وقصصها العجيبة 2-2

  • 3/2/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ما زلنا نتحدث عن فكرة المحاولة الأولى ونيل شرفها، وانصب حديثنا في الجزء الأول عن (جان كوم) صاحب برنامج الواتس أب ومبتكره، وقلنا كيف أن المحاولات الأولى ومبادراتها قد تغير مجرى حياتنا إذا ما حُفَّت بالعزيمة والمثابرة والصبر، وسوف أستكمل في هذه الحلقة نماذج أخرى تدهشنا وتحفزنا على عدم اغلاق باب الأمل، وعدم النكوص عن مبادراتنا الجميلة من أجل حياة أجمل، فجاء حرصي على جعل التجارب مدارا للحديث، حتى لا يتحول المقال إلى أفكار مثالية ومجردة بل تدخل في حيز الواقع الملموس والمجرب من خلال محاولات أولى بدلت حياة البشرية جمعاء، فالطائرة التي لا غنى لنا عنها اليوم تأسست من محاولة تقليد للطائر المحلق حتى أن البعض يرى فكرة التقليد هذه ساذجة، ويراها الأغلبية فاتحة خير ومنطلق ابتكار خارق. من أمثلة ذلك أن تكون أكبر شركات العناية بالقدمين عالميا نتاج تلك الأفكار الخلاقة التي ابتكرها شخص أفنى حياته صانع أحذية، ولم تكن هذه المهنة اختيارا من ذاته بل بأمر من والده، هذا الحذاء الصغير هو (وليم شول)، الذي تابع دراسته تزامنا مع عمله حذاءً، ومنذ بداياته الأولى وهو يفكر في حذاء مريح يقي الزبائن مسامير القدم، فدفعته جديته إلى تطوير أبحاثه في هذا المجال وكذلك الحصول على شهادة الطب في هذا التخصص تحديدا، وتتمثل محاولته في عدم التوقف بفكرة الحذاء عند حدود الصناعة بل جعله علاجا لقدم الإنسان والمحافظة عليها من الناحية الصحية، وقس على ذلك محاولة (ويليس كاربير) الجادة لجعل الحياة بنكهة أخرى، حين حول حرارة الصيف في مناطق عديدة إلى طقس بارد قابل للعيش بتوصله إلى خاصية تبريد الهواء عام ١٩٠١م. إذن المسألة تكمن في المبادرة، أو كما يسميها (مالكولم غلادويل) نقطة التحول، التي من شأنها قلب حياتنا رأسا على عقب، أو لربما تصبح استحداثا لحل جذري في أمر يحتاجه البشر، فنقطة التحول تلك هي «وليدة فكرة، والفكرة بسيطة جدا»، ولو دققنا في كل الأفكار الخلاقة وأساسها لانتهينا إلى حقيقة واحدة هي أن النجاح منطلقه الأفكار الصغيرة التي تكبر وتكبر إذا ما وجدت من صاحبها العناية والاهتمام، وغالبا ما تنطلق من حاجة وضرورة، ولهذا يقال: الحاجة أم الاختراع، فقد لا نصدق أن مخترع حزام الأمان بالسيارة هو طبيب جراح يدعى (هانتر شيلدن)، ومنبع الفكرة أن لاحظ توافد الكثير من المصابين على المستشفى الذي يعمل به بسبب حوادث السيارات، ومعظم الإصابات كانت بالرأس والوجه مما دفعه إلى تصميم هذا الحزام، ليخدم البشرية جمعاء ويحقق لها فكرة السلامة. ومثله ذاك الذي اخترع الآلة الكاتبة ويدعى (بيليغرينو توري)، وما الذي أحدثته آلته من نقلة نوعيه في حياتنا، وفي سبب اختراعه لها تكمن فكرة المبادرة لتوفير ما نحتاجه!!، فتوري ابتكر هذه الآلة من أجل مساعدة صديقه الكفيف على الكتابة، هكذا فقط. من الأمور المساعدة جدا على اقتحام المحاولة الأولى حالة التأمل والتدبر في الأشياء من حولنا، فالتدبر يمنحنا طاقه هائلة من ادراك حاجاتنا ونواقصنا، ويفتح الطريق السالك لمحاولاتنا ومبادراتنا وتطلعاتنا، وهنا يجب أن نؤكد على أن النظر إلى مجريات الأمور وتفكيكها وتلمس نواقصها بشيء من الروية هو خطوة أولى ومهمة على طريق النجاح. أستاذ الأدب والنقد- كلية الآداب- جامعة الملك فيصل

مشاركة :