زيارة روحاني للعراق: شوكولاته اقتصادية وفُستُق حدودي

  • 3/10/2019
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

سياسيٌ فرنسي، يبدو أنهُ قضى شطراً من حياته في بَستَنةِ الاتفاقات الدولية، وجد إنّ عمر الاتفاقات الدولية بعمر الورود. تلك الورود الورقية، تحترقُ سريعاً، حالما تهبُ عليها رياحُ الصراعات الحدودية. تعقيداتُ الانتقال من الإمبراطوريات إلى دولٍ قومية، زادت من قُدرة الحدود على حرقِ ورود الاتفاقات. الأولى، اعتمدت على "التخوم" في رسمِ حدودِها؛ والثانية، اتخذت من "الخطوط" قلماً لتخطيطِها. علي رحيم مذكور التقط ذلك الهبوط الاضطراري لطائرة التخوم الإمبراطورية في مطار الخطوط القومية: لم تكن الخرائط والعلوم معروفة، فلم تكن تُعرف الحدود على أساس الخطوط، بل تقوم معرِفتُها أصلاً على أساس التخوم، أي بمعنى ترك بعض الأراضي كمجال جغرافي لحركة التماس. زيارةُ روحاني للعراق، فرشت الميديا أمامها سجّاداً أحمراً من التوقعات. الإعلام العراقي "طبّش" أقدام الزيارة في شط العرب. أمّا الإعلامُ العربي والعالمي، فقد فسّر تلك الزيارة بأنها تأتي لغرض إكسابِ طهران مزيداً من القوّة في معركة عضّ الأصابع الاقتصادية مع واشنطن، والتي أطبقت عليها بأسنانِ عقوباتِها. ماكنةُ إعلام تحالف الفتح بدورِها، بدأت منذُ مدّة ليست بالقصيرة برمي منجنيق الاتهامات على البيت الزجاجي الذي يجمعُ ما بين بغداد وواشنطن، مُتخِذةً من القواعد العسكرية لليانكي، هدفاً حربياً. أيضاً سخّنت تلك الماكنة موضوع عدم اكتمال الكابينة الوزارية، بسبب غياب هلال فالح الفياض عن سماء وزارة الداخلية. تلك التوقعات التي لم تُسافر أبعد من الأنف، أصبعُها موجودٌ في ترجمة آية حسين علي لموضوعٍ يتعلقُ بطبيعة اللغة السياسية، المتوفرة حالياً في البازار الإعلامي: بمرور الوقت أصبح كل السياسيين يتواصلون مع الناس بأسلوب غير رسمي ويشبه الأسلوب القصصي. هكذا، فأن ما تفعلهُ تلك الطائرات الإعلامية، والتي لا تُحلِّق بعيداً عن المدار الأنفيّ، يحومُ ربّما وفق تعليمات طريقةٍ، قد تكون هي من ساعدت- وبحسب آية حسين علي أيضاً: ترامب على الفوز في الانتخابات الرئاسية. أمّا بالنسبة لماكنة تحالف الفتح، لا يعدو هجومُها الإعلامي، كونهُ رميَ ورودٍ على رأس الزيارة، ليضمنُ صاحِبُها؛ الرئيسُ روحاني، الحِفاظ على تقليدٍ إيرانيٍ عتيق: خُذ وطالب! شط العرب حديقة إيران المائية العراق، وبحسب القراءة الجغرافية، ذو وزنٍ مائي نهري. لا يعدو عن 80 كيلومتراً. هو يشبهُ أوريا نهرياً، يجابهُ سليماناً بحرياً ونهرياً (إيران)، لديهِ 2524 كيلومتراً. المراهنون على حسن النوايا المائية والحدودية للرئيس روحاني، سيجدون أنها غير موجودة في الحقيبة الدبلوماسية للوزير ظريف. الأكاديمي أحمد محمود إبراهيم حمدونة، يقدِّمُ لنا دليلاً فرنسياً، نُقدِّمهُ بعد تقليم كلماته: في الثامن من اكتوبر سنة 1990 نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تصريحاً للرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني "إيران أبلغت زعماء الكويت بأنها لن تقبل بأدنى تنازل كويتي عن أي جزء من أراضيها، بما في ذلك جزيرة وربة وبوبيان." هكذا نستطيعُ بواسطة مسطرة هذا المِثال قياس سبب الفشل العظيم لميناء الفاو الكبير العراقي! الرئيس روحاني لن يفعل شيئاً مختلفاً عن القوميسار الإيراني. الأكاديمي عبدالأمير احمد عبدالله، ذكر حكايته في دراسته. نختزِلُها: في سنة 1954 ادعى القوميسار الإيراني في مدينة مديوان الإيرانية بوجود إحدى السواقي الحديثة في الجانب العراقي. تبين أن الساقية تمتد داخل الأراضي العراقية. القوميسار الإيراني لم يقتنع. قام الرعايا الإيرانيون بحفر ساقية إضافية أخرى. الأكاديمية بيداء محمود أحمد شخّصت داءً