الرَّحَّالة الأعداء: في عام 1831م زار جدة المغامر الألماني «إدوارد رابيل»، وهو يُعد من المستكشفين العظام الذين قدموا للعلم التاريخي الشيء الكثير، وذلك من خلال استكشافه للآثار في مصر وبلاد النوبة، والشام، والساحل الشرقي للبحر الأحمر، وسيناء وأثيوبيا، وكوردفان، وبعد عودته من رحلاته المتعددة، أمضى بقية حياته في مدينة فرانكفورت، وعكف على نشر مذكراته وأبحاثه التاريخية والآثارية والنباتية والحيوانية، يُعد توماس كيث أحد المغامرين والمرتزقة الذين شاركوا الحملة المصرية العثمانية معاركها في الحجاز، وكان توماس كيث يشغل رتبة ضابط في الفرقة الاسكتلندية، وهو من بقايا حملة نابليون على مصر، وكان توماس كيث خبيرًا في إدارة المعارك، ويتصف بالذكاء وحسن التدبير، لهذا عينه طوسون باشا عام 1815م واليًا على المدينة المنورة، عندما غادرها على رأس الجيش إلى نجد، وبهذا التعيين يكون توماس كيث أول أجنبي غير مسلم يتولى إمارة المدينة، ويُقال إن كيث خلّف بعد وفاته مذكرات عن الحجاز، ولا يعرف أحد عنها شيئًا، ومنها يتضح مدى الشك في معلوماته. من أشهر الرحالة الخبير الفرنسي «موريس تاميزية» الذي وصل الحجاز عام 1834م، وقد جاء مع الحملة المصرية كأمين سر ومساعد للطبيب شيرفو، وكان تاميزية يتصف بالذكاء ودقة الملاحظة، وقد كتب عن رحلته كتابًا عنوانه: (رحلة إلى بلاد العرب)، وتكمن أهمية رحلة تاميزية كون صاحبها سجل بشكل متسق وشمولي أحداث حملة محمد علي على الحجاز وعسير، وتحدث عن قضايا داخلية كثيرة، منها على سبيل المثال وصف مدينة الطائف، التي قال عنها: «إنها مدينة محزنة بسبب الدمار الذي أصابها، وذلك بسبب انتشار وباء الطاعون فيها، وهو داء قضى على عدد كبير من السكان، وكان تاميزية يكن إعجابًا شديدًا للرقعة الخضراء التي تُغطي معظم نواحي الطائف، وفي كتابه حديث شيق عن بيشة وأبي عريش، ثم حديث طويل وممتع عن عسير وتاريخها وصراعها مع محمد علي باشا، وقد تٌرجم كتاب تاميزية عن النص إلإنجليزي، ونشرها في جزأين: الأول تحت عنوان (رحلة في بلاد العرب: الحملة المصرية على عسير 1934م) الرياض 1924م والثاني تحت عنوان: (رحلة في بلاد العرب: الحجاز) الرياض عام1421هـ»، ومن أغرب الشخصيات الغربية الذين زاروا مكة المكرمة شخصية الفرنسي «ليون»، الذي قضى ردحًا من الزمن مستشارًا للأمير الجزائري عبدالقادر الجزائري، ثم تظاهر بالإسلام، وقرر مغادرة الجزائر بعد قصة حب فاشلة، وبعد نشوب معركة بين الجزائريين والجيش الفرنسي، لا يستطيع معها حمل السلاح ضد مواطنيه، وصل ليون روش مكة المكرمة في نهاية عام 1841بزي حاج مسلم، وتسمى باسم عمر ابن عبدالله، ثم زار المدينة المنورة، وأعجب بالمسجد النبوي وفوانيسه، والكتابات المذهبة على الجدران، ثم عاد إلى مكة المكرمة، وبقي فيها أسبوعين، غادر بعد ذلك إلى الطائف لمقابلة الشريف، الذي أكرم مثواه على أساس أنه عميل سياسي لفرنسا لا أكثر، وبحلول موسم الحج ذهب إلى مكة المكرمة، وكانت تراوده فكرة التحول إلى الإسلام، لكنه بقي على دينه حتى وفاته، وفي جبل عرفات تعرف عليه بعض الجزائريين فصاحوا: (النصراني.. النصراني) وشعر أن نهايته قد اقتربت، وإذا ببعض الجنود يقبضون عليه، ويقيدونه، ثم يضعونه على ظهر جمل، وعرف أخيرًا أن أولئك