عواصم - وكالات - بدم بارد وعلى أنغام الموسيقى، ارتكب الأسترالي برينتون تارانت مذبحة ضد المصلين خلال صلاة الجمعة في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، متذرعاً بالانتقام لضحايا هجمات ارتكبها مسلمون ومهاجرون في أوروبا، واملاً بمنحه جائزة نوبل للسلام.وقال تارانت البالغ من العمر 28 عاماً والذي مثل صباح أمس، أمام المحكمة الجزائية في مدينة كريست تشيرتش في بيان من 73 صفحة حمل عنوان «الاستبدال العظيم»، ونشره قبل ارتكاب مجزرته، إنه يأمل أن يمنحوه جائزة نوبل للسلام، ثم قارن نفسه بالزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا، من دون أن يسميه، عبر تلميحه بأنهم سيفرجون عنه بعد 27 سنة، وهو ما قضاه مانديلا في سجنه. وقد بدأ تارانت تصوير جريمته بمنتهى الهدوء من داخل سيارته، مرتدياً دروعاً واقية وزياً عسكرياً وخوذة، قائلاً «دعونا نبدأ هذه الحفلة» ثم سحب واحدة من البنادق الآلية وعددا من خزائن الذخيرة، متوجها مباشرة صوب مسجد النور في المدينة حيث كانت شعائر صلاة الجمعة قد بدأت للتو. إطلاق النار لم يتوقف تقريباً طوال الفيديو الذي امتد لنحو 15 دقيقة. أطلق النار على كل من قابله، وطارد الفارين من المسجد، ودخل مصلى السيدات، ليسقط ما لا يقل عن 50 قتيلاً، والعديد من الجرحى. تارانت الذي يدعم أيديولوجية اليمين المتطرف ويتبنّى سياسة معاداة المهاجرين، يبلغ من العمر 28 عاماً، وينتمي للطبقة العاملة ولأسرة فقيرة، حسب ما كتبه عن نفسه «أنا رجل أبيض من الطبقة العاملة لكنني قررت أن اتخذ موقفا لضمان مستقبل لشعبي». نشأ السفاح في غرافتون، وهي بلدة صغيرة في شمال نيو ساوث ويلز، والتحق بمدرسة ثانوية محلية، ثم عمل مدرباً شخصياً في مركز للإسكواش واللياقة البدنية عام 2010. دوافع الجريمةوشرح القاتل في «البديل العظيم» أسباب ارتكابه للمذبحة، مشيراً إلى التزايد الكبير لعدد المهاجرين الذين اعتبرهم محتلين وغزاة، كما فسر سبب اختياره لهذا المسجد تحديداً، وهو أن عدد رواده كثيرون. وقال «إن أرضنا لن تكون يوما للمهاجرين. وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن يستطيعوا يوماً استبدال شعبنا». وزعم أن ارتكاب المذبحة جاء «لأنتقم لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ. ولأنتقم لآلاف المستعبدين من الأوروبيين الذين أخذوا من أراضيهم ليستعبدهم المسلمون».من ألهم الإرهابي؟وأعلن القاتل في بيانه تأثره بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتباره «رمزا لإعادة الاعتبار لهوية البيض». وقال إنه استوحى هجومه من أندرس بيهرينغ بريفيك مرتكب هجمات النرويج عام 2011، كما زعم أن جريمته تأتي أيضاً انتقاماً لهجوم بالسويد في أبريل 2017 وأودى بحياة فتاة صغيرة من بين ضحاياه. وذكر أيضاً أنه تأثر بكانديس أوينز، وهي ناشطة أميركية سوداء مؤيدة بشدة لترامب. وكتب «في كل مرة تتحدث فيها أذهلتني أفكارها، وساعدت آراؤها في دفعي إلى الأمام أكثر فأكثر نحو الاعتقاد باستخدام العنف مقابل الخنوع»، بهذه الجملة وصف منفّذ المذبحة، شخصيّة أوينز. تبلغ أوينز من العمر 29 سنة، وهي ناشطة سياسية محافظة تدعم ترامب، وقد عرفت بانتقادها للحزب الديموقراطي ولحركة «بلاك لايفز ماتر» (حياة السود المهمة) المعنية بالدفاع عن حياة السود. وردت أوينز على ارتباط اسمها بإلهام منفذ المجزرة، واعتبرت أن الأمر مضحك، وقالت إنها لم تكتب أي محتوى في شأن الإسلام والتعديل الدستوري الثاني الخاص بالحق في حمل السلاح في الولايات المتحدة. وأضاف مرتكب المجزرة أن الفترة ما بين أبريل 2017 ومايو من العام نفسه، غيرت وجهة نظره بشكل كبير، وبعد هجوم ستوكهولم في 7 أبريل 2017 «لم يعد بإمكاني أن أدير ظهري للعنف.. كان هناك شيء مختلف هذه المرة». وقال إنه كان ينوي في البداية استهداف مسجد في دنيدن، وهي مدينة في الجنوب، لكنه تحول إلى مسجد النور لأن الكثير من «الغزاة» يرتادونه، بحسب وصفه. ورغم أنه وصف جريمته بالعمل الإرهابي إلا أنه اعتبرها «عملاً متحيزاً ضد قوة محتلة». وأضاف أنه لم يخطط قط لارتكاب هذه المذبحة في نيوزيلندا، لكنه سرعان ما اكتشف أنها بيئة مستهدفة من قبل المهاجرين مثل أي مكان في الغرب. كما أنه «من شأن أي هجوم في نيوزيلندا أن يلفت الانتباه إلى حقيقة الاعتداء على حضارتنا». واعترف المجرم بأنه منذ عامين يخطط للقيام بهجوم كهذا، لكن قراره تنفيذ الهجوم في كرايست تشيرتش اتُخذ قبل ثلاثة أسابيع فقط. وأكد أنه لا ينتمي لأي حركة سياسية، وأنه نفذ الهجوم بدوافع شخصية.وقد ملأ القاتل سلاحه بعبارات ومصطلحات عنصرية تلخص فلسفته كلها، ومن بينها «آكلو الأتراك» وهو اسم لعصابات يونانية في القرن الـ19 كانت تشن هجمات دموية ضد العثمانيين، وكذلك عبارة «اللاجئون، أهلا بكم في الجحيم». كما كتب على سلاحه عبارة «1683 فيينا» في إشارة إلى تاريخ معركة فيينا التي خسرتها الدولة العثمانية ووضعت حدا لتوسعها بأوروبا، وكذلك تاريخ «1571» في إشارة إلى معركة ليبانتو البحرية التي خسرها العثمانيون أيضاً. وطغت الإحالات التاريخية والدينية على خطاب تارانت، فقد استلهم أفكاره من خطاب البابا أوربان الثاني مشعل الحروب الصليبية عام 1095 للميلاد. وقد رافقت أغنية إبادة الإنسان «تخلص من الكباب» تارانت في رحلة قتل بالبث المباشر. وتعيد هذه الأغنية الصربية إلى الأذهان حرب الإبادة التي شنها الصرب في البوسنة.واستشهد تارانت بفقرتين من خطاب أوربان الثاني، قائلا إنه سينتقم من الإسلام الذي جلب الحرب والدمار للشعوب الغربية والشعوب الأخرى، متوعداً تركيا باسترداد ما يراه مجدا للقسطنطينية، وتدمير كل منارة بها ومسجد.
مشاركة :