قدم الدكتور مهند خورشيد عميد معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، بالاشتراك مع الدكتورة هدى درويش أستاذة الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق، محاضرة بعنوان "تجديد علم المعرفة الديني"، ولذلك بإحدى الأكاديميات الخاصة بالقاهرة، ضمن سلسلة ندوات تنويرية حول تجديد الخطاب الديني. تحدثت د. هدى درويش عن منهجية البحث العلمى وطرق جمع المادة العلمية والصياغة والمناهج العلمية فى كتابة البحوث فى مجال الثقافة الإسلامية والدراسات الدينية ومقارنة الأديان.وركز مهند خورشيد على أهمية تجديد الإبستمولوجيا الدينية أي علم المعرفة الدينية والذي يبحث في أساليب تحصيل المعرفة الدينية وكيفية تعيين معايير لتشخيص صحة الفهم المعرفي للدين من عدمه. فالتجديد لا يكون بمجرد تجديد الفتوى، أي النتائج، بل لا بد من تجديد مناهج تحصيل المعرفة وإعادة النظر فيها، وضرب خورشيد مثال الإمام الشافعي والذي أعاد صياغة كتابه في أصول الفقه "الرسالة" حين تغير السياق الذي كان يعيش فيه من العراق إلى مصر. وأشار خورشيد إلى أهم محاور تجديد الخطاب الديني اليوم والتي لخصها في محاور سبعة، جاء المحور الاول حول مبدأ تفعيل خطاب الرحمة: إنَّ الرحمة كما وصفها القرآن الكريم هي صفة ذات الله، لذلك هي مُطلقة، ومن ثمَّ غير مشروطة ولا يُمكن جعلها نسبية، فقد وصف الله رحمته بقوله في سورة الأعراف، الآية ١٥٦: "ورحمتي وسعت كل شيء"، ثم أعطى الله الإنسان الأمان بأن أكّد له أنَّه سُبحانه قد كتب على نفسه الرحمة "سورة الأَنْعَام رقم ٦، الآية ١٢ و٥٤"، كما ساوى بين اسمه "الله" و"الرحمن" في قوله: "ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" "سورة الإسراء رقم ١٧، الآية ١١٠". فرحمة الله تشمل الإنسان بصفته إنسانًا ابتداءً. وقد حدد القرآن علاقة الله بالإنسان بأنها علاقة حب "يحبهم ويحبونه" سورة المائدة ٥٤. وهذا يترتب عليه أمور أساسية أهمها أن علاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بالله هي علاقة تواصل تحكمها الرحمة والمحبة. وأضاف خورشيد، أن محبة الإنسان لله لا تتحقق إلا حين يكون الإنسان يد أو أداة تحقيق المحبة والرحمة الإلهية من خلال أفعاله، إنه في الدرجة الأولى الإنسان الذي من خلاله تتجلى رحمة الله وحبه ولكن فقط إذا قبل هذا الإنسان محبة الله بحريته وإرادته، فكان يدًا يعمل الله من خلالها كما جاء في الحديث القدسي المعروف: "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الخ". أما إذا رفض الإنسان قبول محبة الله فسيكون الظلم، ستكون المجاعات، ستكون الحروب، ستكون الكراهية وسوف تبقى محبة الله ورحمته دون تحقق كما جاء في الحديث المعروف، يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، استطعمتك فلم تطعمني، استسقيتك فلم تسقني الخ.