في إطار استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم وتعزيز دورها الإقليمي والعالمي على أكثر من مستوى، تندرج اليوم الخطوة التي تبنتها قيادة الدولة في صيانة التراث الفكري والمنجز الحضاري الذي قدمته الأمة العربية إلى العالم عبر تاريخها الحافل بالإنجازات. ولترجمة تلك الخطوة إلى عمل ملموس، أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، بناءً على توجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن يحتضن مجمع قصر الرئاسة في العاصمة أبوظبي مقراً يحمل مسمى «قصر الوطن»، يتم تخصيصه لإبراز دور دولة الإمارات في نشر التراث الفكري العربي والمحافظة على الإرث الحضاري والإنساني. وعلاوة على انسجام هذه الخطوة مع جميع الإنجازات التي قامت بها دولة الإمارات في مجال صون التراث الإنساني ورعايته والاحتفاء برواده في كل مناطق العالم، فإنها اليوم تأتي في سياق خاص يميزها عما سبقها من إنجازات، وهو مناسبة عام التسامح الذي يؤسس لبداية مرحلة جديدة شعارها الانفتاح على ثقافات شعوب العالم ودعم الحوار الإنساني بين شعوبه المختلفة. فدولة الإمارات التي أطلقت قبل أسابيع قليلة «وثيقة الأخوة الإنسانية» في محفل إنساني كبير تابعته كل شعوب العالم، تصر على إكمال المسيرة الحضارية للأمة العربية عبر التاريخ، من خلال إبراز جوانب القوة التي ميزتها طوال قرون الازدهار، وهي قوة المعرفة والإيمان برسالة العلم ودوره في التنوير. وإذا كانت مبادرة قصر الوطن -الذي سيفتح أبوابه للزوار ابتداء من الاثنين القادم، الحادي عشر من مارس الجاري- تأتي في إطار جهود دولة الإمارات في رعاية التراث الفكري العربي الإنساني، فإن لها أبعاداً أخرى، من ضمنها لفت انتباه العالم إلى أن القصر ليس مجرد صرح للحكم ومركزاً لإدارة شؤون البلاد، بل يمكن أن يكون معلماً ثقافياً وحضارياً يترجم مسيرة التقدم والإنجاز في الدولة، فضلاً عن كونه جسراً للتواصل المعرفي والحضاري بين الأمم، وذلك باستضافته القمم واللقاءات الرسمية الرفيعة بين قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة وضيوفها من ملوك ورؤساء دول العالم. ويحسب لمبادرة «قصر الوطن» أنها ستغير من النظرة التقليدية لعلاقة الثقافة بالسياسة، إذ تقدم العلاقة بين الطرفين في سياق التعاون والانسجام وخدمة الإنسانية. ولذا فإن هذه المبادرة ذات البعد الرسمي تستحضر الإسهامات العربية في بناء الحضارة الإنسانية على مر التاريخ وتساهم في تقريب المسافات بين الشعوب. فبإلقاء الضوء على المحتوى الفكري والثقافي الذي يحتضنه جناح «قصر الوطن» يتضح لنا حجم الغنى والتنوع الذي يميزه، فهو يحتضن مكتبة تحتوي على مجموعة واسعة من المصادر المعرفية التي تهتم بتاريخ وجغرافية دولة الإمارات العربية المتحدة، ومراحل تطورها في السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية، كما يحتضن القصر «بيت المعرفة» الذي يلقي الضوء على العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية وإسهاماتها في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية من علوم وفنون وآداب وفلسفة وفلك ورياضيات وغير ذلك. ومن بين الأبعاد الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقاتها أن هذه المبادرة، وطبيعة تميز المكان الذي يحتضنها، تعزز ثقافة الفضول المعرفي لدى جمهور واسع من الناس، وبالتالي ستفتح لهم آفاقاً معرفية جديدة، وهي كلها أمور من شأنها أن تنشر ثقافة الاطلاع والقراءة في أوساط مختلفة بالمجتمع، وبهذا نكون أمام رافد معرفي جديد يحفز الناس على القراءة وهو ما يتماشى مع جوهر العملية التنموية القائمة على تطوير اقتصاد المعرفة وخدمة المجتمع، ومن ثم خدمة دولة الإمارات بصفة عامة.
مشاركة :