة وما بعد الدراما وغيرها. فيما قدم الناقد محمد رفعت من مصر ورقة بعنوان «المسرح المصري ما بعد 25 يناير: الاقتداء والانقطاع»، وأصَل في بدايتها مفهوم الجيل الإبداعي واختلافه عن الجيل الزمني. الدكتور عبد الكريم عبود من العراق قدم ورقة بعنوان «فرضية المجايلة والمنجز المسرحي في العراق، بين التقاطع والتلاقي»، أكد من خلالها أن صراع الأجيال هو قوة محركة، مبيناً أن هناك مجموعة من المحددات التي تعطي للجيل صراعاته ومعناه. أما حافظ زليط من تونس فقدم ورقة بعنوان «المسرح التونسي ومسألة المجايلة» وتناول من خلالها بشكل سردي تاريخي نشأة الأجيال المؤسسة في المسرح التونسي في الستينات، ثم ظهور الأجيال الحالية في المسرح. الجلسة الثانية جاءت تحت عنوان «شهادات في ضوء التجربة»، وأدارها المخرج العراقي مهند كريم، وضمت شهادات على التجارب المسرحية في كل من الإمارات ومصر، والكويت، قدمها كل من إبراهيم سالم، وفهمي الخولي وأحمد السلمان. فأبرز سالم من خلال تجربته في المسرح الإماراتي أن الصراع بين الأجيال يعود أساساً لصراع بين الأنا والآخر، وعدم تقبل كل منهما للثاني. وتناول السلمان من خلال تجربته وانتمائه للجيل الأوسط في المسرح الكويتي، الصعوبات التي تلقاها جيله، والرفض الذي وجهت به محاولاته المسرحية. الخولي اختار أن يعلق على الأداء التمثيلي في العالم العربي ككل، والفروقات التي تظهر فيه ما بين الأداء باللهجات المحلية، والأداء بالفصحى، وأكد أن الأداء بالفصحى يطبعه التكلف، وتغيب من خلاله نبرة الصدق الفني. وفي نهاية الملتقى كرم أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح مدير المهرجان الفرق المسرحية والضيوف من النقاد والمسرحيين والإعلاميين، ووزع شهادات تقديرية لدورهم في إنجاح المهرجان.

مشاركة :