ابنها «أمين» كان على ظهر سفينة إماراتية غرقت في البحر فتوجه أمين على قارب نجاه مع امرأة إلى البحرين كتب فاضل منسي: تواصلت عائلة إماراتية مع «أخبار الخليج» تبحث عن ابنها المفقود «أمين» منذ أكثر من 58 عاما بعد حادثة غرق سفينة دارا في بحر الخليج العربي في أبريل 1961. ومنذ ذلك الحين مازالت عائلة أمين تطرق جميع الأبواب للبحث عن ابنها المفقود الذي كان على أحد قوارب النجاة، الذي من المتوقع أن وصل إلى البحرين على حسب ما أشارت العائلة. وتشير عائلة شرف إلى أن قبل حوالي 58 عاما، تم نشر قضية ابننا المفقود في إحدى الصحف الإماراتية، وبعد ذلك اتصلت سيدة بحرينية تدعونا للكف عن البحث عن أمين، وقالت: لاتتعبوا أنفسكم في البحث عنه، لقد ربيته وهو لا يعلم عنكم أي شيء، ومن ثم أغلقت الهاتف، وهذا ما جعلنا متأكدين بوجود أمين في البحرين. متمنين من الجهات المختصة في البحرين التعاون معنا وحصر جميع الأسماء التي أعمارهم بين 60 إلى 61 عاما «العمر المتوقع لأمين في حالة وجوده على قيد الحياة» وإجراء فحص dna للكشف عن صلة القرابة، ونحن مستعدون بتوفير خبراء لو استدعى الأمر. مؤكدين عزمهم على استمرار عمليات البحث حتى نجد حلا للقضية التي أرقتنا منذ ذلك الحين، وأنه من الضروري أن يكون هنالك أمل ولو بسيطا في الوصول إلى أمين الذي من المتوقع أن يكون عمره 60 عاما في الوقت الحالي. وإننا نعيش الأمل لحصولنا على صور تثبت أن أمين كان قد نجا من غرق السفينة، حيث حصلنا على صورة تؤكد وجوده على أحد قوارب النجاة مع امرأة في متوسط العمر. ويقول اللواء المتقاعد شرف الدين محمد حسين شرف الذي كان على متن (دارا) بصحبة والدته وعدد من إخوانه وأخواته: كنت متوجها بصحبة الوالدة وبعض من إخوتي إلى كراتشي، حيث كنت أبلغ من العمر حوالي 8 أعوام، وأخي الأكبر كان يبلغ من العمر 17 عامًا، وأختي الصغيرة التي كان عمرها 4 أعوام، وأخي أمين 6 أعوام، ثم أخي محمد الذي كان لا يزال رضيعا يبلغ من العمر 6 أشهر، ووصلنا إلى الباخرة عن طريق زورق من ميناء دبي، وبعد إبحار الباخرة بنحو ساعة أو ساعتين، هبت عاصفة شديدة، فاضطر الركاب الموجودون على ظهر الباخرة للدخول إلى الأماكن المغلقة لتجنب العاصفة الهوجاء. ومن ثم نزل الركاب إلى داخل الباخرة، ثم حدث انفجار كبير في أسفلها أدى إلى تدافع الركاب من الداخل إلى سطح الباخرة في ذعر، وفي تلك اللحظات، قام مرافقنا في الرحلة باصطحابي وأخي أمين ذي الستة أعوام إلى أعلى الباخرة، على أن يعود ليأخذ والدتي وأختي وأخي محمد، وقتها ضاع من يدي أخي أمين وسط تدافع ركاب الباخرة، ولم يتم العثور عليه حتى الآن. ويتذكر شرف مصير الأهل الذين ذهبوا ولم يعودوا فيقول: عاد مرافقنا في الرحلة إلى أسفل السفينة، لكنه للأسف لم يتمكن من إنقاذ أحد سوى أخي محمد الرضيع، الذي وضعه في إحدى الحقائب الصغيرة ونزل به إلى البحر ليسبح حتى وصلا إلى أحد زوارق النجاة، الذي أخذهما إلى البحرين، حيث مكث محمد هناك لفترة حتى عاد هو والمرافق إلى دبي فيما بعد. ويقفز إلى ذهن شرف ما حدث له بعدما صعد إلى سطح السفينة قائلا: صعدت إلى سطح الباخرة وكلي حسرة على أخي أمين، الذي أفلت من يدي بسبب الذعر الرهيب الذي أصاب الركاب عقب الانفجار، ثم تم إخلائي من الباخرة بواسطة أحد زوارق النجاة التابع لإحدى السفن النرويجية، الذي توجه بي وبمن معي إلى دبي. وقال عن رأيه فيما إذا كان يقبل الزيارات ورحلات الغوص إلى «دارا» أم لا، إنه يعتقد أن من يقومون برحلات الغوص إلى السفينة، يذهبون هناك فقط لرؤية ما تبقى من حطام السفينة للاستكشاف، وهو يؤمن أن ذلك لا يعد انتهاكا لأي حرمات، إذ إنه لم يتبق حتى أي شيء من جثث المتوفين على ظهر الباخرة. ثمانية وخمسون عامًا مضت على أحد أكثر مشاهد التراجيديا البحرية ترويعًا على مستوى العالم، وأكثرها إثارة على مستوى المنطقة، فاليوم نتذكر معا حادثة غرق السفينة (دارا)، أو ما أطلق عليها البعض (تايتنك الخليج) أو (تايتنك العربية) كما يسميها البعض الآخر، إنها المأساة الحقيقية التي عاشها أهل الإمارات والخليج قبل نصف قرن من الآن، لكنها مازالت مترسخة في قلوبهم كأحد أهم القصص الإنسانية التي مازالت تسرد