عشية تعويم أسهمها في البورصة، خاطبت شركة أمريكية (غير مسماة) مارك براي، الذي يعيش في شيفيلد، بلدة الصُلب في شمال إنجلترا. طلبت الشركة مساعدة مارك البالغ من العمر 28 عاماً بشأن مسألة شعَرَ المديرون بأنها يمكن أن تؤثر في سعر السهم: صفحتها على موقع ويكيبيديا. الصفحة، القصيرة والمملة وغير المُلهمة، كانت في حاجة ماسة إلى بعض الإثارة. لذلك قدم براي المشورة للشركة عن كيفية تلميع وتحديث وتوسيع المقال الخاص بها في الموسوعة الحرة على الإنترنت. فعل ذلك مقابل أجر. وفي حين أن المكافآت يمكن أن تكون جيدة - يقول إن منافسيه في الولايات المتحدة يتباهون بعائداتهم البالغة ملايين الدولارات - إلا أن العمل يخاطر بإثارة غضب مجتمع ويكيبيديا، وهو جيش موال من المحررين المتطوعين الذين يقترحون الأبحاث، ويتولون إجراءها، وكتابة وتحديث مقالات الموسوعة. وبعض المتطوعين يتهمون المحررين الذين يتلقون الأجر بأنهم مشعوذون، يتلقون المال مقابل ممارسات مشبوهة. صراع المجاني مقابل المدفوع يصل إلى قلب النقاش حول ما إذا كان المحتوى على الإنترنت ينبغي أن يكون مفتوحاً للجميع، دون أي رسوم. جيمي ويلز، المؤسس المشارك للموسوعة على الإنترنت، قال إن مهمته هي "توزيع موسوعة علمية مجانية لكل شخص على الكوكب بلغته الخاصة". رؤيته المثالية، المتأثرة بحركة البرمجيات مفتوحة المصدر في التسعينيات، كانت إيجاد مجتمع ذي تنظيم ذاتي إلى حد كبير من المساهمين في ويكيبيديا، لأن مشاركة شخص يبلغ من العمر 15 عاماً في مقال عن لعبة "نداء الواجب" لا تقل أهمية عن حديث مدرس لغة إنجليزية عن مسرحية هاملت. هناك 77500 "مُحرر ناشط"، تم تصنيفهم بأنهم أولئك الذين يجرون خمس عمليات تحرير أو أكثر شهرياً، وفقاً لآخر دراسة من قِبل مؤسسة ويكيبيديا، المنظمة غير الربحية التي تشرف على الموسوعة. المحررون الذين يتلقون الأجر مكروهون لأنهم يعتبرون أناسا لا يتخذون وجهة نظر محايدة، على حد تعبير ويكيبيديا. هذا واحد من مبادئ المحتوى الثلاثة للموسوعة. الاثنان الآخران هما "التحقق" و"بدون أبحاث أصلية"، ما يعني أنه يجب ذكر مصادر المعلومات التي يجب أن تؤخذ من تقارير منشورة. عندما عدّل الروائي فيليب روث ما وصفه بأنه "أخطاء" في ويكيبيديا عن روايته "الوصمة البشرية" لم تكُن خبرته مقبولة لأنه تم اعتبارها بحثا أصليا وليس ثانويا. في رسالة مفتوحة في مجلة "ذا نيويوركر"، كتب أن أحد المسؤولين في ويكيبيديا قال له: "أنا أفهم وجهة نظرك بأن المؤلف هو السلطة الأعظم على أعماله (...) لكننا بحاجة إلى مصادر ثانوية". المقالات المخصصة للمديح محظورة. شركات العلاقات العامة تعرّضت لانتقادات شديدة لتلاعبيها بمقالات عملائها بدون الكشف عن ذلك. في عام 2013 اكتشف تحقيق أجرته مؤسسة ويكيميديا Wikimedia أن مئات المستخدمين شاركوا في ما يسمى الممارسات "السيئة". بعبارة أخرى، الترويج للعملاء. في العام الماضي أعلنت 11 وكالة للعلاقات العامة الالتزام بقواعد ويكيبيديا في محاولة لإزالة العداء بين شركات العلاقات العامة والمحررين المتطوعين. جمال ويكيبيديا، كما تقول كاترين ماهر، كبيرة الإداريين للاتصالات في الويكيميديا، أنها موسوعة مجانية. وتضيف: "التحرير المدفوع يعمل على تعطيل القيم. ويكيبيديا مجتمع تعاوني من المتطوعين. لو كان مقابل أجر لكان