منذ توليه الرئاسة في يناير 2017، يراهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الإيفاء بكل وعوده الانتخابية التي روجها خاصة في ما يتعلق بسياساته الخارجية، فكان تركيزه منذ الأشهر الأولى لحكمه منصبا بدرجة كبيرة على ترجمة برنامجه القائم على شعار “أميركا أولا” بتوعده مرارا بتقليص الأموال المخصصة للمساعدات الخارجية وخفض المعونات وحجم الأموال التي استهدفت، ضمن استراتيجيات السياسة الأميركية التقليدية، دعم جهود الشعوب الفقيرة ومناطق النزاع والصراع، لكن ورغم تشبثه في المضي قدما بترسيخ هذه السياسة فإن كل جهوده تصطدم في كل مرة بجبهة معارضة قوية في الكونغرس من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. واشنطن- لا يكاد يمر شهر في الولايات المتحدة دون أن تثير السياسات الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلا واسعا في واشنطن، ما يستدعي وجوبا الوقوف عند الأهداف التي يرسمها الرجل والغايات التي يصبو إلى الوصول إليها من وراء كل مقترحاته ومواقفه ومساعيه لتطبيق شعار “أميركا أولا” على أرض الواقع. في الأشهر الأخيرة انصب كل التركيز في المشهد السياسي الأميركي على مراقبة الخطوات التي يخطوها ترامب في علاقة بمواقفه الخارجية والتي يصفها كثيرون بأنها تحيد عن مقومات السياسة الخارجية الأميركية التقليدية. وبعد الجدل الذي أثاره بإعلانه عزمه سحب قوات بلاده من سوريا وكذلك أفغانستان أو كذلك انخراطه في محادثات سلام مع حركة طالبان، يحاول الرئيس الأميركي مجددا، تطبيق تخفيضات كبيرة في ميزانيات هيئاته الدبلوماسية والمساعدات الخارجية. وجوبه مقترحه هذا بمعارضة شديدة في الكونغرس، حيث تتزايد المخاوف بشأن الخطة الرئاسية الرامية إلى تعزيز قوام الجيش وتقليص الدبلوماسية. ولا يعد رفض نواب الكونغرس من كلا حزبي الجمهوري والديمقراطي بالجديد، حيث حاول ترامب منذ الأيام الأولى التي وصل فيها إلى البيت الأبيض المضي قدما في تنفيذ ذلك، لكنه جوبه بالرفض لخطوة مثلت في السنوات الأخيرة نقطة خلافية كبرى في الولايات المتحدة. سبق أن حذر وزير الدفاع الأميركي السابق جيم ماتيس، من اتخاذ هذه الخطوة عندما كان لا يزال يرتدي الزي العسكري، التي من خلالها، حسب رأيه، ينم خفض أركان الميزانية الدبلوماسية عن اتجاه خادع للاقتصاد حيث يظهر فى البداية علامات على توفير الأموال ولكنه يثبت على المدى الطويل عكس ذلك. وقال ماتيس للكونغرس عام 2013 عندما كان يستعد للتقاعد من سلاح مشاة البحرية (مارينز) “إذا لم تقوموا بتمويل وزارة الخارجية على نحو كامل، فأنا سأكون بحاجة إلى شراء المزيد من الذخيرة في نهاية المطاف”. وأضاف ماتيس “كلما زاد إنفاقنا في دبلوماسية وزارة الخارجية، نأمل أن تكون لدينا ميزانية عسكرية أقل”. إليوت إنجل: ميزانية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصلت وهي متوفاة إكلينيكيا إليوت إنجل: ميزانية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصلت وهي متوفاة إكلينيكيا ومع ذلك، كشف البيت الأبيض هذا الأسبوع عن الميزانية المقترحة لعام 2020 وأوصى بتخفيض ميزانية وزارة الخارجية، بما في ذلك المساعدات الخارجية، بنحو 23 في المئة. وتطلب مقترحات الميزانية تخصيص 750 مليار دولار للدفاع القومي وذلك بزيادة 5 في المئة عن العام الماضي وتتضمن تمويلات لتشكيل قوة فضاء جديدة للتعامل مع تهديدات الصين وروسيا. وتتضمن النفقات العسكرية أيضا خططا لنشر مستشعرات في الفضاء للتعامل مع صواريخ مطورة مزودة بتقنية سرعة تتجاوز سرعة الصوت. وفي غضون ذلك، خُفضت التمويلات المخصصة لوزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بـ23 في المئة لتصل إلى 12.3 مليار دولار. وتركز خطط ترامب على تنفيذ وعوده ببناء الجيش ومن المتوقع أن تتصاعد حدة المعركة السياسية في واشنطن في الفترة المتبقية حتى الانتخابات الرئاسية العام القادم. وتعني كل هذه القرارات خفض مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية والإنمائية لأكثر الشعوب فقرا ومناطق الصراعات في العالم، وكذلك تقليص الأدوات الدبلوماسية الموضوعة تحت تصرف الدبلوماسيين الأميركيين. وإلى جانب هذه النقطة الخلافية الأخيرة، فإن ملامح السياسة الخارجية في عهد ترامب عادة ما تمثل محور الحدث خاصة في ما يتعلق بتصوراته في الشرق الأوسط، حيث