يتعامل أعداء الله مع الإسلام كما تعاملوا مع الرسالات السابقة حيث تمكنوا من تحريفها وتعديل مسارها وجرف أهلها عن المنهاج الإلهي القويم، حدث ذلك لأن هذه الرسالات رسالات مؤقتة إلى قوم مؤقتين، ولم يعط الله تعالى على نفسه العهد بحفظها، أما الرسالة الإلهية الأخيرة فقد تعهد الله تعالى بحفظها قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر9)، والذكر هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، هذا بيان من الله سبحانه وتعالى أنه منزل الذكر وأنه الحافظ لهذا الذكر من النسيان والتحريف والتبديل والضياع والتأويل الفاسد، من هنا فإن الرسالة الإسلامية رسالة لها عناية خاصة من قيوم السماوات والأرض، كما أن رسالة الإسلام هي الرسالة الأخيرة من رب العباد إلى العباد يقول تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة3). وهي الرسالة الكاملة بشهادة رب العباد، وهي الدين الإلهي المعتمد والرسالة التي ارتضاها الله تعالى لعباده دينا، وهي رسالة عالمية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء107) فهي لا ترتبط بقوم كاليهودية أو ببلدة كالنصرانية لكنها مرتبطة بكل مسلم الوجه لله متبع لدين الله ومطبق لكتاب الله، فلا هي محمدية، ولا هي عربية، ولا هي مكية ولكنها إسلامية. كل هذا يؤكد أن الإسلام دين محفوظ بحفظ الله، وكامل بفضل الله، وعالمي بقول الله تعالى، وكل محاولة لطمس هذا الدين، وتحريف هذا الدين، ومحو هذا الدين، كلها محاولات من الضعفاء لطمس دين الله القوي، ومحاولات لإطفاء نور الله، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)) (التوبة 32-33). كل المحاولات المبذولة من أعداء الله هدفها الرئيس هو إزالة دين الله ونور الله الإسلام من الوجود، هم يعملون لذلك ويخططون لذلك ويتوقعون ذلك ويأملونه، (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ) يتم الإسلام رغم تخطيطهم ومكرهم وكيدهم، قوتان الأولى قوة بشرية جاهلة تبذل جهدها لإطفاء نور الله من الأرض، والقوة الثانية هي أقوى قوة في الوجود إنها قوة القوي، وإرادة القوي، رب كل شيء ومليكه، إنه القوي الذي أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بدينه ونوره (بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) على الكفر والإلحاد والشرك والزيف، سيظهر الله تعالى دينه ولو كره المشركون رغم أنف كل هؤلاء ومن يشايعهم من بني جلدتنا، المخدوعين بقوة المشركين المادية والتقنية والمالية. إن محاولات إطفاء نور الله الإسلام مستمرة منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام ومرورا بكل قوم وقفوا وعاندوا نبي الله ورسوله الذي أرسل إليهم ومعه الأدلة المادية الدالة على نبوته ورسالته ومنتهية بكفار مكة وقوتهم الباطشة الغاشمة، وبعبدة النار من المجوس وعبدة عيسى عليه السلام من الروم وعبدة الشيطان والشيوعيين والقوميين والعَلمانيين والليبراليين، الصراع دائم بين الحق والباطل، والجهل والعلم، والنور والظلام، والتوحيد الخالص لرب العباد والشرك بالله. الصراع دائم وعلى المؤمنين مواجهته بالعلم الشرعي وبالعلم التقني وبالأخلاق الحميدة وبالاعتصام بدين الله، منهاجنا في مواجهة هؤلاء هو التربية للأجيال ليكونوا كما قال الله تعالى، وكما رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24)) (الأحزاب 23-24). إنهم أنموذج عملي ميداني لمخرجات مدرسة النبوة ومنهاج الإسلام فهم مؤمنون، رجال صادقون في وعدهم مع الله، جاهدوا في سبيل الله فمات منهم من مات والأحياء باقون على المنهاج ينتظرون وعد الله بالنصر ونشر دين الله، وما بدَّلوا في دينهم أو ابتدعوا أو انحرفوا أو أولوا تأويلا فاسدا وسوف يجازيهم الله تعالى بصدقهم، هذا هو الجيل الذي شارك في تأسيس دولة الإسلام، وفتح القلوب والبلدان، ونشر الإسلام من إسبانيا إلى الهند والصين ومن المجر حتى عدن، الجيل الذي تصدى للصليبيين وللتتار والشيوعيين، هذا هو الجيل الذي تربى على الإسلام الخالص الكامل التام. نحن نقول لهذا الجيل كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الغار: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَاوَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة40). هذا بيان للمخلصين الصادقين الموحدين الآخذين بالأسباب ودعائم التمكين عملوا بهمة وبصحة وبعلمية وتجرد وصدق وإخلاص، ولا تحزنوا من كيدهم وتدبيرهم، وليكن شعاركم (إن الله معنا)، القوي العليم القادر الغني القهار رب كل شيء ومليكه مع المؤمنين الصادقين المخلصين العاملين بإخلاص وصواب الله مع المؤمنين (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة40) يعز المؤمنين الصادقين المخلصين الواعين الذين يعملون لله بإخلاص وصواب. هذه هي الحقيقة التي يجهلها أعداء الله ويجهلها المرجفون والمنهزمون من بني جلدتنا، واستيقن بها السابقون فبنوا حضارة الإسلام العلمية الخلقية التي أضاءت العالم أكثر من ألف عام، والأمل معقود بإذن الله على عودتها بعودتنا إلى دين الله بصدق وإخلاص.
مشاركة :