الجنود، هم من حرس الشريف، الذي بعثهم لتخليصه، ووضعه في أول سفينة ترسو في ميناء جدة، كتب روش مذكراته بعنوان: (اثنان وثلاثون عامًا في الإسلام) وصدرت في جزأين، ويهمنا الجزء الثاني الذي خصصه للحديث عن مهمته في الحجاز، وقد ادعى روش أنه ثالث نصراني يدخل مكة وصف بيرتون المدينة المنورة، وعادات السكان، والحرم النبوي، وكان يستعين بآيات من القرآن الكريم، والحديث الشريف، ثم عرج على مكة ووصفها، ووصف مناسك الحج، وكان في وصفه لتلك المناسك يصدر عن احترام للإسلام وعن تدين، وقد ذكر بيرتون الدعوة السلفية وقال: إن رجالها يتطلعون إلى أوروبا للتحالف معهم من أجل السيطرة على الحجاز ولا نعلم مصدره في هذه المعلومة، ولكنه يتمتع ببعد نظر، ولهذا فقد صحت توقعاته،عندما تحالف أشراف الحجاز فيما بعد مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية، ونقل الدكتور عبدالرحمن الشيخ رحلة بيرتون الممتعة إلى العربية بعنوان (رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز) ونشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ضمن سلسلة الألف كتاب عام 1994م في ثلاثة أجزاء. في 1860م زار مكة المكرمة البارون «مالتزن»، وكان في ريعان شبابه بصحبة حاج جزائري مدمن تعاطي الحشيش، واتفق مالتزن معه أن يستخدم جوازه للدخول إلى مكة المكرمة مقابل كمية من الحشيش، وهذا ما حدث، واستطاع مالتزن الوصول إلى مكة بجواز مرور مزيف، وبقي صاحب الجواز الأصلي في جدة لا يدري من أمره شيئًا، وكان يعتقد أنه أدى فريضة الحج، سكن مالتزن في فندق صغير في جدة، وهي مدينة لم يرتح لها، وكانت ليلته في الفندق مزعجة، إذ جاورغرفة مليئة بالدراويش، الذين قضوا ليلتهم في صراخ، لم تترك مكة المكرمة لدى مالتزن أي انطباع إيجابي، وكان يشعر بعدم الراحة النفسية، وهو اعتبر الشعائر الإسلامية طقوسًا مملة، ذات طابع جنوني، وشبه المسجد الحرام بقلعة الشياطين، وقد صاحب الحجيج في مُعظم مناسكهم، وبعد الانصراف من عرفات لم يكمل مالتزن بقية النسك، لأنه سمع رجلين من الجزائر يتحدثان عنه، وعرفا أنه على دين النصرانية، لذا فضل مالتزن الهروب إلى جدة، حيث ينتظره صاحب الجواز وأعاد له جوازه وعليه رسم الدخول إلى مكة المكرمة. جاء الطبيب البريطاني «هيرمان بكنيل» عام 1862م إلى مكة المكرمة، كان بكنيل يعمل جراحًا في مستشفى سانت بارثولوميو بلندن، وكان يؤمن أنه من صالح الحكومة البريطانية أن يلم الشعب البريطاني بالمعلومات الموثقة والواسعة عن الدين الإسلامي والمسلمين، ولن تأتي تلك المعرفة إلا عن طريق المشاركة في أكبر موسم يجمع المسلمين، وهو موسم الحج. كان أول من ادعى الوصول إلى مكة المكرمة من المستشرقين «جون كابوت» عام 1480م. أي قبل 12 عامًا من سقوط الأندلس واكتشاف أمريكا، ولكن لم يدون أي شيء مما كتب عن تلك الرحلة أن أول تقرير حول رحلة مستشرق إلى الحج، كانت من رجل إيطالي يُدعى «لودفيجو دي فارتيما» عام 1503م، حيث دخل مكة المكرمة بوصفه جنديًا في حرس المماليك، وانتحل لنفسه اسم الحاج يونس المصري، وفي الثامن من أبريل 1503م تحرّك فارتيما إلى مكة المكرمة في زي جندي مملوك، وحينما وصل إلى المدينة النبوية بقي فيها ثلاثة أيام، ودخل الحرم النبوي الشريف، فوصفه وصفًا موجزًا.
مشاركة :