الأخوة الإنسانية والحاجة إلى قيم أخلاقية كونية

  • 3/7/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تستدعي التحولات في عالمنا المعاصر -والمتأثرة بالعولمة- على مستوى السياسة والاقتصاد والبيئة، التفكير والتدبر في الحاجة الملحاح إلى قيم أخلاقية عالمية تُساهم فيها الأديان تكون مُلزمة لأبناء المجتمع الإنساني، فالاعتماد على تقنيات النظم الاجتماعية ومردودية العمل بمقاييس براغماتية لا تقدم حلولا للمشكلات الأخلاقية كالعنف والسلم العالمي. إذا كان يُفترض بالنظام العالمي اليوم أن يكون منضبطا بقوانين وأنظمة حقوقية نصت عليها الدساتير والمنظمات الدولية، فإنه بحاجة إلى أسس أخلاقية تُساهم فيها الأديان لتطبيق تلك القوانين. الافتقار إلى قيم أخلاقية متفق عليها يغرق العالم بأزمات قد تؤدي إلى انهيارات مجتمعية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تعاليم دينية وإرشادات فلسفية عامة. وعلى ضوء ذلك نفهم المهمة التي تنادي بقيم أخلاقية كونية بوصفها مطلبا مشتركا من أجل البشرية واستمرارية الحياة بأفق تحقق التطلعات الإنسانية. يتطلب النظام العالمي اليوم أخلاقا كونية. ومن هذا المنطلق يمكن أن يتحالف البشر بالدعوة والعمل من أجل حفظ الحق الأساسي لكل البشر في حياة تليق بالكرامة الإنسانية وتقرّب المسافة بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء، والعمل على تحقيق توازن مادي برفع مستوى حياة الناس الأكثر فقرا، وإمكانية أن يكون هناك مجتمع عالمي خال من الصراعات العنيفة والحروب. فيمكن للبشر أن يتحالفوا على اختلاف انتماءاتهم الدينية حول المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي اعتمد في 10 ديسمبر 1948 “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهِبوا عقلا وضميرا، فعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء”. في سياق هذا الاحترام المتبادل بين البشر أصبح التعاون من أجل أخلاق عالمية مشتركة مطلبا عالميا يمنع من الوقوع في آثار فقدانها والتخلي عن فضائلها. إن كل من يهتم برؤية الأخوة الإنسانية التي تتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، والتي تحظى بالاحترام الكامل والدفاع عنها على نحو أكثر فعالية في جميع أنحاء العالم، يجب أن يكون مهتما بالتأكيد على تحقيق تغيير في الوعي في ما يتعلق بالالتزامات أو المسؤوليات الإنسانية. ويجب النظر إلى هذه الأمور في سياق التحديات والجهود العالمية الرامية إلى إرساء أخلاقيات عالمية بشرية. فلا نظام عالميًّا من دون أخلاق كونية. المجتمع الدولي مطالب بترسيخ البُنى التشريعية التي تتخطى حدود الثقافة القومية والالتزامات الدينية الطوائفية. لا معنى لنظام عالمي يفتقد إلزاما أخلاقيا بمعايير أخلاقية كونية. فالأخلاق بهذا الأفق الكوني لعالم غير مجزأ على مستوى مشكلاته الكونية تأبى أن تكون مجزأة. هناك العديد من المشاكل المشتركة الناتجة عن التطورات العلمية وتعقيدات الحياة الاجتماعية المعاصرة، ومنها على سبيل المثال تلوث البيئة وانتشار الأمراض، وكذلك التلاعبات المالية والبورصة، التي تحصل بالاحتيال من خلال الانتقال إلى بلدان أخرى تسمح بها مبتعدة عن البلدان التي تمنعها وغير ذلك، فيلتف المتلاعبون حول القوانين بوسائل وطرق ملتوية للحصول على مصالح شخصية أو جماعية غير مشروعة ودون شعور بالمسؤولية. لذلك