تونس - شاركت تونس، منذ يومين، نساء العالم احتفاءهن باليوم العالمي للمرأة، ولم تفوّت تكريم التونسية كدأبها في كل عام، لاسيما وأنه ينظر إليها كدولة قطعت أشواطا هامة في مجال حقوق المرأة مقارنة بدول عربية ما زالت متأخرة في هذا المجال، عبر تفردها بترسانة من القوانين وصفها مراقبون بمثابة ثورة دستورية وتشريعية لفرض مساواة فعلية بين النساء والرجال في المجتمع. وفي حوار مع “العرب” قيّمت وزيرة المرأة التونسية نزيهة العبيدي واقع التونسيات، معبّرة في البداية عن ارتياحها لما أنجز من قوانين لإنصاف النساء، لكنها تقر في المقابل بأن الطريق مازال طويلا ويتطلب الكثير من الجهد والعمل التشاركي، فرغم المكاسب العديدة التي حصلت عليها المرأة التونسية، إلا أنها عاجزة عن التمتع بها في الواقع الذي لا يزال يشكو من نقائص في هذا المجال. وترى العبيدي أن اليوم العالمي للمرأة كان “مناسبة لتكريمها لكننا نعمل طوال السنة حتى ندعم الحقوق الإنسانية للمرأة التونسية”، مشددة على أن هذه الحقوق لم تأت صدفة وإنما كانت نتاج سنوات طويلة من التضحية. وتملك تونس رصيدا مميّزا من النضال في مجال حقوق المرأة، وكانت سباقة في إرساء مدونة قانونية متفردة تعرف بمجلة الأحوال الشخصية منذ عام 1956، في وقت كان وضع المرأة فيه متأخرا ليس في المنطقة العربية فحسب، ولكن أيضا في عدد من الدول الغربية. وقالت الوزيرة التونسية إن هناك فارقا بين ما هو نظري وما هو معلن في ما يتعلق بحقوق المرأة في الواقع، لأن ذلك يستند إلى جملة من المنعطفات عرفها هذا المجال من الناحية القانونية. وأوضحت أن “هذه المنعطفات تتمثل في أنه لم يكن من السهل تعديل مجلة الأحوال الشخصية في عام 1993، حيث تم إلغاء مبدأ الطاعة الذي يضع المرأة مهما كان وضعها تحت وصاية الزوج تطيعه في كل شيء، في العمل وفي الدراسة”. المجتمعات المثالية غير موجودة لكننا نطمح في تونس إلى تخفيف الفجوات وتقليص العنف ضد المرأة وإدماجها في أكثر من موقع بالحياة العامة ووقع تنقيح هذا الفصل (23) ليستبدل بمبدأ الاحترام المتبادل داخل الأسرة وأصبحت هناك مساواة. ومع اعتماد دستور جديد في البلاد سنة 2014 والذي يعتبر من أهم مكتسبات الثورة كونه ينص على ضمانات للمساواة بين الرجل والمرأة. وتابعت العبيدي أن الفصل 46 من الدستور يقر بأنه يقع على عاتق الدولة دعم حقوق المرأة. ومنذ عام 2014 وقع سن العديد من القوانين والكثير من الآليات لحماية النساء، مشيرة إلى أن وزارة المرأة خصصت ميزانية خاصة للتمكين الاقتصادي للتونسيات ومناهضة العنف ضدهن ودعمهن في مواقع صنع القرار والمسؤولية. ويعد حضور المرأة في تونس قويّا في أغلب القطاعات المهنية، أبرزها الطب والقضاء والتعليم الجامعي والنسيج والفلاحة بنسب تفوق 50 بالمئة، لكنها لا تزال تشكو من حضور متواضع في المناصب القيادية التي تقل عن نسبة 4 بالمئة. وأضافت العبيدي “أدرجنا أيضا مقاربة النوع الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، وهو ما أدى إلى اختيار تونس عاصمة للمرأة العربية 2018-2019، ليقع اختيارها أيضا عاصمة دولية لتكافؤ الفرص بين النساء والرجال عام 2019”. وتدافع الوزيرة التونسية عن هذه الترسانة الهامة من القوانين وإن بقي الكثير منها على المستوى النظري فقط، لكنها ترى أن هذه الفجوة بين المنشود والموجود تعاني منها أغلب دول العالم وليس تونس فقط، مؤكدة أن تونس تعمل بجد حتى تحصل على مساواة فعلية. المساواة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان المساواة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وتعتبر المساواة من منظور العبيدي جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، لذلك فإنها ينبغي أن تكون فعلية وتمارس وفقا للقانون في الحياة العامة وداخل الأسرة، وهذا ما تسعى تونس إلى تحقيقه عبر الحملات التوعوية والعمل التشاركي مع بقية وزارات الدولة لترسيخ المساواة الفعلية التي لا تتجزأ في أي مجال