تتسلل بعض الحشرات الطائرة، والزاحفة عنوة، وإن أغلقت الأبواب والنوافذ لمداخلها.. ربما هاربة من صقيع، أو عطش، أو حرارة، وربما جهة في دربها.. لا ما يدهش في حاجتها للدفء، والمأوى، والظل والسقيا، وإن كان بعضها يقتات دم الإنسان، ويحط على غذائه.. هذه اللغة الصامتة ناطقة، تلفت المتأمل لسلوك الكائنات في فضاء الله.. والإنسان لا يكافح المسالم منها، وإن أزعجه حضوره.. بل يكافح المؤذي منها، ويهابه.. فالقوارض منها، واللوادغ يناصبها العداء، ولا يتورع عن قتلها، وإبادتها لذا يقتني في داره كل ما يحميه منها.. يسد عنها المنافذ، ويردم الثقوب، ويغلق النوافذ.. هيَّاب هذا الإنسان، وذاتي .. فهو غالبا لا يتماهى مع كائنات الأرض جميعها، وكثيرا ما يخاف الأليفة منها، ويتقي المسالم فيها.. مع أنه يكابر أحيانا في علاقته ببعضها، وإن لم تكن مسالمة، أو أليفة.. وبقدر حاجته منها يتأقلم مع وجودها ولو في أقفاص تحبس حريتها.. لكن هذا المتسلل بلا إذن، مسالم، أو ضار متحدث إلى الإنسان بلغة العنوة، مع أنه ذو حجم لا يماثل حجم الإنسان، لكنه ذو حيلة لا تماثلها حيل الإنسان بكل مبيداته، وأفكاره في مكافحته.. تشبهه ذرات التراب صغيرة الحجم، حيث تزحف، وتطير، وتتسلل إليه، كلها لا تملك مفاتيح للأبواب، ولا تعبأ بضلف النوافذ، ولا تطرق ليفتح لها، ولا تنتظر من يأذن لها، ولا تهاب مبيدا، ولا عصا، ولا كفا غليظة، ولا تشغلها صرخة مدوية.. وكلها هناك من البشر من يشبهها، أجل، هناك من البشر من يشبه الزواحف، وما يطير، وذرات التراب بغض النظر عن أحجام أجسامهم هؤلاء البشرالكبيرة، التي كان يقال إنها لا تدلف من باب دون أن يفتح، ولا تقوى على التسلل من ثقب وذلك محال، أو شق البتة دون أن يتسع بحجمها.. بينا الآن، في الراهن تغير الحال، وغدوا يتسللون دون أبواب، ولا نوافذ، ولا ثقوب زحفا زحفا كالسيل بلا هوادة، لا أبواب لا نوافذ، لا جدر تصدهم.. غلبوا الطائر اللدن، والزاحف منمنم الحجم، والماشي رخو الجسم والقدمين، ألغوا مفهوم الباب، والنافذة، والإذن، والمفتاح، قضوا على الحاجة إلى مبيد، وعلى فكرة الاستئذان، بعد أن اتسع لأجسامهم الضخمة كل مكان، وأشرع لدخولهم ما وراء الباب، والنافذة، وما جوف الثقب، وما خلف الجدار.. إذ أصبحت لهم أجنحة فضائية يتسللون بها إلى حيث يشاؤون، ومتى يريدون لمحة عين.. في ضوء هذا، هان أمر تلك الكائنات اللدنة صغيرة الحجم الضارة، قبل المسالمة حين تدلف بلا إذن بعد أن غلبها الإنسان تسللاً، وإضرارا.. ———————————————————- دكتورة خيرية السقاف الجزيرة
مشاركة :