كيف تحول أردوغان لظاهرة صوتية

  • 3/16/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المتابع للشأن التركي خلال الفترة الأخيرة بشكل عام وتصريحات رئيسها السيد رجب طيب أردوغان، يعيش التناقضات بكل تجلياتها وتعقيداتها، ولن يكون بمقدوره تحليل السياسة الداخلية أو الخارجية لأردوغان تركيا مهما قرأ في السياسات الدولية أو الاقتصاد السياسي وقوانينها. لأن ما سيقرأه في الكتب من تحليلات أكاديمية عن أسباب وأسلوب ونتائج أي عمل سياسي ومثيلاتها عبر التاريخ وحتى راهننا، ستكون متناقضة مع ما قرأه من علوم في السياسة في حال تتبعه لتصريحات اردوغان المتناقضة حتى مع ذاته.إذ، من المتعارف عليه في علم السياسة الوضعية أنها هي التعبير المكثف عن الاقتصاد أو الحرب أو فن الممكن وحتى أنهم في آخر المطاف يقولون عنها إنها أروع أسلوب في فن الكذب، والذي تنطبق عليه هذه الصفة الأخيرة فقط على اردوغان، ما عدا سابقاتها من توصيفات أو تعارف. وباتت السياسة عند أردوغان هي أن تكذب وتكذب. المشكلة الأساسية هي أنه لا أحد بات يصدق أردوغان من القريبين منه أو حتى المتابعين للشأن التركي عامة.منذ بداية سنوات ما يسمى (الربيع العربي) ونسمع أردوغان بأنه سوف يعمل كذا أو سيعلم العالم الديمقراطية والكرامة وسيكون القدوة في المنطقة بعد أن صدقه من القطيع الذي يسير خلفه وأطلقوا عليه صفة "خليفة"، وكذلك سيحرر غزة ويرمي الاخرين في البحر. والكثير من التصريحات والبيانات التي كان يُطلقها لم يذهب صداها أبعد من أرنبة أنفه. فشل أدوغان في تحقيق أي من هذه الشعارات الرنانة التي كانت تنزل على رؤوس القطيع بردًا وسلامًا حينها، إلى أن تحولت الآن هلوسات اعلامية وخطابية يهذيها لنفسه علَّه ينقذ نفسه من مستنقع الفشل والهزائم المتتالية التي يتلقاها بعد كل هذيان.بدأ هذيانه في سوريا على أنه سيفعل كذا وكذا، واستمر هذا المسلسل في العراق وقبرص وأوروبا بتهديدها باللاجئين، وفلسطين بتحرير غزة، والسعودية واستغلاله مقتل أحد الصحفيين من رعاة الاخوان المسلمين، وكذلك لم ينسَ الصين وأمريكا وتهديداته الفنكوشية، والآن وصل إلى آخر الجوقة بهذيانه وهلوساته ضد مصر قيادة وشعبًا.سقطت إحدى أكبر أدوات السيد أردوغان والتي كان يعتمد عليها بشكل أساسي لتنفيذ أجنداته ألا وهي "داعش". سقطت بكل معنى الكلمة وهي الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة في سوريا كقوة مسيطرة على جغرافيا أعطت لنفسها الحق في تسمية نفسها بـ "دولة"، في وقت لم يعد هناك أي قيمة لكيان الدولة في المنطقة ونحن نراها تتساقط تباعًا وكأنها أحجار الدومينو.ربما لم يُدرك أردوغان أن زمن تشكيل الدول قد انتهى ولم يبق له ذاك الصدى المدوي الذي تلتف حوله الشعوب، بل على العكس تمامًا، أنه زمن أن ترتفع الشعوب بدولها نحو الديمقراطية وتحررها من الذهنية المركزية التوتاليتارية والثيوقراطية اللتان كانتا انموذجًا سيئًا على مدار القرن العشرين. فما بالك ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرون.لم تسلم من هذا الهذيان حتى شعوب تركيا في الداخل. إذ، أن الداخل التركي أيضًا يعاني ما يعانيه الخارج من تبعات وارتدادات هلوسات وهذيان سي السيد أردوغان. الكل ينتظر اللحظة التي سيتخلص منها من هذا المعتوه والمريض والمصاب بحالة لا يمكن الخلاص منها إلا في وضعه في الـ "مِحجَر"، كي لا تنتقل العدوى للآخرين.الانتخابات التي ستجري في نهاية هذا الشهر باتت الشغل الشاغل لأردوغان وراح يهدد الكل ويصرخ بأعلى صوته متوعِدًا الكل بالعقاب. لم يترك أحدًا في تركيا ولم يدعه يعيش حالة من الخوف والترهيب في أن يتم اعتقاله في أية لحظة، والتهمة طبعًا هي هي جاهزة، الارهاب وجماعة الخدمة. التي باتت شماعة للتخلص من كل من يفكر أن يعارضه أو يقولا له "لا".باتت تركيا سجنًا كبيرًا لشعوبها وخاصة الكرد منهم. لأنهم يقولون "لا" و"كفى"، لهذه السياسات الهزلية التي أوصلت الانسان لدرجة أنه يتمنى أن يهرب من تركيا ويتخلص من هذا الطاعون المتفشي في الداخل. وبنفس الوقت المقاومة مستمرة ضد سياسات أردوغان الاقصائية والاستعلائية بحق الكرد وشعوب تركيا عامةً.الانتخابات التركية ستكون القشة التي ستقصم ظهر أردوغان من الداخل. وكذلك الدول المحيطة بتركيا باتت تقول له كفى أن تعيث فسادًا وتهديدًا وترهيبًا في المنطقة. وأن شمالي سوريا سيتحرر وإدلب أيضا سيتم تطهيرها والشمالي العراق وحتى قبرص ستنظف اراضيها من الاحتلال التركي. وحتى تهديداته في البحر المتوسط من أجل الغاز لن تجديه نفعًا بعد الآن. لا الكرد هم الكرد السابقين ولا مصر هي مصر الماضي، بل هم الآن يسيرون على طريق الخلاص من التبعية ومزيدًا من الحرية والكرامة.وأن كل عويل وصرخات أردوغان باتت من الماضي ولن ترعب أحدًا ما زال هناك من يقول له لا وكفى في الداخل، ويفشل مخططاته ويُجهز على أدواته في الخارج المتمثلة في داعش والاخوان المسلمين. أردوغان الذي بات ظاهرة صوتية سيُدرس في أكاديميات علوم السياسة في قادم الأيام في فصول "كيف يتحول القائد إلى ظاهرة صوتية، أردوغان انموذجا".

مشاركة :