موقعاً مختلفاً". في العام الماضي، استقالت إحدى موظفات الويكيميديا بعد أن اكتشفت أنها كانت تقوم بالتحرير نيابة عن عملاء يدفعون. بعد التشاور مع المجتمع، تم تحديث شروط استخدام ويكيبيديا العام الماضي، حيث تتطلب من المحررين الكشف عما إذا كان يتلقون أجراً (سواء على صفحة مستخدميهم، أو صفحة الحديث، أو مُلخص التحرير). مع ذلك، المجموعة الصغيرة من المحررين المحترفين يدّعون أن عملهم لا يُقدّر بثمن وأنهم يقومون به نيابة عن الموسيقيين والمؤلفين والشركات. فهم يقولون إن قواعد ويكيبيديا المعقدّة، المفروضة من قِبل المتطوعين الذين يُتَّهَمون أحياناً بالترهيب، استخلصت مجالاً مخصصاً للمحترفين الذين يتلقون الأجر. براي يصف نفسه بأنه مستشار، وليس محرراً، يُقدّم المشورة للعملاء حول كيفية العمل في إطار المبادئ التوجيهية. مايكل وود يعيش في ولاية إنديانا ويقوم بتحسين مهاراته الكتابية بحكم عمله ضابط شرطة يكتب تقارير الجريمة. مايكل البالغ من العمر 38 عاماً كان في وقت فراغه يعمل في التحرير دون أجر لمدة ثمانية أعوام. في هذا الوقت، يقول إنه كان يراقب ويكيبيديا تتحوّل من كونها مجتمعا مفتوحا إلى ما يراه أنه مجموعة صغيرة من المحررين الذين يحرسون القلعة. (لقد كان عدد محرري ويكيبيديا باللغة الإنجليزية في تراجع منذ عام 2007). "يحاول الأشخاص كتابة [المقالات] بأنفسهم ويصابون بالإحباط من المحررين المتطوعين. هناك الكثير من المحررين الجيدين في ويكيبيديا، لكن هناك مجموعة سيئة (...) تجعل الأمر صعباً". وهو يدَّعي أيضا أن الحراس الذين عينوا أنفسهم ويفرضون شروطهم في ويكيبيديا هم السبب في أن كثيرا من النساء والأقليات العرقية يُمنَعون من التحرير. في تقرير من مؤسسة ويكيبيديا في 2011 وجد أن 9 في المائة فقط من المحررين هم من النساء. وتبذل المؤسسة جهودا لتشجيع المزيد من النساء وكذلك الذين يأتون من أقليات عرقية، من خلال مسابقات تحريرية (وهي مناسبات يعمل فيها الناس بأنفسهم من أجل بناء المحتوى). عمل وود المدفوع الأجر كان السبب في أن يُحظَر من قبل ويكيبيديا. مع ذلك لا يزال يقوم بالتحرير بالنيابة عن العملاء، باستخدام أسلوب حصري لم يكشف النقاب عنه. عبد كمالي، وهو كندي (25 عاما)، يصف عميله الأنموذجي بأنه "شخص جاهل بويكيبيديا" ويريد أن يُذكَر على الموقع أو يشعر أن المقال الخاص به غير كاف. يقول الكاتب الطامح إلى النجاح، الذي يعمل لدى WikipediaWriters.com، إنه يقضي معظم وقته في أن يبين للعملاء السبب في أنه لا يستطيع تكرار بيان صحافي. ولا يفصح وود عن المقالات التي تلقى مقابلها أجرا في ويكيبيديا، لأنه يخشى أن يتم انتهاك عمله. ويقول إن شركته، وهي Legalmorning، تتلقى طلبات من أشخاص يتظاهرون بأنهم عملاء ويطلبون أن يشاهدوا أمثلة من عمله، لكنه يفاجأ بأن الصفحات تُحذَف بعد ذلك. ويقول: "يريد المحررون تحطيم التحرير مدفوع الأجر". ويختلف معه في الرأي داريوسز جيميلنياك، مؤلف كتاب "المعرفة المشتركة؟: الوصف العلمي لويكيبيديا". فقد كان محررا متطوعا نشطا ويعتقد أن المحترفين الذين يعملون بأجر لهم دورهم. ويقول: "يمكن لويكيبيديا أن تكون كابوسا للقادم الجديد". السر هو الكتابة والتحرير "بحسن نية". وعلى أية حال، "إذا كان التحرير مقابل أجر ذكيا بالفعل فلن يتم اكتشافه".
مشاركة :