الرباط - لا تدخر خديجة أشطايش، المستشارة المعتمدة في مجال الرضاعة الطبيعية ومؤسسة مبادرة “الأمومة الذكية”، جهدا في نشر الوعي بجميع الوسائل الممكنة لدى الآباء والمجتمع عموما بضرورة أن تستعيد الرضاعة الطبيعية مكانتها المحورية، أمام استمرار تدني نسبة النساء المرضعات بالمغرب. وتوضّح أشطايش،إحدى المغربيات القليلات جدا اللواتي يمارسن تخصّص الاستشارة في مجال الرضاعة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا التخصّص لا يزال يتلمّس طريقه في المغرب، إذ لا يتجاوز عدد المستشارات عشرة، في أحسن تقدير، ولا توجد أيّ هيئة أو مؤسسة توفر التكوين والاعتماد بالمغرب، في حين أن هذه المهنة تعدّ تخصّصا قائما بذاته تكوينا وممارسة في الدول الغربية، التي تعرف تزايدا ملحوظا في نسب الأمهات المرضعات. وتقول أنها تحصّلت على اعتمادها في هذا المجال من هيئة أميركية معروفة عالميّا، وترى أن هناك لُبسا في فهم هذه المهنة فهي ليست تماما تخصّصا طبيا، لأن الرضاعة ليست مرضا والأم المرضعة ليست مريضة، دون أن ينفي ذلك إمكانية وجود أطباء لديهم تكوين في المجال. وتردف المستشارة أنها دخلت هذا الميدان منذ أزيد من خمس سنوات حين كانت حاملا بابنتها، وبدأت حينها في “التهام” الكتب والمقالات العلمية، إلا أن لقاءها بعدد من المتخصصات الفرنسيات في مجال الأمومة عن قرب والرضاعة الطبيعية كان له وقع كبير عليها، إذ أدركت حينها أنه لا تكفي القراءة، بل ينبغي التواصل مباشرة مع الناس. وتتأسف لأن الأمومة ورعاية الأطفال عادة ما يقدّمان كأنّهما عبء على المرأة، وكأن محطة الحمل والولادة تشكل فاصلا بين حياة سابقة للمرأة سمتها الحرية وقلة المسؤوليات وممارسة حياتها واهتماماتها دون قيود، وأخرى جديدة يجب أن تكرّسها فقط لأبنائها دون أن تفكر في نفسها. وكلما تعمّقت في هذا الميدان، إلا وزاد يقينها بقناعاتها التي مارستها عمليا منذ عام 2014 بعد ولادة ابنتها التي أتمت رضاعتها وكانت لا تجد حرجا في أن تلقي محاضراتها في الدورات التكوينية وهي تحملها بواسطة وشاح “الحمَّال”. وتعتبر خديجة أشطايش، أيضا مدربة متخصصة في الاستعداد للولادة وخبيرة في مساعدة ومواكبة الأمهات الجديدات والمقبلات على الولادة، مبادرة “الأمومة الذكية” ذلك “الجنين الثاني” الذي حملته في قلبها قبل أن يرى النور في 2015 بكثير من الحماس والحب. وحققت هذه المبادرة، حسب مؤسستها، في غضون ثلاث سنوات عدة إنجازات عبر برامج لمواكبة وتعزيز قدرات المئات من الآباء الجدد في ما يتعلق بالرضاعة الطبيعية، والاستعدادات للولادة الطبيعية، وتحديد اختياراتهم بوضوح في رعاية الأطفال، من أجل أسرة متوازنة وسليمة صحيّا ونفسيّا، وتغيير العادات السائدة في هذا المجال. وتشتغل المبادرة بشراكة مع المندوبية الجهوية لوزارة الصحة بالدار البيضاء- سطات والمراكز الصحية بالجهة، إلى جانب المساهمة في تكوين مهنيي الصحة وتحيين معارفهم وكفاءاتهم في مجال الرضاعة الطبيعية بالخصوص، وإلقاء محاضرات حول أمومة القرب وأساليبها، والتعاون مع مجلات متخصّصة وقناة تلفزيونية على الإنترنت وتنظيم قوافل موضوعاتية تحسيسية من أجل نشر وتعميم هذه المعارف. وللإجابة عن الأسئلة المتكررة للآباء، وظفت خديجة كل الإمكانيات التي أتاحتها الشبكة العنكبوتية في هذا المجال عبر إنشاء مدوّنة على الإنترنت وقناة متخصّصة على اليوتيوب، فضلا عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وبالرغم من الجهود تقول إنها تشعر بغاية المتعة في مواكبة الأسر، وبحماسة تعكسها باستمرار ابتسامتها وملامحها البشوشة. وتوضح خديجة أن الرعاية أو الأمومة عن قرب ليست وصفة جاهزة، بل هي مبدأ يمكن لأي زوجين تطبيقه بشكل يتكيّف مع منظومة القيم وقابلية الحضور، والسياق الأسري، والظروف الصحية واللوجستية. ورغم اهتمامها بجميع جوانب الأمومة عن قرب، إلا أن أشطايش جعلت من الرضاعة الطبيعية “حصان المعركة” لأنها لا تتقبل تماما كون 15 بالمئة فقط من النساء المغربيات يرضعن أطفالهن حتى السنتين، خاصة أن المبرّرات التي تقدمها النساء عادة من قبيل عدم كفاية الحليب وضرورة استئناف العمل، وهي لا تعدّ أسبابا حقيقية لعدم الإرضاع أو الفطام المبكر. وتبرز خديجة أن النتائج الإيجابية التي حققتها النساء اللواتي تابعن تكوينا في إطار مبادرة “الأمومة الذكية”، وإن كانت محدودة ووقعها لا يكاد يُرى على المستوى الوطني، تدل على أن التغيير ممكن إذا تم تعميم ونشر التجربة. كما أن الرضاعة الطبيعية شأن يستدعي تضافر جهود الجميع، من مهنيين وأسر وآباء ورؤساء المؤسسات ومجتمع مدني، من أجل إعادة الأمور لنصابها، حسب أشطايش التي تشدّد على أنه “لا خيار أمامنا اليوم سوى تدارك الوقت الضائع من أجل صحة أفضل لأطفالنا، رجال ونساء الغد”.
مشاركة :