حينما أكتب أو أتكلم عن مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث تلتهب المشاعر وتتدفق الأفكار وتتزاحم وتتداخل الكلمات ولا يدرى القلم ماذا يكتب من كثرة ما فى جعبته...فنحن حينما نكتب عن البابا شنودة نحن نكتب عن الكنيسة القبطية لأن البابا شنودة يحمل فى أعماقه جذور الكنيسة القبطية وأصالتها وتعاليمها وروحانيتها.فقداسة البابا شنودة الثالث يحمل فى أعماقه رهبنة أب الرهبان أنطونيوس وإيمان أثناسيوس وتعليم كيرلس وروحانية مقاريوس، إنه كنيسة الآباء. ولأنه امتداد لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية فنجده مجمعا للمواهب والتى تبدو متناقضة ولكنها صفات العظماء. فقد كان يتصف بشجاعة الأسد ووداعة الحمل. وله حكمة الشيوخ وبساطة الأطفال. وبالرغم من أن الجموع كانت تنتظر إشارة منه لتنفذ ما يقوله ولكنه لم ينسق يومًا للجماهير بل كان هو الذى يقودهم فقد كان قائدا قوى القلب والنفس ملهما لكل من حوله.وامتاز البابا شنودة أيضا باتزان الفكر، ولم يسمح بالشطحات الفكرية التى تستهدف بعض الكتاب، والوعاظ ليجتذبوا بها مسامع الناس حيث يتكلمون بطرق غير مألوفة وأفكار مثيرة للبلبلة ولكنه كان يقود مدرسة للاعتدال، وكان بابانا الرائع مدرسة الحياة.فمن منا لم يتشكل وجدانه بتعاليم البابا شنودة؟! ومن منا لم يبك أو يضحك مع البابا شنودة؟! فحينما يضحك، تضحك معه الكنيسة كلها وحينما يبكى كانت تبكى معه الكنيسة كلها. إنه أسطورة ليس على الصعيد الكنسى فقط بل والوطنى والعالمي. فهو مصرى حتى النخاع، تعيش مصر فيه بكل جوارحه ووجدانه وهذا ما وصفه الدكتور الراحل أحمد زويل: «البابا شنودة كان مصريا عظيما ورمزا فى تاريخنا الحديث». أما الأديب الراحل نجيب محفوظ فقال عنه: «البابا شنودة دائما رجل صلب متفائل شديد الذكاء.. مصرى عميق الأصل، عربى الوجدان والتوجهات.. إنسانى النزعة عالمى الأفق. أما عن البابا شنودة الإنسان فلكى تعرفوا عمق هذا الإنسان النبيل والراقى تأملوا فى قوله «أنتم فى قلبى باستمرار. لقد عشت زمانى كله فى قلوبكم وما زلت أعيش. أخذتكم فى قلبى وفى فكرى أنتم وآلامكم ومشاكلكم أعرضها على الله. من أجلكم أنا هنا ومن أجلكم أذهب إلى هناك». أما عن محبة الجماهير للبابا شنودة فأبلغ وصف له هو ذلك الوصف الذى قاله العاهل الأردنى عبدالله الثانى «الملايين فى وداعه لم يدفعها أحد لتترك منازلها وتواصل الليل بالنهار فى مكانها».أما عن شخصية البابا شنودة فنجده قائدا قويا صاحب رؤيا محنكا قال عنه الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل: «البابا شنودة كما تظهر الأحداث كان أذكى ما قدر الآخرون، كما أنه كان أقرب إلى الالتزام بمقادير مصر، مما ظن هؤلاء الذين كانوا يخططون لشىء آخر». أما المطارق التى هوت على البابا شنودة فلم تهدمه بل جعلته أكثر ثباتا، ومكانة فى قلوب الأقباط» لقد كان البابا شنودة من أهم الشخصيات فى العالم ولعل ما قاله البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان السابق يعبر عن ذلك فقد وصفه قائلا: «كان من أهم الشخصيات العالمية الروحية التى فقدها العالم فى ظروف صعبة ومعقدة». والعجيب أن هذا العملاق الجبار تجده يبكى أمام مريض متألم وكم بكى من أجل شعبه..أما عن استقباله للأطفال فلن تتخيل البساطة والفرحة فقد كان مفعما بالمشاعر الإنسانية النبيلة والرقيقة.... لن ينتهى الكلام عن هذا العملاق فالكلمات قاصرة عن وصف من هو البابا شنودة.... يكفى أن أقول إن البابا شنودة يعيش فى وجدان كل قبطى ولسان حاله يقول له: «أنت يا أبى أسطورة أنت أعجوبة أنت أنشودة»...وستظل سيرته خالدة من جيل إلى جيل.
مشاركة :