دخلت الانتخابات الإسرائيلية، المقرر إجراؤها في التاسع من أبريل القادم، مرحلة جديدة قد تغير الخريطة السياسية بشكل كامل؛ بسبب شروع عدد من الجنرالات المتقاعدين في خوض غمارها، والقيام بائتلافات مشتركة، وإعلان عدد من السياسيين تكوين أحزاب جديدة؛ لكن الأهم، كان تحالف قوى اليمين المتطرف مع رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو. ولتعزيز موقفه الانتخابي ودعمه، بعد أن تراجع مؤخرا بشكل واضح في استطلاعات الرأي، وزيادة استقطاب ناخبي اليمين؛ عقد حزب الليكود اتفاقا بين البيت اليهودي وعوتسما يهوديت (القوة اليهودية)، ليتم دمج الحزبين معًا، وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون «خطوة غير مسبوقة وخطرة». ويتبنى حزب (عوتسما يهوديت)، نزعة قومية يهودية، ويدعم على نحو علني السياسات التمييزية والإقصائية ضد العرب وغير اليهود، مثل طرد العرب من إسرائيل والأراضي المُحتلة، وحظر الزواج بينهما، ودعم ممارسات العنف من قبل المُستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وأحبط هذا الحزب حتى الأحزاب اليمينية التقليدية من تشكيل تحالفات انتخابية مع الفصيل الراديكالي (حزب الليكود) في الماضي. وعلى الرغم من ذلك، دفعت حالة الاستقطاب المُتزايدة في إسرائيل، حزب الليكود إلى تشجيع هذا الاندماج. ويوضح «ديفيد هالبفينغر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، أنه، «وبعيدًا عن الاستطلاعات التي تُفيد مدى القوة التي يُشكلها الليكود، فإن رئيس الحكومة، يواجه نقطة هي الأضعف في حياته السياسية بعد أن قرر المُدعي العام توجيه اتهامات له تتعلق بالاحتيال وخيانة الأمانة وتلقي رشاوى؛ وهو ما دفعه إلى اللجوء إلى هذا النهج المُتطرف للحفاظ على منصبه». ويقول «آرون ديفيد ميلر»، من مركز «وودرو ويلسون»، إن هذا القرار «يعكس طموحا ورغبة مُجردة لفعل أي شيء تقريبًا للحفاظ على البقاء في السلطة». فيما لم يكن مُفاجئا، إحداث هذا التحالف ضجة ليس في إسرائيل فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، حيث يزداد القلق حول السياسات المتوقعة لدى الحكومة والتي قد يلعب فيها هذا التحالف دورًا أساسيا. وفي هذا الصدد، يؤكد «إيلي ليك»، بوكالة بلومبيرج، الأمريكية: أنه «لا شك أن هذا الحزب يعتنق فكر وسياسة الحاخام «مائير كهانا» للتطهير العرقي». ومع قدرته، على جعل (الليكود) يحظى بالأغلبية الانتخابية، فإنه أيضا سوف يقوي شوكته من خلال وضع مشاريع قوانين تناصر التمييز العنصري تحت أروقة الكنيست الإسرائيلي»، ما قد يؤدي إلى مزيد من انتهاك حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين والعرب الإسرائيليين على حد سواء. وحسبما يشير «يوهان بلسنر» في صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية فإنه «على الرغم من المعاناة التي تلقاها رئيس الحكومة جراء الضغوط السياسية للتيارات اليمينية الكائنة خارج ائتلافه سنوات عديدة؛ فإن «دخول حزب عنصري إلى الكنيست وتشجيعه أمر مختلف». وخلص معظم المحللين، إلى أن المكاسب الانتخابية الصغيرة المتوقع تحقيقها؛ سيقابلها عدد أكبر من الناخبين المعارضين لاحتضان التيارات اليمينية من قبل رئيس الحكومة، والتي لا تحظى بتأييد كبير نوعًا ما في إسرائيل؛ بسبب ميولهم المتطرفة وتعاطفهم مع الإرهاب اليهودي. ويرى «يوسي ميكلبيرج» من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، بلندن، أن «مجموعة الكنيست المناصرة لهذا التحالف تعد مجموعة من الفاشيين»، ويتساءل: «هل نفدت الحيل السياسية أم أن هذه الخدعة تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك»؟. وعلى النقيض، ساعد هذا الاندماج في تقويض شعبية حزب الليكود قبل الانتخابات العامة. وازدادت الأحداث تعقيدا، بعد ظهور تحالف وسطي بين رئيس الأركان السابق، «بيني جانتس»، و«يائير لابيد»، الذي شغل منصب وزير المالية سابقا، تحت مسمى حزب «أزرق أبيض»، كأكبر تحالف انتخابي في الكنيست. ومن المتوقع أن يُشكل هذا الحزب أول تحدٍ انتخابي حقيقي لليكود منذ عقد من الزمان، وذلك لأسباب كثيرة منها؛ شعبية مرشحيه