عندما وقف الكاتب الصحفي السعودي أحمد الهلال على إشكالية المثقف

  • 3/17/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الأسئلة تبحث عن أزمة ليست وليدة اللحظة! ضمن فعاليات الملتقى الأهلي الثقافي أقيمت في الثالث من مارس الماضي ندوة ثقافية للكاتب الصحفي أحمد الهلال عن كتابه المعنون «لستُ من هذه الطائفة». وقد أدار الأمسية الروائي رسول درويش، حيث قدم درويش الكاتب أحمد الهلال بحوار تخلله بعض الأسئلة التي أثارت درويش، ما كان من الكاتب أحمد الهلال إلا أن يجيب عليها، وكانت الأسئلة منصبة جميعها على ما حمله كتابه «لست من هذه الطائفة» حيث أثار المؤلف أحمد الهلال صورة للمثقف عبر ورقة قرأ منها إشكالية المثقف المعاصر. عن المثقف قائلاً: «هناك شبه اتفاق أن مصطلح المثقف في الواقع العربي، قد يتجاوز السبعين عاما بقليل. إن الاشتغال حول هذا المصطلح، من قبل «المثقف العربي» يكاد يكون فقيرا جدا وليس هناك أي وجه مقارنة بين اشتغال المثقف الغربي حول هذا المصطلح واشتغال المثقف العربي»، معرفا من هو المثقف: لا يبدو اليوم ترفا أو موضوعا تم تجاوزه كما قد يتبادر إلى أذهان البعض. وحينما نقرأ بعد قليل آراء بعض المفكرين العرب حول هوية المثقف سوف نكتشف أننا لسنا في البداية بل بداية البداية. يقول في سياق مضمون حديثه: في البدء كانت الصورة أو الانطباع الأول عن مفهوم المثقف لذا وجدت الدكتور عبدالله الغذامي يقدم صورة انطباعية عن ولادة المثقف السعودي في كتابه «حكاية الحداثة في السعودية» أظنها مكملة في ذات الإشكالية التي طرحها سابقوه من المثقفين العرب، خصوصا إذا عرفنا أن إشكالية المصطلح كانت لازمة قديمة سابقة لظهور المثقف السعودي». وتحت رؤية ما قاله الغذامي: استشهد الهلال بهذه الرؤية والحديث مقتبس من مقال الغذامي: «لقد كان ظهور المثقف حدثا نوعيا في ثقافتنا ومع مرحلة أعقبت مرحلة التأسيس، وهو مثقف حداثي – ولا شك – غير أن وعيه بهذه الحداثية لم يكن متحققا لا في نفسه ولا في أطروحته وإن اتجه إلى الإصلاح الاجتماعي إلا أنه لم يكن مهيأ للإصلاح الفكري والعقلي، فهو مثقف ظرفي؛ أي إنه ناتج عن حاجة خاصة به كفرد من حيث كسب رزقه أولا ثم من حيث تصديه للواجب الوطني تبعا لذلك، ولكن لم يكن على وعي كامل لكي يحول ذلك إلى مشروع فكري ونظرية اجتماعية أو نقدية أو إبداعيه؛ لذا ظلّ عمله تراكميا وعدديا حتى لا يكاد يحصى عدد المقالات التي تكتب من ذلك اليوم وما بعده، ولكنها كلها لا تشكل أطروحة يمكن الركون إليها والبناء على أساسها»، متسائلا عبر رؤية الغذامي: «هل كلام الغذامي يمكن أن ينطبق على المثقف العربي اليوم بالعموم مع بعض الاستثناءات؟ يبدو أن الأسئلة حول ظاهرة المثقف كثيرة، ولكن الاشتغال على هذه الذات المثقفة ومحاولة الإجابة عليها يبدو شحيحًا جدا». وحول تعريفه للمثقف يستشهد الهلال بمقال للكاتب الشاعر محمد العلي معنونا بـ«نهاية المثقف». حيث يرى العلي: «تعددت الإجابات، عن هذا السؤال حد التناقض، فهو مصباح المجتمع في إجابة». وفي إجابة أخرى يرى الهلال أن المثقف: ما هو إلا بائع أوهام، مشاركًا الكاتب كريم أبو حلاوة في أن مهمة المثقف هي (النقدية المعرفية التي ترى أن المثقف لا يغير الواقع، بل يغير الوعي بالواقع عبر إسهامه في إنتاج مفاهيم وأفكار جديدة ومن خلال إعادة النظر نقديا في المعارف والآراء الشائعة). وهو هنا يتحدث عن المثقف العميق، لأنه تحدث في مفهومه للمثقف عن إنتاج مفاهيم وأفكار، معنى ذلك أننا لا يمكن أن نطلق عنوان المثقف على كل شخص يمارس الكتابة. كذلك معنى هذا أنه يجب أن يكون هناك مفهوم نتفق عليه من هو المثقف؟ هذه محاولة أولى وعميقة عن مفهوم المثقف وقد ذكر الهلال تعريفات عدة قد تتفق مع تعريف كريم أبو حلاوة وقد تختلف. حول إشكالية مفهوم المثقف يقف بنا الهلال على رؤية الدكتور محمَّد عابد الجابري عن عقدة هذا المصطلح، يقول: «لقد لاحظنا أنَّ مفهوم المثقَّف مفهوم ضبابيٌّ في الخطاب العربيِّ المعاصر، على رغم رواجه الواسع، إذ هو لا يشير إلى شيء محدَّد، ولا يحيل إلى نموذج معيَّن ولا يرتبط بمرجعيَّة واضحة في الثَّقافة العربيَّة الماضية والحاضرة، وذلك لأنَّه بقي على الرَّغم من استعماله الواسع يفتقد التَّبيئة الصَّحيحة داخل الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة. وهكذا بقي الإنسان العربيُّ الَّذي يوصف بأنَّه مثقَّف ويتحدَّث عنه بوصفه كذلك، لا يتعرَّف إلى نفسه بوضوح، لا يعرف لماذا يوصف بذلك الوصف ولا يدري هل يقبله أم لا يقبله؟ ذلك لأن هذا المفهوم قد نقل إلى العربيَّة من الثَّقافة الأوروبيَّة عبر ترجمة ناجحة من دون شكٍّ، ولكنَّه لم تتمَّ تبيئته بالصُّورة الَّتي تمنحه مرجعيَّة محدَّدة في فضائنا الثَّقافيِّ، فبقي غربيًّا على رغم انتشاره الواسع»، مستندا الهلال في بعده وموضحا السؤال: (بالاشتغال) حيث استند على ما قاله إدوارد سعيد في كتابه صور المثقف، حول تراكم الدراسات حول ظاهرة المثقف لدى الغرب التي تقول: «فما عليك إلا أن تضع أمام عينيك على نحو شبه فوري مكتبة كاملة من الدراسات عن المثقفين، مروعة جدا في مداها، متناهية التركيز في تفاصيلها. فثمة آلاف الدراسات التاريخية والاجتماعية المختلفة عن المثقفين، إضافة إلى تفسيرات لا تنتهي عن المثقفين والقومية، والسلطة، والتقاليد، وسيل لا ينقطع من الموضوعات الأخرى»، واقفًا الهلال في سياق حديثه على سؤال المثقف قائلا: «اذا جمعنا الآراء الثلاثة حول مفهوم المثقف، يتضح لنا أننا أمام محاولة لتعريف المثقف العميق الذي طرحه الفيلسوف الألماني نيتشة، لهذا رأى المفكر السوري هاشم صالح أن أحد الأسباب في فشل مشروع التنوير في العالم العربي هو في كثرة المثقفين السطحيين التي لا قيمة تنويرية تذكر لحضورهم، إذ يقول هاشم صالح. أعتقد أننا لن نجد صعوبة كبيرة في التفتيش عن المفكرين السطحيين، فهم يسرحون ويمرحون في كل مكان، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. من أسهل الأشياء وأكثرها متعة وجاذبية أن تكون مفكرا سطحيا تكتفي بدغدغة ظواهر الأشياء وملامستها مسا خفيفا من دون أي تساؤل أو معاناة حقيقية، فالكثيرون من حملة شهادات الدكتوراه مثلا أو خريجي الجامعات الأجنبية بثمن بخس يمكن تصنيفهم في خانة المفكرين السطحيين والسعيدين جدا». وهنا يشير الهلال إلى إبراز سؤال، لماذا اشتغل المثقف الغربي حول ذاته، بهذا الحجم المهول من الدراسات، ولم يشتغل المثقف العربي بذاته؟ أليس من الضروري كون المصطلح حديثا في الفضاء العربي، أن يشتغل عليه من قبل المثقف العربي، كونه مرتبطا بذاته، وكيفية أن يقدم نفسه إلى مجتمع جديد عليه مثل هذا المصطلح. وهل المثقف العربي عاجز عن أن يقدم نفسه إلى مجتمعه؟ بعد انتهاء الهلال من سرد ورقته عن إشكالية المثقف، أثيرت بعض الأسئلة التي قدمها الحضور وكان أكثرها منصبا على عنوان كتابه وما علاقة الندوة بالكتاب «لست من هذه الطائفة» ما حدا بأحمد الهلال إلى الإجابة عليها، مفندا ارتباط عنوان كتابه بإشكالية أزمة المثقف ومن هو المثقف الحقيقي من المزيف! أسئلة كانت وافية وجريئة بحثت في أزمة ليست وليدة اللحظة. بعدها وقع أحمد الهلال كتابه لمن رغب في اقتنائه.

مشاركة :