مروياتها الحزينة للأبناء والأحفاد. ستظل (دارا)، التي أخذت السر الخفي وراء غرقها معها في رحلتها إلى قاع الخليج العربي، محط أنظار الناس في الإمارات، وقصة تثير اهتمام كل من يقرأها، حيث احتضن هيكل هذه السفينة في مأساة إنسانية أجساد عدد كبير من أبناء الإمارات، ومن جنسيات مختلفة ليستقروا معها في قاع الخليج العربي إلى الأبد. أبحرت «تايتنك الخليج» من بومباي بالهند في رحلة إلى الخليج العربي كالعادة، لتصل إلى ميناء البصرة أولا، ثم منه إلى ميناء البحرين الذي أبحرت منه صبيحة يوم السادس من أبريل عام 1961 متجهة إلى دبي، لتصل إليها في اليوم التالي الموافق السابع من إبريل لتحميل وتنزيل الركاب والبضائع، حيث صعد إلى السفينة عدد من التجار الإماراتيين، الذين كانوا يسافرون وقتها إلى شبه القارة الهندية لممارسة أنشطتهم التجارية، إضافة إلى بعض الأسر، وكالعادة كان أصدقاؤهم يقومون بتوديعهم أو استقبال من أتى من شبه القارة الهندية على متن السفينة. كانت الأجواء هادئة تماما والطقس جيدًا، لكن الرياح دائما تأتي بما لا تشتهي السفن، فبينما كانت عمليات التحميل والتنزيل تجري على قدم وساق في الميناء بدبي، هبت عاصفة هوجاء وأمطار غزيرة لتحول دون استمرار عمليات التحميل والتنزيل، وهو بدوره ما دفع ربان السفينة إلى الخروج من الميناء والاتجاه بها نحو المياه العميقة لمقاومة العاصفة. ما لا تشتهي السفن لم تدع العاصفة التي هبت بطريقة فجائية وقتا كي ينزل الركاب من السفينة، حيث تم سحب مرساة السفينة بسرعة لتخرج إلى عمق البحر، مع وجود عدد من الأشخاص غير المسافرين على متنها؛ من الباعة الجائلين وأهالي المسافرين وعمال التحميل والتنزيل بالميناء وأصحاب الشحنات، وبالفعل نجح قادة السفينة في مقاومة العاصفة الشديدة، والتي استمرت طوال الليل ودفعت السفينة بعيدا عن سواحل دبي، وهو ما جعل ربان السفينة يديرون دفتها للعودة إلى دبي بغرض إتمام عمليات التحميل والتنزيل، ليبدأ المشهد التراجيدي الحقيقي في قصة (تايتنك الخليج). ففي فجر يوم الثامن من أبريل، وتحديدا في الساعة الرابعة والثلث، وقع انفجار مدو في مطبخ السفينة هز أرجاءها، وأدى إلى اندلاع النيران في عدة أجزاء، والتي انتشرت بسرعة كبيرة في أرجائها، بسبب ما تبقى من رياح العاصفة، ودمرت الأنظمة الكهربائية وأنظمة مكافحة الحرائق وأنظمة الملاحة والتوجيه، ما تسبب في انتشار الذعر بين الركاب والطاقم على متن السفينة، والذي تمثل في قفز بعض الركاب في الماء بلا وعي، أو الازدحام الشديد في قوارب النجاة، التي انقلبت رأسا على عقب بسبب الحمولة الزائدة، وهو بدوره ما دفع الركاب إلى النزول إلى الماء سواء برغبتهم أو رغما عنهم. ما سبب حالة من الهلع؛ أمهات يبحثن عن أولادهن وإخوان يبحثون عن أخواتهم، وأصدقاء فرقهم الحريق الذي شب على متن السفينة، وسيدة تطوف المتاح لها من السفينة بحثا عن ابنتها التي ذهبت لتحضر أحد الأغراض من الطابق الأسفل في السفينة، وأحد أعضاء طاقم السفينة يبحث عن زميله الذي كان موجودا في مطبخ السفينة المشتعل، والبحر لا يفرق بين أصدقائه وأعدائه، فمياهه العميقة تبتلع كل من يستسلم للموت، تلك مشاهد من (تايتنك الخليج)، التي اعتبرها خبراء القطاع الملاحي الكارثة الإنسانية الثانية عالميًا في ذلك الوقت بعد غرق السفينة تايتنك. «دارا» تقاوم من أجل البقاء هبت بعض السفن القريبة من مكان الحادث إلى المساعدة في نجدة السفينة، خاصة مع تزايد ألسنة اللهب وسحب الدخان المتصاعدة منها، حيث هرعت بعض السفن البريطانية والألمانية واليابانية والنرويجية إضافة إلى السفن المحلية القريبة من (دارا) لمحاولة إنقاذ ما تبقى من الركاب والسفينة، لكن الكارثة كانت قد خلفت بالفعل 238 قتيلا عن طريق الغرق أو الحرق أو الاختناق منهم 20 مواطنا إماراتيا من أصل 819 شخصا كانوا على متنها. ورغم كل ما حدث، إلا أن (دارا) لم تغرق بشكل كامل لحظة الحادث، إذ قامت إحدى السفن بسحبها باتجاه دبي في اليوم العاشر من شهر أبريل، أي بعد الحادث بيومين، حيث نجحت السفينة في القيام بعملية السحب لمسافة، لكن (دارا) أبت أن تصل إلى الشواطئ وفضلت أن تستقر في قاع الخليج العربي للأبد!
مشاركة :