هذه الضجة الكبرى الحاصلة في مصر هذه الأيام.. والتي يشارك فيها المثقفون وغير المثقفين والفاهمون في أمور ديننا الإسلامي الحنيف وغير الفاهمين.. سببها كما نعلم جميعا هذا الذي أعلنه العالم الجليل فضيلة شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب.. وهو الرجل الطيب فعلا.. وقد نال وينال احترامًا وتقديرًا وإكبارًا وإجلالًا من العالم الإسلامي المترامي الأطراف.. لكونه المُيَسِّرَ.. والمُبَسِّطَ.. وغير المعقد لأمور وتعاليم ديننا الإسلامي.. وغير المُتزمت والمتعصب كما نرى كثيرين آخرين غيره. سبب الضجة كما نُشر هو إعلان فضيلته: «إن تعدد الزوجات (ظلم للمرأة)، وإن التعدد ليس هو الأصل في الإسلام.. ذلك لأن التعدد هو حق مقيد». والحقيقةُ أن هذا الذي قاله أو أعلنه شيخ الأزهر ليس هو الأول من نوعه، بل قد أعلنه من قبل وعلى وجه التحديد في عام 2010م؛ أي منذ توليه مشيخة الأزهر الشريف.. ولكن ما أطلقه الشيخ هذه المرة هو وصفه التعدد بأنه ظلم للمرأة.. حيث حرص فضيلته في هذه المرة على أن يتوسع بعض الشيء في حيثية أن تعدد الزوجات هو حق مقيد في الإسلام منطلقا مما جاء في الآية الكريمة «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة».. حيث درج الكثير على النطق والتكرار لجزء واحد مما جاء في الآية الكريمة عندما وقفوا وتسمروا بعد النطق بكلمات ثلاث وردت في الآية الكريمة وهي: «مثنى وثلاث ورباع» ثم يصمتون! على أي حال الأغلبية العظمى من المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي يثقون ثقة عالية بهذا الرجل وبكل ما ينطق به.. وبنواياه التي لا يمكن أن تتسرب إليها ذرة واحدة من الشك. أنا لن أتحدث في شأن هذه الضجة من الناحية الدينية.. فهذا شأن غيري من أصحاب الفضيلة العلماء والمتبحرين في علوم الدين. يكفي هنا أن نشير إلى التضخم المتواصل لمعدلات الطلاق في العالم الإسلامي... وأنه في بعض الدول تنهال على المجتمع حفنة ضخمة من المطلقات كل دقيقة.. وفي دول أخرى تنهال مثل هذه الحفنة الضخمة وأكبر منها «كل ثانية واحدة».. ولا يمكن أن نبرئ ظاهرة تعدد الزوجات من تضخيم ظاهرة الطلاق في حد ذاتها من حيث إنها وبالٌ على أي مجتمع من جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمرضية والنفسية وحدوث الكثير من الأوجاع المجتمعية الأخرى. كما أنه في مجال الإنجاب فإن الإفراط في حالات تعدد الزوجات وتضخم حالات التعدد لا يمكن لأحد أن ينكر أنه يحدث إفرازا لنزيف من المساوئ، ومنها تضخم الإنجاب وانفلات تعداد السكان وتأثيره السلبي على اقتصادات بعض الشعوب وشح الفرص المجتمعية.. كما أن تعداد الزوجات قد ينال من مشاعر الأخوة النبيلة والعلاقات السوية بين الأبناء في بعض الحالات.. وتبقى أن العلاقات السوية الصحيحة والمنسجمة بين الأبناء التي يُحْكَى عن سويتها وانسجامها العالي في حالات تعدد الزوجات هي نادرة.. ولا يمكن الادعاء بالقول إنها منتشرة أو رائجة. ربما يكون بعض الدعاة أو علماء الدين قد قالوا عكس ما قاله فضيلة شيخ الأزهر.. فمنذ سنوات ليست بالقليلة خرج علينا بعض هؤلاء الدعاة يدعون إلى تعدد الزوجات قائلين: إن مساوئ تعدد الزوجات أخف وطأة من مساوئ العنوسة!! ولكن فإن مثل هذه الدعوات لم تدم طويلا وقد قُبِرَت في حينها.. حيث لم يكتب لها الرواج؛ لأن مثل هذه الدعوات لم تقم على أساس قوي يساندها أو يكتب لها الديمومة! المهم هو أن دعوة أو تصريح فضيلة الشيخ أحمد الطيب قد وجدت استحسانا وترحيبا من المرأة في جمهورية مصر العربية.. حيث الترحيب الكبير من المجلس القومي للمرأة.. فقد سارعت رئيسة المجلس «مايا مرسي» وأعربت عن عميق تقديرها وشكرها للشيخ الجليل إمام الأزهر الشريف.. حيث اعتبرت السيدة مايا هذا الذي نطق به أو أعلنه فضيلة شيخ الأزهر هو الحق الذي جاء ممن ليس له أي غرض، ولكنه قد أطلقه بدافع تنوير العقول وإظهار الحق، وتأكيده الدائم أن الدين الإسلامي الحنيف قد كرَّم المرأة وأنصفها وأعطاها حقوقا عديدة لم تكن موجودة من قبل! عمومًا ليست المرأة وحدها هي التي رحبت في مصر بما أعلنه فضيلة الإمام الأكبر -وهو الذي نطق بالحق والعدل وكعادته ودأبه دائما- ولكن انقسم أصحاب الرأي في مصر حول ما قاله فضيلته إلى فريقين: فريق يرحب -وهو الأكثرية- وفريق يستنكر ويشجب ويعترض وتنفلت ألسنتهم وهم الأقلية ومن بينهم بالضرورة الذين عودونا أن يقتطعوا أجزاء أو كلمات من الآيات الكريمة من القرآن الكريم ويتركوا الأخرى ليبرروا بسهولة ما يريدون أن يقولوه أو يسوقوا له ظلما وعدوانا! عمومًا، لقد أباح ديننا الحنيف الاختلاف والتباين في الرأي في كل أمورنا الحياتية بكل جوانبها.. ويمكن من دون شطط أو تعصب أو ادعاء أو إظهار جهل.. وأجمل حالات الاختلاف والتباين عندما يجيء الرأي في القضايا المُخْتَلف عليها منطلقا من علم صحيح بعيدا عن أي ادعاءات أو افتراءات!! عمومًا، كل عصر وله متطلباته.. وفي هذا العصر أليست «زوجة واحدة تكفي»؟!
مشاركة :