قال عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، انه لم تحظ مدينة بين المدن المصرية بالشهرة التي حظيت بها مدينة رشيد، تلك المدينة الفريدة بموقعها المتميز بين النهر والبحر، والتي تمتاز بآثارها المتنوعة بكل عناصرها. ولعل أهم ما يميز المدينة هو محافظتها على طابعها وتراثها المعماري الذى يُمثل حِقبة مُهمة في التاريخ، بدءًا من الحضارة المصرية القديمة حتى عصرنا الحديث، فمن مدينة “بولبتين” و”رخيت” و”رشيت” إلى «رشيد» تغيرت المواقع والأماكن ولم تتغير أهميتها. ومن إنشاء الاستحكامات الحربية والحصون والقلاع إبان الحضارة المصرية القديمة في عهد الأسرة التاسعة عشر، وصد الغارات عن الجبهة الغربية لمصر، إلى تصديها لغزوات كثيرة بعد ذلك، ليتغير تاريخ مصر. فكان صد حملة فريزر عام 1807م، وهزيمة الإنجليز التي أخرَّت احتلالهم لمصر خمسةً وسبعون عامًا ولم يكن دخولهم من جبهتها، ولكن من الجبهة الشرقية عام 1882م. بيد أن نقطة التحول في تاريخ المدينة، بل في تاريخ الحضارة المصرية القديمة أجمع؛ كانت عند العثور على حجر رشيد، وفك رموز الكتابة المصرية القديمة. فقد وضع “جان- فرانسوا شامبليون” اللبنات الأولى في صرح التاريخ المصري القديم. وجاء من بعده المئات من الباحثين الذين أسهموا في استكمال بناء هذا الصرح الشامخ. وبمعرفة الكتابة المصرية القديمة بدأ الغموض ينجلي عن الحضارة المصرية وأخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى. وفي العصر الحديث خلبت المدينة لُب الرحَالة والمؤرخين فأبدعوا في وصف مزارعها وحدائقها التي كانت تحيط بالمدينة من كل جانب. وكانت في أوج ازدهارها في العصر المملوكي ثم العثماني، كما كان للميناء أثرًا عظيمًا على التجارة العالمية مرورًا ببوغازها ونيلها. وتحتفظ مدينة رشيد بالعديد من آثارها الباقية حتى الآن، والتي أقيم معظمها في العصر العثماني. كما تعد المنازل الباقية برشيد هي أكبر مجموعة منازل أثرية بمدينة واحدة في مصر. حتى بعد أن تحولت طرق التجارة للإسكندرية بعد حفر ترعة المحمودية، ظلت المدينة قوية، باقية، شامخة بحضارتها.
مشاركة :