، إن الانطلاق من خطاب المحبة هذا، والذي يُفعّل في ذات الوقت دور الإنسان ومسؤليته كأداة لتحقيق حب الله ورحمته، يشكل خطوة على طريق تجديد الخطاب الديني، لأنه يصحح صورة الله في عقول وقلوب الكثيرين ولأنه يعطي المسلم الوعي بأنه ليس مجرد مخلوق سلبي ينفذ أوامر فقط لأنها أوامر، بل هو مسؤول عن تغيير حاله، بل وكتابة تاريخه وتاريخ مجتمعه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهنا يتسع أفق فهم العبادة، فهي لا تقتصر على الطقوس والشعائر والمظاهر، بل تصبح منهج حياة في خدمة المحبة والرحمة الإلهية. وتابع: لكن مع كل تركيز القرآن الكريم على مبدأ الرحمة والتي جعل منها القرآن نواة الرسالة المحمدية وأصلها: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، مع ذلك لا نجد صداها في الخطاب الديني إلا فيما ندر، وكم من تجربة مرت علينا في ألمانيا مع شباب مسلم ترك الإسلام لرفضه الخطاب القائم على التخويف والترهيب ورسم صورة قاسية لله وحاشاه سبحانه، أو تسبب هذا الخطاب في تطرف هؤلاء الشباب.أما المحور الثاني فكان تفعيل دور العقل في الخطاب الديني التجديدي، فالتدين الحق ليس مجرد تقليد أعمى بل لا بد أن ينطلق عن قناعات، إذن لا بد هنا للعقل بحججه أن يدخل مغمار المعركة ولكن كي يتمكن من ذلك لا بد أن يتحصن بالفكر النقدي وبالحجة العقلية الفلسفية المقنعة لمن لا يجد نفسه ملزمًا بالحجة الدينية البحتة، فلا يكتفي بالاستشهاد بالنص، بل يبحث عن عقلانية النص وعقلانية الحجة. ويأتي المحور الثالث، وهو ضرورة تجديد ليس فقط النتائج، كتجديد الفتاوى مثلًا، حيث يكاد يقتصر خطاب التجديد على النواحي الفقهية، أي الفتوى، بل لا بد من إعادة النظر في المناهج المعرفية، أي ما يعرف بإستيمولوجيا المعرفة أو فلسلفة العلوم، فالإمام الشافعي مثلًا أعاد النظر في منهجه الأصولي في كتابه الرسالة خلال أقل من عشر سنوات حين تغير سياقه بين المدينة والعراق ومصر، فهذا الشافعي بروحه النقدية هذه والمراعية للسياق كان سوف يعيد النظر مرات ومرات في منهجيته إن كان اليوم حاضرًا بيننا، فإذًا من يرفض تجديد فكر الشافعي اليوم باسم المحافظة على التراث، فقد ظلم الشافعي لأنه استلب منه روحه التجديدية والنقدية وبالتالي هو لم يحافظ على التراث، بل جمده ومنعه من الحراك. تكريم التراث يكون بأن نستدعي اليوم غزالي القرن ال٢١، شافعي القرن ال٢١، أشعري القرن ال٢١، سيوطي القرن ال٢١ وهكذا نكون قد كرمنا تراثنا بدل من أن نكون قد أخمدناه وأسكتناه بتجميده. لكن تجديد المناهج المعرفية يتطلب التعرف على النتاج الفكري المعاصر ودراسته كما فعل ذلك علماؤنا في القديم حين درسوا التراث الفلسفي المعاصر لهم كالفلسفة اليونانية واستفادوا منها حتى في علم الكلام وعلم أصول الفقه، لكن أين نحن اليوم من الاطلاع على الفكر الإنساني المعاصر لنا ودراسته كجزء من دراسة العلوم الشرعية؟ وهذا لا يعني قبول كل شيء كما هو ولكن التعرف عليه وتحليله، فمن أين سوف يأتي التجديد ونحن نقرأ نفس الكتب ونتحرك في نفس الإطار الفكري والمنهجي؟.والمحور الرابع يتعلق بضرورة تفعيل دور المرأة والتخلي عن تلك النظرة الأبوية والتي لا ترى في المرأة سوى الجانب الجنسي أما الخامس فيتعلق بضرورة القراءة المقاصدية للقرآن والتي تراعي سياق التنزيل وهذا ينطبق أيضًا على السنة النبوية وضرورة القراءة المقاصدية لها؛ والسادس يتعلق بضرورة احترام التعددية الدينية ورفض إقصاء الآخر والحكم عليه بأنه الكافر، بل هو أخي في الإنسانية، له ما لي وعليه ما علي؛ والسابع يتعلق بضرورة حماية الدين من توظيفه من قبل جماعات الإسلام السياسي.
مشاركة :