قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات العربية الغربية

  • 3/17/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى عقود عدة، ظلت قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان أحد أبرز بواعث تعكير صفو العلاقات العربية الغربية، التي تمتلك فرصاً واعدة للتطور والازدهار. فبينما شكلت حجر عثرة أمام تعميق تلك العلاقات وتعزيز أواصرها، أبت عواصم غربية عدة إلا أن تسيس مثل هذا النوع من القضايا الشائكة عبر استغلال تعثر مسيرة التحول الديموقراطي وتواضع السجلات في ما يتصل بأوضاع حقوق الإنسان فى العالم العربي، بغية ممارسة الضغوط السياسية على الحكومات العربية وابتزازها اقتصادياً واستراتيجياً. لكن في الآونة الأخيرة، وخلافاً لما كان متبعاً في ما مضى، بدأت ردود عدد من الحكام والمسؤولين العرب حيال الإملاءات أو المطالبات الغربية المتوالية لهم بتحسين سجلاتهم في مجال الممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، تكتسي مسحة من الثقة التي لا تخلو من جرأة تكاد تدنو من الندية، ابتداءً بالتشكيك في مهنية وحيادية أو مقاصد المنظمات الدولية ذات الصلة وصدقية التقارير والأبحاث التي تقوم بإعدادها ونشرها، مروراً بمناشدة الجهات والدوائر الرسمية الغربية عدم التدخل في شؤون الدول العربية أو إعطاء حكوماتها دروساً في هذا الصدد، ثم مطالبة المسؤولين الغربيين بمراعاة خصوصية أوضاع الدول العربية وطبيعة المراحل الانتقالية العصيبة، التي تعصف بتلك البلدان هذه الأيام، وصولاً إلى التلويح بوجود ثغرات مفجعة في ما يخص الممارسة الديموقراطية وأوضاع حقوق الإنسان في البلاد الغربية المشهود لها بانتهاج الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. فعلاوة على تراجع قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان ضمن قائمة أولويات الإدارة الأميركية الحالية على نحو ما بدا جلياً في عزوف الرئيس ترامب عن تعيين مستشار أو مبعوث خاص له يعنى بهكذا قضايا، وإشادته بنموذج الحكم الصيني الذي يتيح للرئيس شي جين بينج البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى، ثم تحذير محاميه السابق مايكل كوهين بعد انقلابه عليه من إمكانية رفضه لانتقال السلطة سلماً لرئيس آخر حالة خسارته الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2020، توالت وتنوعت العوامل التي أفضت إلى إعادة تموضع الموقف العربي من قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، والتي كان من أهمها: عولمة الإرهاب وتفاقم التهديدات والأخطار الناجمة عنه لتطال العالم أجمع، إلى الحد الذي اضطر حكومات غربية عدة، بما فيها تلك الموغلة في الممارسة الديموقراطية، إلى تبني إجراءات استثنائية قد تتنافى مع الديموقراطية وحقوق الإنسان، بغية مكافحة الإرهاب والحفاظ على استقرار بلدانها وضمان أمن شعوبها. كان لذلك الوضع المأساوي أن يفاقم حاجة الغرب إلى أنظمة حكم قوية ومستقرة في بلدان الشرق الأوسط وجنوب المتوسط، وإن لم تكن سجلاتها في مجالات الديموقراطية وحقوق الإنسان متناغمة مع المعايير الدولية، أو تدنو من المستوى الذى ترضى عنه الدول الغربية، بما يساعد على تقويض شيطان الإرهاب، ويحول دون عبوره الحدود لغزو شعوب وبلاد العالم الغربى وتنغيص حياتها، فضلاً عن كبح جماح ظاهرة اللجوء المكثف والهجرة غير النظامية من بلاد أفريقيا وجنوب المتوسط إلى شماله. في غضون ذلك، اضطلعت الأزمات الاقتصادية المتوالية والخانقة التي طفقت تلقي بظلالها على العالم أجمع خلال العقدين الأخيرين بدور لافت في تقهقر قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان على قائمة أولويات النظام الدولي الراهن. فمن جهة، تمخضت التداعيات السلبية