كان. وتابعت “نُولد على قدر واحد من المساواة لكن الفوارق الثقافية هي التي تمنحنا أدوارنا الاجتماعية، لذلك فنحن نهتم بتطوير العقليات، لاسيما وأن العقلية الذكورية السائدة ومعاناة الكثير من النساء من النظرة الدونية هي جل ما يعيق جهودنا في توفير حقوق المرأة، مشددة على أن التحدي الحقيقي هو التغلب على هذه العقلية التي تظهر في ممارساتنا اليومية”. وقالت “لا وجود لمجتمعات مثالية، لكننا نطمح في تونس على الأقل إلى تخفيف الفجوات وتقليص العنف ضد المرأة وإدماجها في أكثر من موقع بالحياة العامة وهذه رؤيتنا وتصورنا لتواجد المرأة في المجتمع”. وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها وزارة المرأة، إلا أن النساء في تونس مازلن يعانين من تهميش اقتصادي واجتماعي. وبحسب تصنيف تقرير جديد للبنك الدولي نشره ضمن دراسة حول “المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2019: عقد من الإصلاحات”، فإن المرأة تحتل مراتب متأخرة في ما يتعلق بالاندماج الاقتصادي لها. وتحصلت تونس، ضمن هذا المؤشر، على حوالي 58.75 نقطة من أصل 100 نقطة، وهو ما يعني أن النساء في تونس لا يحصلن سوى على نصف ما يتمتع به الرجال من حقوق قانونية (58 بالمئة)، وهو ما يعيق قدرتهن على الحصول على فرص عمل أو إنشاء أعمال واتخاذ قرارات اقتصادية تصب في مصلحتهن ومصلحة عائلاتهن. ويضيف تتواتر الأنباء حول جرائم الاغتصاب، لاسيما بعد ثورة 2011، تحدّيا آخر أمام السلطات ومدى قدرتها على تفعيل العقوبات التي تضمنها القانون المجرّم للعنف ضد المرأة والذي صادق عليه البرلمان في يوليو عام 2017. 32 بالمئة من النساء يعشن في الوسط الريفي 32 بالمئة من النساء يعشن في الوسط الريفي ويشكل الوضع الاقتصادي الصعب للمرأة الريفية في تونس معضلة أمام الحكومة في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد البلاد من صعوبات حادة. وفي معرض ردها على سؤال عما إذا كانت المرأة الريفية مازالت أقل إنصافا وأقل تمتعا بحقوقها مقارنة بنظيراتها في المناطق الحضرية، تجيب العبيدي أنه “بالنسبة إلينا حين نسن قانونا لا نميز بين المرأة الريفية أو الحضرية، بل نفعل ذلك لفائدة المرأة أينما وجدت وفي مختلف مراحل حياتها وفي الوسط الذي تتواجد فيه”. وبحسب أرقام وزارة الزراعة التونسية، فإن 1.786 مليون امرأة تعيش في الوسط الريفي، يمثلن 32 بالمئة من مجموع نساء تونس، و50 بالمئة من مجمل سكان المناطق الريفية. ولفتت العبيدي إلى أنه “عندما وضعنا استراتيجية لفائدة المرأة بالوسط الريفي استشعرنا أنها تتعرض للعديد من الصعوبات”، مشيرة إلى أن الوزارة وضعت لفائدتها تغطية حماية اجتماعية لم تكن النساء في هذا الوسط يتمتعن بها، كما تعمل على توعيتهن بحقوقهن المالية وأن عليهن المطالبة بنفس الراتب الذي يتقاضاه الرجل ولا يجب أن ترضى بالاستغلال لضغوط أسرية، متابعة أن “حقوق المرأة الريفية مضمونة في الدستور ويكفلها القانون”. وبخصوص قانون المساواة في الميراث الذي أثار جدلا بين مختلف التيارات السياسية والفكرية في تونس، أفادت العبيدي بأن الحكومة أحالت مشروع القانون على البرلمان من أجل المصادقة عليه حتى يدخل حيّز التنفيذ في حال حاز على تأييد أغلبية الأعضاء. وترى أن الحكومة مطالبة بتنفيذ ما ينبثق عن البرلمان بصفتها سلطة تنفيذية. وتعتبر المساواة في الميراث من أصعب الإصلاحات التي تواجه “لجنة الحريات الفردية والمساواة” التي أحدثها الرئيس التونسي لتفعيل نصوص المساواة التي نص عليها الدستور. وذكرت العبيدي أنه قانون اختياري تترك للأسر حرية التصرف في مسألة التوريث. وتطرقت وزيرة المرأة في ختام حوارها مع “العرب” إلى وضعية ربات البيوت، لافتة إلى أن مجلة الأحوال الشخصية تنظم العلاقات داخل الأسرة، قائلة “المجلة لم يتم إنشاؤها فقط من أجل تمكين المرأة التونسية من حقها بل جاءت لتنظّم العلاقات داخل الأسرة التي تحمل على عاتقها مسألة تنسيق طرق التعامل بين أفرادها”.
مشاركة :