ما حصل للإيزيديين عار يضع الجميع أمام المسؤولية

  • 3/11/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سيسيليا أودين، إعلامية سويدية مخضرمة، ركّزت جهودها الإعلامية والبحثية على الشرق الأوسط حيث تقيم بصورة شبه دائمة، وتتنقّل بين العديد من العواصم والأماكن هناك. كانت قبل أيام في القامشلي ومخيم الهول، حيث أجرت مقابلات مع العديد من مناصري داعش الأوروبيين. كما أجرت مقابلات صادمة مع العديد من الفتيات والنساء الإيزيديات اللواتي كنّ ضحايا عقد وسادية وحقد وظلامية أعضاء داعش، هؤلاء الذين تقمّصوا أدوار “المجاهدين” في دولة الوهم التي أعلنها تنظيم داعش، الكوكتيل المخابراتي الذي استخدم في مواجهة الثورة السورية من قبل القوى التي لم تكن تريد إحداث تغيير في سوريا يضر بمصالحها. مِن بين مَنْ قابلتهم سيسيليا في مخيم الهول سيدة إيزيدية روت قصتها بتفاصيلها المؤلمة. أعضاء داعش ذبحوا زوجها أمامها، وعلى مرأى من أطفالهما الصغار، حتى أن قطرات دمه تناثرت عليهم. ثم بدأت تروي تفاصيل رحلة عذاباتها مع العبودية والاستغلال الجنسي، والمعاملة الوحشية القاسية بين مجرم وآخر من جنسيات مختلفة، وبأسماء حركية إسلامية. وهذه القصة ليست الوحيدة، بل هناك المئات من القصص الأخرى التي منها ما رويت، ومنها ما تنتظر. وبناء على خبرتها بثقافات المنطقة ومعتقداتها، ألقت سيسيليا الضوء على إشكالية تعاني منها العديد من الإيزيديات المعروفات بتعلقهن بأهلهن ومجتمعهن. فهؤلاء قد أنجبن الأطفال خلال مرحلة العبودية الجنسية القسرية التي فرضها عليهن ظلاميو داعش، وباتت العودة إلى أهلهن وذويهن مع هؤلاء الأطفال مستحيلة، ولكن عاطفة الأمومة هي الأخرى جياشة، وهكذا تضاف مأساة أخرى فرعية إلى مأساتهن الكبرى العصية على أي وصف. رجال الدين الإيزيديون تفهّموا الموقف، ورحبوا بعودة الضحايا من الإيزيديات إلى أهلهن، ولكن من دون الأطفال الذين كانوا وفق معتقدات دينهم بناء على علاقة آثمة لا يمكن التسامح معها أبدا، هذا مع إقرارهم الصريح بأن الضحايا الإيزيديات لا يتحملن المسؤولية. مأساة الإيزيديين مازالت مستمرة بقوة، فهي لم ولن تنتهي بتحرير أعداد محدودة من بناتهم أو أطفالهم. فمازالت مناطقهم محتلة من قبل ميليشيات الحشد الشعبي جرائم داعش لم تقتصر على الإيزيديين وحدهم، بل شملت الجميع ما عدا النظامين الإيراني والسوري والميليشيات التابعة لهما، وهذا أمر يثير بذاته أكثر من علامة استفهام، ويلقي الأضواء على المستفيدين من داعش الذي أساء كثيرا إلى المسلمين بتشويه سمعتهم، حتى بات مصطلح مسلم متماهيا مع مصطلح إرهابي في العديد من الأوساط الأوروبية التي بدأت تشهد تصاعدا لافتا في النزعات القومية العنصرية، المعادية للأجانب، لاسيما المسلمين منهم. كما أساء داعش إلى سمعة العرب أيضا، ولكن قبل كل شيء أساء إلى الثورة السورية، وكان وبالا عليها. فقد خرج السوريون ليعلنوا معارضتهم لنظام الاستبداد والفساد والإفساد، وطالبوا بدولة مدنية ديمقراطية تعددية، تضمن لكل السوريين- من دون أي استثناء- الحرية والعدالة والعيش الكريم. وتفتح الآفاق أمام الأجيال السورية الشابة والمقبلة، لتتمكن من إيجاد فرصتها، وتساهم بفاعلية في نهضة مجتمعها وازدهار بلدها. ولكن النظام المستبد الفاسد المفسد لجأ إلى نهجه المعهود الذي اعتمده في لبنان والعراق، وهو وضع العالم أمام خيارين سيئين: إما الإرهاب والفوضى الشاملة، وإما الاستبداد والفساد، مع إبداء الاستعداد في الاستمرار في مهمة المقاولة، وبشروط جديدة تناسب الممسكين بزمام المصائر في منطقتنا. مأساة الإيزيديين مؤلمة، تثير تفاصيلها البشعة المقززة كل الغضب، وتكشف عن الجانب المتوحش في داخل الإنسان الذي يتجرد من كل القيم، مع أنه يغطي غرائزه وعقده الدونية بستار ديني، سرعان ما تبارى أنصاف المتعلمين إلى اختلاق