الموجعة لتلك الأزمات عن حدوث ما يشبه الردة أو التراجع في الممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في بقاع شتى من العالم، سواء لجهة نزوع بعض الحكومات نحو تبني إجراءات تعسفية بغرض احتواء الأزمات الاقتصادية أو تقليص آثارها وعواقبها الوخيمة، وإن لم تتواءم تلك الإجراءات مع قيم ومبادئ الديموقراطية، أو اضطرار الشعوب، تحت وطأة الضغوط الاقتصادية المتنامية، إلى التمرد على النهج الديموقراطي، الذي باتوا يرونه عاجزاً عن بلوغ النمو الاقتصادي، وتفضيل تلك الشعوب لكل ما من شأنه تحسين مستوى معيشتهم غير مبالين بمواكبته للديموقراطية من عدمه، خصوصاً بعد إخفاق الأنظمة والحكومات المنتخبة ديموقراطياً في مواجهة الأزمات الاقتصادية وتلبية الاحتياجات التنموية الملحة لشعوبها. على وقع تلك التغيرات والمستجدات، جاء الصعود السريع والمخيف لتيارات اليمين المتطرف التي تبارت في اجتياح عدد من البلدان الغربية، التي تنعم منذ عقود طويلة بتجارب ديموقراطية مستقرة، كالريح العاتية، كما يأتي التغافل الغربي المتعمد عن تدهور أوضاع الديموقراطية وحقوق الإنسان في دول الاقتصادات الناشئة، بل وحتى تلك الزاحفة بخطى ثابتة نحو صدارة النظام الاقتصادى العالمي كالصين ودول مجموعة «بريكس»، توخياً من الحكومات الغربية لتجنيب اقتصاداتها، بل والاقتصاد الدولى برمته، مزيداً من الاضطرابات أو الانتكاسات. تأسيساً على ما ذكر آنفاً، لم يكن مستغرباً أن يتحرر الخطاب السياسي الرسمي العربي من براثن التمترس المضني خلف التبريرات التقليدية الممجوجة، التي دأب المسؤولون العرب على سوقها وترديدها كلما وجدوا أنفسهم مضطرين لتوضيح مواقفهم الحرجة التي تتصل بأوضاع الممارسة الديموقراطية وحقوق الإنسان في بلدانهم، سواء خلال المناسبات والفعاليات الدولية ذات الصلة، أو على هامش الملتقيات الدولية، أو أثناء الحوارات والمؤتمرات الصحافية فى حضرة وسائل الإعلام الغربية، التى كانت تتحين الفرص لإحراج المسؤولين العرب، كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وفي تطور لافت، انبلجت الحدة اللافتة في الخطاب السياسي للرئيس السيسي في شرحه للموقف المصري بشأن قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، لوسائل الإعلام الغربية، في مناسبات شتى، كان من أبرزها وأحدثها، زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للقاهرة، الشهر الماضي، والتي وجّه خلالها انتقادات لاذعة لملف مصر في مجال حقوق الإنسان، ثم القمة العربية الأوروبية الأولى، التي استضافها منتجع شرم الشيخ المصري قبل أيام، وتجشم السيسي فى ختامها مغامرة شرح وجهة النظر المصرية والعربية في ما يخص التعاطي مع قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان من منظور تدرجي ينأى عن التقليد الأعمى للغرب والسعي المتهور لاستنساخ تجاربه من دون مراعاة لخصوصية المجتمعات العربية، بكل ما تنطوي عليه من عادات وقيم ومبادئ، وما تحيط بها من إكراهات وما يلاحقها من تهديدات. وفي هذا السياق أيضاً، جاء عرض وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، رؤية مصر لكيفية التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان في زمن الاضطرابات والمراحل الانتقالية القلقة، حيث أكد على أزلية التنوع والتعددية باعتبارهما طبيعتين بشريتين، وشدد على استحالة صهر العالم أجمع في قالب واحد أو إجبار شعوبه على تبني نهج بعينه، أو الاتفاق حول رؤية واحدة للأمور، مهما كانت الذرائع أو المبررات. ومن ثم دعا إلى ترسيخ قبول الآخر، والحض على العيش المشترك مع احترام التنوع ومراعاة حق الاختلاف، فضلاً عن العمل لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة. * كاتب مصري.

مشاركة :