تتجه دول الخليج بما فيها البحرين نحو تحولات تفرضها مرحلة ما بعد النفط. جوهر هذه التحولات يطول العلاقة الريعية بين المواطن والمجتمع والدولة. تتحول العلاقة من علاقة ريعية توزيعية إلى علاقة إنتاجية تتطلب الإنتاج والتصدير وتعتمد على ضرورة مشاركة المجتمع وإسهامه في بناء الوطن. النجاح في المرحلة المقبلة له شروط وله متطلبات تختلف عن شروط ومتطلبات المرحلة الحالية. السلوك المطلوب في المرحلة المقبلة يختلف عن سلوك المرحلة الحالية. الذهنية المطلوبة تختلف عن الذهنية الحالية. والمقاربة سوف تختلف عما سبقها. فماذا يعني ذلك بالنسبة إلى المواطن والمجتمع والدولة؟ هذا التحول قد يغير تعريف «المواطن الصالح». التحول يطالب المواطن بأن يكون إيجابيا ونقديا في تعامله مع الدولة والمجتمع والمؤسسات والمنظمات المنبثقة عنهما. هذا الوضع يجعل المستقبل مختلفا عن الحاضر ويضع المواطن في مواجهة مباشرة مع عدد من الخيارات التي ينبغي أن يتخذها وأن يدرك ويعي مصالحه ومصالح المجتمع ومصالح الدولة وكيفية التوفيق بينها. هذا يعني أن المواطن سوف يتحمل مسؤولية اتخاذ مواقف وقرارات بناء على معادلة جديدة من شبكة مصالح. مصالح تنبع من مسؤوليته في المشاركة في تقديم الخدمات ومن ثم مشاركته في قرارات إدارة الموارد وفي إدارة الخدمات. هذا يفرض رؤية مختلفة تقتضي إصلاحات على أكثر من محور وصولا إلى تحول في الثقافة والقيم والمفاهيم والسلوك التي تحكم العلاقة في التعامل بين المواطن والمجتمع والدولة. وهذا التحول بالنسبة إلى المواطن سوف يحدث تدريجيا مع كل إضافة في إسهامه في تمويل الدولة من خلال الضرائب. يحتم هذا التحول على المواطن، وكذلك عضو البرلمان، تحمل مسؤولية قراره ومواقفه تجاه مختلف القضايا المطروحة وفق مصالح متعددة الأبعاد. عليه أن يهتم أولا: بمصالح طويلة الأمد تنظر إلى مستقبل أبنائه وأحفاده وخلق بيئة تنموية ومعيشية تمنح حياة كريمة له وللجيل المقبل والأجيال التالية. وثانيا: مصالح قصيرة الأمد تنظر إلى تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة اليومية الآنية وكل ما يترتب عليها من ضرورة حسن إدارة الموارد وتوفير خدمات ذات جودة تتناسب مع تضحيات المواطن وإسهامه. هذا يتطلب نوعا مختلفا من التعامل مع المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعني تفكيرا ناقدا يهدف إلى الإصلاح، ونوعا مختلفا من العلاقات بين النائب والمجتمع تقوم على المحاسبة والمتابعة، ونوعا مختلفا من المشاركة السياسية تتسم بالجدية والفعالية. على مستوى المجتمع فإن عقلية من يدفع حصته من الضرائب في المشاركة في إدارة أجهزة الدولة وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية والرعاية الاجتماعية وبناء البنى التحتية سوف تختلف عن عقلية من لا يسهم. لذلك فنحن أمام تحول ثقافي وقيمي ومفاهيمي يحتاج إلى استعداد مجتمعي. سوف يختلف مفهوم التنمية وشروط نجاحها، وكيف تسهم في توفير الحياة الكريمة للمواطنين وتحقيق اللحمة بين مختلف فئات المجتمع، والتقدم للدولة في مختلف الميادين لتكون دولة حديثة ديمقراطية تترجم ميثاق العمل الوطني وكما أراد لها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. يحتاج المجتمع إلى خلق مناخ يسهم ويساعد على الابتكار والإبداع والقدرة على التعلم؛ أي يحتاج إلى خلق عقلية المنتج المبتكر والمشارك فهي عقلية متفتحة تسعى إلى زيادة دخلها لتعويض ما قدمته من إسهام نحو بناء الدولة والوطن وخدمة المجتمع والتفكير في مستقبل أبنائها. لكي تكون عقلية مبتكرة ومتحفزة للإنتاج لا بد أن تشعر أنها حرة في التفكير وحرة في النقد وحرة في طرح الأسئلة وفي تقديم الحلول والمشاركة في ذلك بكل أريحية. المجتمع في هذه الحالة هو مساهم في بناء نهضة وطنه، ومساهم في التصدي للمشكلات التي تواجهه. وهو مشارك في وضع السياسات والاستراتيجيات وفي إيجاد الحلول ومشارك في تنفيذها ومراقبتها وتقييم نتائجها وتقويمها. وهو مساهم في تكوين رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي ورأس المال الاقتصادي، وهو شريك في استثمار رؤوس الأموال هذه لخلق فرص عمل للمواطنين وأبنائهم وأحفادهم. لكي يتمكن المجتمع من أن يكون شريكا وعونا للدولة ومساهما معها في تحقيق شروط التحول يجب عليه تنظيم نفسه في منظمات مهنية وحقوقية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفق معايير التوفيق بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة. فاعلية هذه التنظيمات سوف ترفع من مستوى وعي وحيوية المجتمع ومشاركته في الحوار والنقاش وطرح المقترحات والبدائل وتقديم الدراسات واتخاذ القرارات وبذلك يمكن أن يقوم بمهمة الرقابة المجتمعية على مؤسسات الدولة وتقويم أدائها ويكون شريكا في حفظ كيانها وهيبتها وأمنها واستقرارها. نحن إذن أمام واقع اقتصادي يفرض علينا أن نهيئ له كل أسباب النجاح. أهم هذه الأسباب هو تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن وأمن المجتمع وأمن الدولة وحماية الدستور وحماية قيم المجتمع ووحدته واستقراره وتماسكه. يتطلب هذا الواقع دولة قوية تحمي الأرواح والممتلكات وتحفظ حقوق الأفراد وتعاملاتهم من أملاك وعقود. دولة تفرض قوانينها على الجميع، وتستطيع فرض الضرائب وتحصيلها من الفئات الغنية القادرة، دولة متمكنة من تقديم الخدمات النوعية من صحة وتعليم وإسكان وضمان اجتماعي وبنى تحتية. وفي نفس الوقت دولة تخضع لرقابة يفرضها الدستور والميثاق وأهم هذه القيود خضوعها للمساءلة الفاعلة البرلمانية والمجتمعية. يتطلب هذا الوضع التوافق على قرارات حول من سيتحمل دفع الضرائب أو على الأقل الجزء الأكبر منها. وعلى أي أسس سوف يتحدد ذلك؟ هل يتحمل المواطن البسيط النصيب الأكبر منها أم الشركات ورجال الأعمال كبارهم وصغارهم، أم الأثرياء وأصحاب الأملاك الكبيرة والدخول العالية؟ وكيف سيتم تحديد نصيب كل من هذه الفئات في دفع الضرائب، وإسهامهم في التنمية وفي تطوير الخدمات للمجتمع. نرى أن ذلك سوف يتطلب حوارا مجتمعيا ونقاشا وتفاوضا ومناظرات تشترك فيها الحكومة والنواب والشورى وغرفة التجارة والمنظمات الأهلية والصحافة والمجتمع ككل.
مشاركة :