قبل يومين من اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي في العاصمة القبرصية نيقوسيا أظهرت بيانات اقتصادية رسمية مؤشرات على تحسن أداء اقتصادات منطقة اليورو وتراجع خطر الكساد مع استمرار حالة الغموض التي تحيط بالمستقبل المالي لليونان، وهو ما يعني أن الوقت غير مناسب تماما لكي يعلن رئيس البنك المركزي ماريو دراجي أي تراجع عن خططه لتحفيز الاقتصاد. فبعد تزايد المؤشرات على خطر الكساد خلال الشهور الأخيرة جاءت البيانات الاقتصادية الصادرة عن وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) أمس لتقدم صورة مغايرة نسبيا حيث ارتفع معدل التضخم وإن ظل أقل من صفر في المئة في منطقة اليورو فيما انخفض معدل البطالة في المنطقة إلى أقل مستوى له منذ 3 سنوات تقريبا. ولكن من غير المتوقع أن يكون لهذه البيانات الإيجابية تأثير على اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس أو إعادة النظر في خطة تحفيز الاقتصاد التي أعلنها البنك مؤخرا. ويتوقع المحللون أن يستغل دراجي المؤتمر الصحفي التقليدي بعد اجتماع مجلس المحافظين لكي يكشف عن مزيد من تفاصيل برنامج البنك الجديد لشراء السندات الخاصة والعامة. ورغم كل شيء فإن معدل التضخم المعلن أمس لمنطقة اليورو خلال شباط/فبراير الماضي كان سالب 3ر0% وهو ما يعني أنه مازال في المنطقة السلبية رغم ارتفاعه عن المعدل المسجل في كانون ثان/يناير الماضي حيث كان سالب 6ر0% سنويا وهو ما يقل كثيرا عن المعدل المستهدف بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي وهو 2%. يذكر أن اجتماع مجلس محافظي البنك سيعقد هذه المرة في نيقوسيا حيث أنه يعقد اجتماع كل عدة أشهر خارج مقره في مدينة فرانكفورت الألمانية الذي يستضيف الاجتماع الشهري لمجلس المحافظين. ومن غير المتوقع أن يشهد الاجتماع الإعلان عن أي سياسات نقدية جديدة أو تغيير في سعر الفائدة الذي وصل إلى مستوى منخفض غير مسبوق على الإطلاق وهو 05ر0% . في الوقت نفسه فإن استمرار معدل التضخم المنخفض بشدة يتيح للبنك فرصة أكبر لمواصلة سياسته النقدية فائقة المرونة بما في ذلك بدء تطبيق برنامج شراء سندات الخزانة بقيمة تصل إلى 60 مليار يورو (67 مليار دولار) شهريا. وقال كارستن بريزيسكي كبير المحللين الاقتصاديين في آي.إن.جي بنك بألمانيا إن البيانات الاقتصادية لشهر شباط/فبراير الماضي تعني أن "البنك المركزي الأوروبي سيرى أن قراره بشأن سياسة التخفيف الكمي مبرر تماما". لذلك فإن المحللين يترقبون مؤتمر دراجي لكي يستمعوا منه لأي تفاصيل جديدة عن برنامج التخفيف الكمي للبنك وبخاصة موعد بدء تنفيذ برنامج البنك لشراء السندات الخاصة والعامة والمنتظر أن يكون خلال الشهر الحالي. ومن المتوقع أيضا أن يعلن دراجي عن أحدث توقعات البنك بشأن معدلات النمو والتضخم في منطقة اليورو والتي ستشمل لأول مرة توقعات البنك بالنسبة لعام 2017 إلى جانب الآثار المتوقعة لبرنامج شراء السندات. ويتوقع المحللون أن يخفض البنك تقديراته بشأن التضخم في أعقاب التراجع الكبير لأسعار النفط مع رفع توقعاته لنمو الاقتصاد خلال العامين الحالي والمقبل. والحقيقة أنه منذ أعلن البنك برنامج شراء السندات في كانون ثان/يناير الماضي، ظهرت أدلة عديدة على أن منطقة اليورو بدأت بالفعل الخروج البطيء من دائرة الضعف الاقتصادي. على سبيل المثال فإن مؤشر ثقة قطاع التصنيع ارتفع خلال شباط/فبراير الماضي إلى أعلى مستوى له منذ 6 أشهر بحسب مؤشر مديري المشتريات التي تصدره مؤسسة ماركيت لأبحاث الاقتصاد ومقرها لندن. كما أظهرت بيانات نشرت أمس الاثنين تراجع معدل البطالة في منطقة اليورو إلى 2ر11% خلال كانون ثان/يناير الماضي وهو أقل مستوى له منذ نيسان/أبريل 2012 . كان المحللون يتوقعون استمرار معدل البطالة بعد حساب المتغيرات الموسمية عند مستواه خلال كانون ثان/يناير الماضي دون تغيير. ويمثل هذا التراجع المفاجئ لمعدل البطالة نبأ سارا بالنسبة للمنطقة التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي وتعاني من ارتفاع معدل البطالة وضعف معدل النمو الاقتصادي. وذكرت وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) أن عدد العاطلين في منطقة اليورو بلغ في كانون ثان/يناير الماضي 18 مليون عاطل بانخفاض قدره 140 ألف عاطل عن الشهر السابق. وبلغ عدد العاطلين الذين يقل عمرهم عن 25 عاما أكثر من 3 ملايين عاطل ليصل المعدل بين هذه الفئة إلى 9ر22%. في الوقت نفسه استمر التفاوت الكبير بين معدلات البطالة في دول المنطقة. وظلت ألمانيا والنمسا على رأس الدول الأقل بطالة حيث يقل المعدل فيهما عن 5% في حين ظلت اليونان تتصدر القائمة من حيث الأعلى البطالة بمعدل يزيد عن 25% تليها أسبانيا بمعدل يزيد عن 23%. ويتجاوز معدل البطالة بين الشباب في الدولتين 50% . وتراجع معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة إلى 8ر9% خلال كانون ثان/يناير الماضي حيث يبلغ عدد العاطلين حوالي 8ر23 مليون عاطل. وعلى جانب تراجع أسعار النفط الذي يسهم في خفض تكاليف الشركات ويعزز إنفاق المستهلكين في منطقة اليورو، فإن انخفاض اليورو أمام الدولار بنسبة 20% منذ أيار/مايو الماضي سيعزز القدرة التنافسية للمصدرين الأوروبيين. فبعد أن وصل اليورو إلى 40ر1 دولار في أيار/مايو الماضي انخفضت العملة الأوروبية إلى حوالي 12ر1 دولار حاليا. ويتوقع محللون استمرار تراجع اليورو خلال العام الحالي مع استمرار برنامج التخفيف الكمي للبنك المركزي الأوروبي.
مشاركة :