كشف موقع المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، تفاصيل اجتماع جرى بينه وبين وزراء الحكومة الإيرانية في يوليو (تموز) الماضي، قبل أسابيع قليلة من بدء العقوبات الأميركية، وينصح الحكومة بـ«ألا تعوِّل على حزمة أوروبية لحماية طهران من العقوبات الأميركية». وانتقد وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عرقلة الوزارة للقيام بمهامها. وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أمس، أن وفداً أوروبياً في طريقه إلى طهران لبحث تفعيل الآلية المالية الخاصة التي أعلنتها الدول الأوروبية للالتفاف على العقوبات الأميركية.ولم يكن موقف خامنئي بشأن التشكيك في المواقف الأوروبية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي جديداً، لكنّ توقيت نشره بعد تسعة أشهر يأتي في إطار الضغوط التي يمارسها بشكل غير مباشر على الحكومة الإيرانية التي تُجري مفاوضات حالياً مع فرنسا حول الدور الإيراني الإقليمي على الرغم من رفضها التفاوض حول البرنامج الصاروخي.ويلجأ مكتب خامنئي عادةً إلى نشر تفاصيل خلافاته مع المسؤولين الإيرانيين عندما تدخل الخلافات إلى طريق مسدود ويوضح توقيت النشر أن خامنئي غير راضٍ بشأن مسار المفاوضات الجارية بين طهران والدول الأوروبية.وتأتي خطوة مكتب خامنئي بعد يومين من انتقادات وجهها قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، للمرة الثانية خلال عشرة أيام، إلى أطراف تسعى وراء إبرام اتفاق على غرار الاتفاق النووي حول الدور الإيراني الإقليمي.ونقلت وكالة «رويترز» عن موقع خامنئي الرسمي، أمس، أن الأوروبيين سيقولون بطبيعة الحال إنهم يحمون المصالح الإيرانية بحزمتهم «لكن يتعين ألا تعطي (الحكومة الإيرانية) أولوية لذلك». وقال خامنئي إن الاتفاق لم يحل «أياً من مشكلات إيران الاقتصادية»، وتوقع أن الآلية التي اقترح الأوروبيون استخدامها لحماية الأعمال مع إيران من العقوبات الأميركية لن تؤدي أيضاً إلى حل تلك المشكلات.وكان خامنئي قد حذر، الشهر الماضي، الحكومة من أن تنخدع في الدول الأوروبية و«ابتساماتها».وفتحت فرنسا وألمانيا وبريطانيا في يناير (كانون الثاني)، قناة جديدة للتجارة مع إيران بغير الدولار، لكنّ دبلوماسيين يقولون إنه من غير المرجح أن تسمح تلك الآلية بصفقات كبرى تقول طهران إنها تحتاج إليها للحفاظ على الاتفاق النووي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي، أمس، إن وفداً أوروبياً يضم خبراء اقتصاديين وفنيين سيزور طهران لبحث الآلية المالية الخاصة «إينستكس»، ووصفها بأنها «خطوة متأخرة لكن مهمة». لكنه قال: «تعرف الدول الأوروبية أننا لا نقبل شروطاً ولا نطلب إذناً لسياستنا الخارجية».ودعت فرنسا إيران إلى وقف كل الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية وإلا مواجهة عقوبات. وهددت إيران بالانسحاب من الاتفاق إذا لم تمكّنها القوى الأوروبية من الاستفادة بمزايا اقتصادية. ووعد الأوروبيون بمساعدة الشركات على القيام بالأعمال مع إيران ما دامت ملتزمة بالاتفاق النووي. ويثير تشكك خامنئي تساؤلات بشأن فاعلية جهود ظريف للحفاظ على الاتفاق.وقبل أسبوع رفض كلٌّ من خامنئي، والرئيس حسن روحاني، استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ولكن خطوة الوزير كشفت عن عمق الخلافات في طهران حول السياسية الخارجية الإيرانية.وكان ظريف قد قدم استقالته احتجاجاً على عدم علمه بوصول الرئيس السوري بشار الأسد، إلى طهران. وقال إن الاستقالة جاءت في إطار صيانة المكانة القانونية للخارجية الإيرانية.وبعد استقالة ظريف دفعت وسائل الإعلام المنتقدة لسياسات روحاني وخصوصاً وسائل إعلام «الحرس الثوري» باتجاه وجود خلافات في مكتب روحاني وراء استقالة ظريف، ولكن مدير مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، قطع الطريق على ما تنوقل عن خلافات روحاني وظريف، وقال إن «روحاني يرى أن إيران لديها سياسة خارجية واحدة ووزير خارجية واحد».