يعد التبرير والقبول الأخلاقي للقوانين شرطا هاما، فما الفائدة من قوانين لا يحترمها السواد الأعظم من الناس. بوسع الأديان بما تحتله من مكانة في الضمير أن يكون لها مفعول محوري ومنفتح على المستقبل لصالح الإنسان، وأن تنشر الثقة بالحياة والمسامحة والتضامن، كذلك يمكنها أن تنمي التجدد الروحي والإصلاح الاجتماعي والسلام العالمي. وبوسع الدين أن يكون سندا للهوية المنفتحة على الآخر المختلف والنضج الإنساني ولوعي سليم بالذات حين يُقدم بقيمه الأخلاقية الملزمة للأفراد بلا مؤسسات وتحزبات. وبوسع الدين أن يلعب دورا هاما على الصعيد النفسي والاجتماعي. لا يتيسر تطبيق الأنظمة الاقتصادية والتشريعية في الدولة من دون توافق أخلاقي. تتطلب عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا ووسائل الإعلام والأسواق المالية بالإضافة إلى البيئة والجريمة المنظمة إيجاد حلول عالمية لها، وتتطلب أيضا عولمة أخلاقية، فإن عدم وجود حد أدنى من القيم الأخلاقية المشتركة والمواقف التي يمكن لجميع الأقاليم والدول ومجموعات المصالح أن تلتزم بها، لا يمكن أن يكون هناك نظام عالمي جديد. إن على أولئك الذين يرغبون في العمل بفعالية من أجل حقوق الإنسان أن يرحبوا بنهضة أخلاقية جديدة وإطار من التوجه الأخلاقي. إن أتباع الديانات يتشابهون. فحتى لو فكر الشخص المؤمن أو المتدين في أن دينه يجعله مختلفا عن الآخرين، عليه الالتفات إلى حقيقة أن دينه يعلِمه أيضا أوجه التشابه بينه وبين أشخاص آخرين ذوي دين مختلف. كان الناس دائما وعلى امتداد تاريخ البشرية يبحثون عن كائن مثالي وقوي لا مثيل له في المجتمع البشري أو بين البشر أنفسهم. يعبر الناس عن دياناتهم بطريقتهم الخاصة ولغتهم وثقافتهم. لكن رغم هذا الاختلاف إلا أنهم يكملون بعضهم البعض بغض النظر عن تسمية الإله في مختلف الأديان، جميع الغايات النهائية التي يريد البشر الوصول إليها، وحتى التي لم يصلوا إليها معا، سيجدون -وهذا هو المهم- المسار نفسه تجاهها، وهذه هي مهمة الدين. فالتحرك نحو المسار الصحيح بهداية وإرشاد القيم الأخلاقية له قيمة تتعلق بحياة الأنسان على الأرض بغض النظر عن الوصول إلى الهدف أو عدم الوصول إليه؛ فالمهم هو السير في الاتجاه الصحيح. بهذا المعنى، نتسلق القمة نفسها ولكن من بيئات وأزمنة مختلفة، بغض النظر عن بيئاتنا في الغابات أو الصحراء أو في جزيرة صغيرة في أعماق المحيط. نحن أجزاء من القبائل البشرية المتحدة. يمثل الدين جانبا مهما في حياتنا؛ الدين يعطينا الطمأنينة من وجود شيء نؤمن به. لا يهم أي دين ننتمي إليه، إنه الشعور بالانتماء والراحة، هو لا يسيطر علينا حتما بقدر ما يعطينا الدليل المرشد في الحياة الذي يقودنا إلى الطريق الصحيح. الشيء الأهم في الدين هو أنه يمنحنا إيمانا بالرقيب -المحاسب والمثيب- لأنه مع تعدد الأديان والفرق في القواعد التي نتبعها، تبقى الأهداف هي نفسها، وهي أن تصبح شخصا صالحا وتعيش الحياة بطريقة جيدة وصالحة وسعيدة. مجرد الشعور برغبتك في رضا من يراقبك هو شعور جميل لأنك ستفكر دائما في أنك لست وحدك وأن كل شيء يحدث لسبب ما، وأن التزامك الأخلاقي تجاهه يمنعك من الوقوع في الخطأ تجنبًا لإغضابه. إن الأخلاق مطلب مشترك هنا. ستكون الأخلاق وازعا نلتزم به جميعنا نحن البشر -مؤمنين وغير مؤمنين- يدفعنا نحو الالتزام تجاه بعضنا البعض للإصلاح.

مشاركة :