المتمثلة في وجود رئيس هيئة الأركان العامة المتقاعد، وقدرته على الاستفادة من شبهات الفساد التي تعتري الحكومة الحالية. واعتبر محللون، أن هذا الحزب الانتخابي، قد «يقلب معادلة الانتخابات النيابية القادمة، وهو ما يشي بأنها ستكون انتخابات غير مسبوقة». وفي هذا الإطار، قال «يوهان بلسنر»، رئيس مركز الديمقراطية الإسرائيلي، لشبكة، «إن بي سي»، «يبدو أننا على أعتاب سباق تنافسي حقيقي لرئاسة الوزراء لأول مرة منذ انتخابات 2009». ورأى «بيوتر سمولار»، في صحيفة «لوموند»، الفرنسية، أنه يمثل «زلزالا سياسيا»، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء يرجئ في اللحظة الأخيرة زيارته لموسكو والذي كان مقررا لها يوم 22 فبراير، إلى يوم 27 من نفس الشهر، بعد أن شعر أن مصيره السياسي بات مهددا». يضاف إلى أهمية ذلك، أن مخاطبة، رئيس الحكومة ود الأحزاب اليمينية المتطرفة كان له بالفعل تأثير ضار على صورته أمام اليهود خارج إسرائيل، حيث استقبلت هذه الأنباء بشكل سيئ في المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في أمريكا، التي تعتبر الأكثر تأثيرا ومحورية، نظرًا إلى مستوى تأثيرها كمصدر للتمويل. وكانت كل من «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية»، (أيباك) أكبر مجموعة ضغط يهودية في أمريكا، و«اللجنة اليهودية الأمريكية»، قد أصدرتا بيانًا يوم 22 فبراير، بحسب وصف «هالبفينغر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، تناول آيديولوجية ونهج «عوتسما يهوديت» بالاستهجان». وبالنسبة إلى أي رئيس وزراء إسرائيلي، فإن دعم جماعات الشتات اليهودي في الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا هو أمر أساسي في دعم الشرعية السياسية لأي رئيس، من خلال تشجيع دولهم للحفاظ على سياساتها الموالية لإسرائيل. وكما يقول «هالبفينغر»، فإنه «حتى الجماعات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة التي تفضل عدم البوح بخلافاتها أصدرت إدانات، بل أدى الغضب إلى تأجيج العلاقات المشحونة بالفعل بين إسرائيل ويهود الشتات، الأمر الذي قوَّض جهود اليهود الأمريكيين والأوروبيين لمحاربة معاداة السامية في وقت شهدت فيه تصاعدًا في كلتا القارتين». وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يحظى بشعبية بين الجناح اليساري في جماعات الشتات، فإن مهادنته للأحزاب المتطرفة، كان له الأثر المترتب على النفور حتى من الأحزاب اليمينية. وعليه، فمن المرجح أن يؤدي هذا التحالف الذي قاده الليكود، ورفض من المجتمعات اليهودية المختلفة في الخارج -خاصة بالنظر إلى قدرته على توجيه السياسة الخارجية الإسرائيلية- إلى تقويض شرعيته بشكل كبير قبل الانتخابات، ما يزيد من إلحاق الضرر بفرصه في إعادة تشكيل الحكومة. وإذا كان الحال كذلك، فإنه في حال خسر الانتخابات العامة القادمة، فإن التأثيرات ستكون جوهرية. ومن المتوقع أن يخلف الحكومة الحالية، على الأرجح تحالف «أزرق أبيض»، الذي يتبنى نهجًا أكثر ليونة وتصالحية فيما يخص الصراع مع الفلسطينيين، ويسعى إلى تدشين عملية سلام أخرى، وسيتعزز موقفه ويتحول توجه السياسة الإسرائيلية إلى التيارات اليسارية التي قد يكون بإمكانها تشكيل حكومة جديدة. ومع ذلك، فإن هذه النتيجة لا تعدو أكثر من كونها مجرد تكهنات. وفي الوقت الحالي، من المحتمل أن يفوز نتنياهو، بانتخابات أبريل. وإذا ما حدث هذا فعلاً، فمن المؤكد أنه سيخلق بطبيعة الحال لفلسطين سيناريو أسوأ بكثير من الذي تشهده حاليا؛ لكون ائتلافه مكونا من مجموعة من العنصريين والإقصائيين تتبنى القوانين والممارسات المعادية للعرب. على العموم، يبدو أن خطوة الاندماج والتحالف التي سارع إليها الليكود مع الأحزاب المتطرفة، قبيل إجراء الانتخابات العامة في أبريل 2019، ما هي إلا مغامرة واضحة، نظرًا إلى تداعياتها المحتملة والمتناقضة؛ بإمكانها أن تؤدي إما إلى تعزيز موقف الحكومة الإسرائيلية، أو إلحاق الضرر بها في المستقبل المنظور وإعاقة قدرتها على تشكيل حكومة جديدة، وهو ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
مشاركة :