الفتاوى “الشرعية” في تسويقه، وتسويغ وشرعنة جرائم لم تقدم عليها وحوش الغابات. وهذه المأساة ليست الأولى، ولكننا نتمنى أن تكون الأخيرة. فالمجتمع الإيزيدي مجتمع مسالم بطبيعته، منصرف إلى شؤون حياته اليومية من دون أي تدخل في شؤون الآخرين. بل من المعروف عن الإيزيديين أنهم يحترمون معتقدات غيرهم، ويحرصون على بناء أفضل العلاقات مع جيرانهم من أتباع الديانات الأخرى، والكل ممن تعامل معهم يشهد لهم بالوفاء والإخلاص، ولكن مصيبتهم أنهم يعيشون منذ آلاف السنين في منطقة تخلّى أبناؤها راهنا عن عقولهم، ليصبحوا عبيد الغرائز العمياء الهوجاء. تعرضت شنكال/سنجار قبل أكثر من أربع سنوات لواحدة من أعنف وأشرس الحملات الهمجية التي عرفها عصرنا الحديث بحق المدنيين العزل من قبل مجموعات ربط بينها الحقد والعقد النفسية، والأوهام الماضوية المريضة بكل تلاوينها وأسمائها، مجموعات وُظفت ضمن إطار مشروع تفجيري اعتمدته مخابرات الدول لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، وبث الذعر بين أبنائها، وإنهاكهم، ليصبحوا مستعدين للقبول بكل ما يُفرض عليهم. تم تسليط الضوء دوليا على المعاناة الإيزيدية من خلال منح ناديا مراد جائزة نوبل للسلام تم تسليط الضوء دوليا على المعاناة الإيزيدية من خلال منح ناديا مراد جائزة نوبل للسلام مأساة الإيزيديين مازالت مستمرة بقوة، فهي لم ولن تنتهي بتحرير أعداد محدودة من بناتهم أو أطفالهم. فمازالت مناطقهم محتلة من قبل ميليشيات الحشد الشعبي، وتلك التابعة لحزب العمال الكردستاني تحت اسم الـ”ب. ي. د” ومازال الإيزيديون يعيشون أصعب الظروف وأقساها في مخيمات لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن مدنهم وقراهم، يعيشون أوضاعا لا تليق بآدمية الإنسان. ولا يتلمسون جدية من جانب المجتمع الدولي من أجل تمكينهم من العودة إلى ديارهم، وممارسة أمورهم الحياتية الطبيعية بصورة مسالمة كما كانوا دائما. فقد باتت منطقتهم المحاذية للحدود السورية العراقية من الغرب، والحدود الإدارية لإقليم كردستان من الشرق- وهي تُعد من المناطق المتنازع عليها- ساحة للقوى المتصارعة على النفوذ في سوريا والعراق، لاسيما من الجانب الإيراني الذي يحاول بشتى السبل تأمين الطرق والجسور البرية مع سوريا في سياق مشروعه التوسعي المستقبلي، وهو يعتمد في هذا المجال على الميليشيات الحليفة التي تمارس كل التضليل من أجل تسويغ مشاركتها من موقع التابع في المشروع الإيراني. لن تحل قضية الإيزيديين دون إخراج الميليشيات من منطقتهم، ليعودوا إلى مساكنهم، وأمر كهذا يستوجب تسوية إدارية لتصبح منطقة سنجار تابعة لإقليم كردستان، وذلك لتأمين منظومة الحماية لها، على أن تتمتع المناطق الإيزيدية بصيغة من الحكم الذاتي تضمن لهم المحافظة على خصوصيتهم من جميع النواحي، ويمكنهم بموجب ذلك ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة، وهنا لا بد من التركيز على التعليم والتنمية في المنطقة لتأمين فرص العلم والعمل لأبنائها. وحتى لا يفرض مثل هذا الإجراء فرضا، يمكن إجراء استفتاء نزيه شفاف تحت رعاية مشتركة من جانب الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان، وفي حضور مراقبين دوليين محايدين. والأمر المهم في هذا المجال، هو أن يقدّم المجتمع الدولي الدعم والمساعدة عبر الهيئات والمنظمات التنموية والتعليمية، وذلك لتمكين الإيزيديين من تجاوز آثار الكوارث التي تعرضوا لها نتيجة الإرهاب الداعشي وحروب الآخرين على منطقتهم ومجتمعهم. لقد تم تسليط الضوء دوليا على المعاناة الإيزيدية من خلال منح ناديا مراد جائزة نوبل للسلام، ولكن الجوائز وحدها لن تكفي- رغم قيمتها الرمزية والمعنوية والأخلاقية- ما لم تقرن بأفعال وبرامج عملية، تمكّن المجتمع الإيزيدي من الضغط على جروحه ولملمة شمله واستعادة عافيته.

مشاركة :