صبري موسى .. ساحر الصحراء بـ فساد الأمكنة

  • 3/18/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

طرح وراء ظهره التكالب، على المناصب والجوائز ورئاسة اللجان، والمكافآت التي تغدق بها السلطة على السماسرة وماليها من المثقفين، وكان دائما قليل الكلام لا يميل للإستعراض أو الدخول في معارك لا لزوم لها، لكن صمته كان يكتنز الكثير من الخبرات الحياتية والإبداعية معًا، واعتزل الحياة الثقافية ونأى بنفسه عن كل الصخب والضجيج الذي تورط فيه الكثيرون، وأشاح بوجهه بعيدًا عن كل الكاميرات المسلطة، والأماكن الفاسدة وآثر أن يكون مبدعًا فقط، وأن يموت ميتة تليق بالكبار الحقيقيين، مستغنيًا عن كل القيم المضافة التي تصنع الأنصاف، إنه الكاتب الكبير الذي يحتفل اتحاد الكتاب بذكرى ميلاده.ولد "صبري موسى" في محافظة دمياط عام 1932، وعمل في بداية مشواره المهني مدرسًا للرسم لمدة عام واحد، ثم اتجه إلى «صاحبة الجلالة» وعمل صحفيًا في جريدة الجمهورية، ثم كاتبًا متفرغًا في مؤسسة «روز اليوسف»، وصدر له عنها كتاب «الغداء مع آلهة الصيد»، ثم أصبح عضوًا في مجلس إدارتها، وعضوًا في «اتحاد الكتاب العرب»، ومقررًا للجنة القصة في «المجلس الأعلى للثقافة»، وله مئات المقالات في مجلة «صباح الخير»، ويُشهد له أنه عندما وصل إلى موقع المسؤولية كان يحنو على أي موهبة شابة ويمنحها عضوية الاتحاد.بدأت حياته الأدبية بالكتابة في فن القصة، ومن أعماله «القميص، وجها لظهر، حكايات صبري موسى، مشروع قتل جارة، الرجل الذي ضحك على الحصان، السيدة التي والرجل الذي لم»، وفي أدب الرحلات كتب «في البحيرات، في الصحراء، رحلتان في باريس واليونان».ومن أشهر أعماله الروائية «حادث النصف متر»، عام 1962، وفيه أوحى لنا فكرته بأن نصف متر فقط هو ما يلزم لأن يتم تحديد مصائرنا وأقدارنا في الحياة، وتحولت تلك الرواية إلى فيلمين سينمائيين بنكهتين ومعالجتين مختلفتين تبتعدان أو تقتربان عن روح الرواية الأصلية، الأول هو فيلم لأشرف فهمي من بطولة محمود ياسين ونيللي، والثاني هو فيلم للمخرج الفلسطيني سمير ذكري بنفس الاسم، وهو فيلم لقى حفاوة نقدية في العديد من المهرجانات.وفي ربيع عام 1963 أمضى موسى ليلة في جبل الدرهيب بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان، في رحلته الأولى إلى الصحراء، وفي تلك الليلة وُلدت كيمياء غامضة معه بالمكان، ثم الزيارة الثانية كانت في أثناء رحلة إلى ضريح المجاهد الصوفي أبو الحسن الشاذلي، وفى تلك الزيارة أدرك أنه يحتاج إلى معايشة الجبل والإقامة فيه؛ وبالفعل وافقت وزارة الثقافة على تفرغه والإقامة في الصحراء حول الجبل لمدة عام من نوفمبر 1966 إلى نوفمبر 1967؛ وكان حصاد ذلك أن أخرج لنا أهم أعماله «فساد الأمكنة»، التي تعتبر واحدة من أهم الروايات العربية، والتي أحدثت دويًا في الحياة الأدبية، إذ تكثفت فيها خبراته المتنوعة وتآزرت لتُقدم لنا نصًا روائيًا بالغ العمق سيظّل باقيًا حتى وإن رحل كاتبه الفذّ الذي يشبه «نيكولا» بطل روايته بسرقته للمعرفة من بحر التجوال.كتب "صبري موسى" سيناريوهات العديد من الأفلام السينمائية منها «البوسطجي»، أحد أهم أفلام السينما المصرية، و«قنديل أم هاشم»، و«القادسية»، و«الشيماء»، و«قاهر الظلام»، و«رغبات ممنوعة»، و«أين تخبئون الشمس».وتعتبر آخر ما صدر له رواية «السيد من حقل السبانخ»، عام 1982، وهي رواية تُصنف تحت بند روايات الخيال العلمي، وهي تأسيس لنوع جديد لم يقدر له الاستمرار ولم يجد من يتلقفه من الأجيال المتتالية ولم يطرقه إلا أدباء قلائل مثل يوسف عز الدين عيسى ونهاد شريف، وتُرجمت أعماله إلى عدة لغات منها الإنجليزية والصينية.ونال الراحل جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1975، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون عام 1992، والميدالية الذهبية لجائزة «بيجاسوس» من الولايات المتحدة الأمريكية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير الإنجليزية عام 1978، وجائزة الدولة للتفوق عام 1999، وجائزة الدولة التقديرية عام 2003.

مشاركة :