إيرانياً يصيبُ الجسد الدبلوماسي الإيراني عندما تُنْصَب طاولة الاتفاقات الحدودية البرّية والمائية: تهرُّب السُلطات الإيرانية من الاجتماع مع السُلطات العراقية. المؤسسة المائية الرسمية للبلاد (وزارة الموارد المائية)، وكمثالٍ آخر، أكّدت في 2009، ارتفاع نسبة الكولسترول الدبلوماسي عند إيران، حالما تحضُر المياه: إنّ الجانب الإيراني يمتنع عن عقد اللقاءات بالجانب العراقي لدراسة انخفاض المياه والحصص المائية بين البلدين رغم المخاطبات الرسمية. قضية الحقول النفطية المشتركة، بين العراق وإيران، ربّما سيكونُ رأسُها مقطوعاً هي الأخرى، في هذهِ الزيارة الرئاسية المُرتقبة، خاصّةً، بعد وقوع مطرقة العقوبات الأميركية على رأس الاقتصاد الإيراني. ليس من المعقول أن تُرخي إيران قبضتها، على إوزةٍ ذهبية، تطيرُ في حدودٍ غامضة بين البلدين، لكنها مرسومةٌ بالحبر القومي الفارسي. بعد أن احتلت إيران، سنة 2009، بئر الفكة النفطي المشترك مع العراق، نقلت وسائِلٌ إعلامية عن قائد القوات البرّية الإيرانية: إنّ البئر محل التنازع إيرانية خالصة. حوار خارج النصّ بين عبدالمهدي وروحاني روحاني: وثّق علاقاتِنا الاقتصادية ولا تقطع شعرة الدولار بيننا عبدالمهدي: أعطني كابينتي الوزارية ودع قواعد اليانكي تعبرُ رادار "الفتح" النيابي هذا الحوار المُتخيّل بين بغداد وطهران، لهُ جذورٌ في ألسُنة تصريحاتِ، العديد من قادة تحالف الفتح، والذي تخرجُ كلماتهُ من البطن الإيرانية. مثلاً، أمين عام عصائب أهل الحق بيّن، في 23 فبراير الماضي: مع وقوفِنا القوي ضد النفوذ الأميركي في البلاد إلاَّ ما يكون منه لمصلحة المواطن ويكون مُحدد الحجم والزمان والمكان والصلاحيات. أمّا الرئيس البرلماني العراقي، كان قد صرّح، قبل الرئيس العصائبي (قيس الخزعلي)، في 9 فبراير الماضي: إنّ البرلمان تسلم مقترحاً تبناهُ برلمانيون بهدف تحديد مهام الوجود الأميركي وتوقيت بقائِهم في البلاد؛ وعمّا إن كان تحالف الفتح، قد قام لا سامح الله بتقديمِ طلبٍ لطرد القوّات الأميركية، نطق لِسانُ كبير البرلمان: لم أتسلم أي مقترح من قبل البرلمانيين يهدف لطرد القوّات الأميركية من البلاد. قيصر الأطلسي، ذو اللغة الشعبوية العتيقة، الرئيس دونالد ترامب، كان قد صرّح في 3 مارس الجاري، وبما يشبهُ تعهداً، يتناغمُ مع موقفه من بقاء قوّاتٍ أميركية في سوريا، لكن يبدو أنهُ قد تسلل هذهِ المرّة، داخل حدود العراق: سنترك مجموعة صغيرة من الرجال والجنود، نريد أن نعيد شعبنا إلى الوطن، لقد حان الوقت. الأنفُ القومي الإيراني، شمّ من كلمات ترامب: مبدأ نيكسون أو مبدأ غوام 1969، والذي يقوم على تركيز الدبلوماسية الأميركية في آسيا على الأدوات الاقتصادية، كبديلٍ عن الأدوات العسكرية. الواضح أن المناطق الحرّة المُزمعة، بين العراق- المملكة العربية السعودية، والعراق- المملكة الأردنية الهاشمية، قد حرّكت خوفاً إيرانياً من غرق العراق في زئبقٍ من الانتعاش الاقتصادي، غير المخنوق إيرانياً، كالحدود والمياه العراقية، والتي تأكلُ إيران، أشهى ما فيها يوماً بعد آخر. الأهم أنها تسببُ: نزوح العراقيين الذين يحملون الخرائط الحقيقية لذاكرة الأرض العراقية (بتصرفٍ في وصف علي رحيم مذكور)، وتقطعُ 100 ألف مترٍ سنوياً، من جسد الجغرافيا العراقية، المصلوبة تحت وصايةِ طهران المذهبية. طهران وواشنطن، متفقتان على تجريفِ العروبة من العراق، ولا تعدو مكافحة النفوذ الإيراني لتواجد قواعد اليانكي في العراق، وبحسب الأكاديمي أحمد محمود إبراهيم حمدونة، سوى إجراءٍ: لمنع مأسسة دور الولايات المتحدة في فنائها الخلفي على المدى الطويل. نقترحُ على القارئ في الختام، أن يستسلم كمحمد حسنين هيكل، لنصيحة ديغول، قبل أن يحلل الأمور السياسية: أقرأ الخرائط!

مشاركة :