يحاول الحزبان الجمهوري والديمقراطي تلطيف أخطاء الرئيس الحالي وتصويبها لحفظ مصالح واشنطن وحلفائها، ولعل أبرز دليل على ذاك أن مجلس الشيوخ انتقد صراحة قرار ترامب الانسحاب من سوريا وأفغانستان بوصفه قرارا “متسرّعا” و”يمكن أن يعرّض التقدّم الذي تمّ إحرازه، وكذلك الأمن القوميّ الأميركي للخطر”. وفي تعليقه على الميزانية المقترحة، قال إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، ردا على ذلك المقترح المتعلق بخفض المساعدات الخارجية “يجب أن نستثمر في الدبلوماسية والتنمية، وليس تفريغ ميزانية الشؤون الدولية”. وأعلن إنجل، وهو ديمقراطي، أن ميزانية الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وصلت وهي “متوفاة إكلينيكيا”. وتوقع أن يتم رفض تلك الميزانية من قبل النواب من كلا الحزبين. إزاء هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، اتحد النواب الأميركيون في العامين الماضيين لمنع التقشف الشديد في وزارة الخارجية. وقال مايكل ماكول، كبير الجمهوريين في لجنة مجلس النواب، “يجب أن نحرص على ألاّ تكون لتلك التخفيضات عواقب غير مقصودة تكلفنا الكثير على المديين المتوسط والبعيد. وهذا ينطبق بشكل خاص على التخفيضات المؤثرة في المساعدات الإنسانية والتنموية”. وفي الوقت نفسه، زاد ترامب الإنفاق الدفاعي خلال رئاسته. وسوف يشهد الاقتراح الأخير لميزانية 2020 زيادة مجددا بنسبة 5 في المئة ليصل إجمالي الميزانية إلى 750 مليار دولار. ويمثل ما يتم إنفاقه على الدفاع 18 ضعفا لما يتم إنفاقه على الدبلوماسية. ومنذ توليه الرئاسة، كان ترامب حريصا للغاية على خفض مخصصات وزارة الخارجية، لاسيما المساعدات الخارجية. وغالبا ما كانت تواجه تحركات ترامب مقاومة من جانب الكونغرس. وقد تراجع في 2018 عن أشد مقترحاته في هذا الشأن مع تصدي المشرعين له. وبالتوازي مع الكشف عن ملامح الموازنة المالية للولايات المتحدة في عام 2020، فإن الكثير من المراقبين يقرون في المقابل بأن الرئيس ترامب يقدر أيضا مصالح بلاده الخارجية ويتخذ قرارات وفقا لما يخدمها والدليل على ذلك أن إدارته رفضت تقييد المساعدات لتحالف دعم الشرعية اليمنية التي تقودها المملكة العربية السعودية. وربط وزير الخارجية مايك بومبيو هذه الخطوة الأخيرة، بما يجري في اليمن، وخاصة دفع بلاده إلى الحد من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة. وقال بومبيو في مؤتمر صحافي عقد بواشنطن، إن بلاده تدعم التحالف وترفض تقييد المساعدات المقدمة، معتبرا أنه يجب القيام بذلك حتى لا يصبح اليمن تحت سيطرة طهران يحركها نظام فاسد بحسب تعبيره. تطلب مقترحات الميزانية تخصيص 750 مليار دولار للدفاع القومي وذلك بزيادة 5 في المئة عن العام الماضي وتتضمن تمويلات لتشكيل قوة فضاء جديدة للتعامل مع تهديدات الصين وروسيا وتضمنت التخفيضات بشكل خاص، الملايين من الدولارات للشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على إرساء الاستقرار بالمناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف. ومنذ ذلك الحين، يطلب حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في سوريا المزيد من المساعدة، حيث يفر آلاف المدنيين من آخر معاقل داعش وليس معهم سوى موارد قليلة على الأرض لمساعدتهم. وحذر مارك هيرتلينج، وهو جنرال سابق في الجيش الأميريكي وأحد منتقدي الإدارة الأميركية، من أن هناك إجماعا بين كبار الضباط العسكريين حول أن وزارة الخارجية “تعاني من نقص التمويل” حتى قبل آخر اقتراح للميزانية. وستضيف أحدث التخفيضات المقترحة إلى القلق الذي ينتاب وزارة الخارجية في السنوات الأخيرة، خشية الدبلوماسيين من إمكانية أن تتلاشى أهميتها في ظل إدارة ترامب. ويتم إدارة العديد من مبادرات السياسة الخارجية الرئيسية بشكل مباشر- أو على الأقل يتم الإشراف عليها – من قبل البيت الأبيض، وذلك كما أظهر مسار كوريا الشمالية. وكان يُنظر إلى وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، على أنه قام بتجريف وزارة الخارجية من كوادرها خلال شهوره التي قضاها في منصبه، تاركا الوزارة تعاني من ضعف المعنويات في ظل استنزافها من كبار الموظفين. ووعد مايك بومبيو، وزير الخارجية الحالي، بإعادة القوة إلى الوزارة، لكن حتى الآن يسير وفق رغبات الرئيس بشأن التخفيضات.
مشاركة :