وأرسل كلام المسؤول الرفيع إشارة احتجاج واضحة على تقويض صلاحيات الخارجية الإيرانية في ظل أجهزة موازية للحكومة، والذي يتمثل في الملفات الإقليمية بدور مقربين من المرشد الإيراني علي خامئني مثل مستشاره في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني.وفي المقابل، رد سليماني على موقف روحاني بقوله إن ظريف «يحظى بتأييد المرشد الإيراني»، وإنه «من المؤكد المسؤول الأول عن السياسة الخارجية الإيرانية»، وحمّل في الوقت نفسه غياب ظريف عن استقبال الأسد لضعف التنسيق في مكتب روحاني.وعاد ظريف، أمس، مرة ثانية لانتقاد محاولات تهميش دور وزارته، وقال في هذا الصدد إن «الوزارة الخارجية لا تقبل التغيب في العلاقات الخارجية» حسبما نقلت عنه وكالة «إرنا» الرسمية.وقال ظريف: «هذه الوزارة لا يمكنها أن توافق على تغييبها من مشهد العلاقات الخارجية». وأضاف: «ينبغي ألا يعتبرها الآخرون مصدر إزعاج، يجب أن نعمل على أن يؤمن الجميع بأن حضور الخارجية في صالحهم وإضافة قيمة إلى عمل أي من الأجهزة».واعتبر ظريف أن الخارجية «أداة الدفاع عن المصالح القومية وحقوق الشعب عندما تكون حاضرة بقوة في المجالات الدولية كمتحدث قوي باسم البلاد».وأشار ظريف في أول لقاء يجمعه بموظفين من الخارجية الإيرانية عقب رفض استقالته إلى أن «مهمة الدفاع عن الشعار الأول للثورة، وهو الاستقلال، على عاتق الخارجية».ونوه ظريف إلى ضرورة تعزيز «الثقة» واعتبرها من أدوات قوة الخارجية، واستطرد قائلاً: «يجب أن يقدم انطباع إلى العالم بأن كلام الخارجية هو كلام كل البلد والسلطة، وأن الخارجية هي مسؤولة العلاقات الخارجية في كل البلاد». وأبدى رفضه أن يكون «لكل جهاز في داخل وخارج الحكومة سياسة خارجية خاصة به». مشدداً: «نحن وحدنا مسؤولون عن السياسة الخارجية في الوزارة الخارجية، خلاف هذا لا حاجة للوزارة الخارجية».ومع ذلك، لم يمانع ظريف من امتلاك الأجهزة الإيرانية دائرة للشؤون الخارجية، لكنه استند إلى أقوال سابقة لخامنئي للتأكيد أن وزارته نصف الحكومة.قبل ذلك بساعات، ذمّ المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي، في مؤتمره الأسبوعي، «التحليلات الحزبية والسياسية» بشأن استقالة ظريف، ونفى في الوقت ذاته أن تكون استقالة ظريف «أمراً شخصياً» أو نتيجة خلافات بينه وبين روحاني، وقال: «هذه الاستقالة لا علاقة لها بالوزارة الخارجية والحكومة وطريقة تعامل وزير الخارجية والرئيس، وكل التحليلات بهذا الصدد خاطئة».وأوضح قاسمي أن الاستقالة جاءت في سياق مساعٍ يبذلها وزير الخارجية على أثر «ظروف ما بعد شهر مايو (أيار) (الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي) والأوضاع الإقليمية والدولية». وأشار إلى أن ظريف «يعتقد أن الخارجية يجب أن تتمكن من القيام بمهامها الذاتية في الوقت المطلوب»، لافتاً إلى حاجة الخارجية «إلى مزيد من التنسيق والقوة»، وفقاً لوكالة «إيسنا» الحكومية.وانتقد قاسمي «ترويج الشائعات وإحالة الاستقالة إلى قضايا بلا أساس سواء سياسية أو حزبية أو خلافات بين الوزير والرئيس»، وعدّ تلك المحاولات «تقليلاً للقضية الأساسية التي كانت مطروحة في الاستقالة».وقال رداً على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة اطّلعت على زيارة الأسد قبل وصوله إلى طهران، إن «الزيارات من هذا المستوى عادةً لا يُعلن عنها نظراً إلى تأثيرها السياسي والأمني».وقال قاسمي إن «الأمر منطقي، يجب أن تكون الأمور هكذا، وهو ما حدث». وأضاف: «اتُّبع طريق صائب لدخول ومغادرة الأسد... وأعتقد أنه مَن يجب أن يطلعوا على الزيارة اطلعوا عليها، وهكذا زيارة لا يمكن أن يتم إخفاؤها عن كبار المسؤولين في البلد».
مشاركة :