الحوار السني ـ العلوي السوري يشكل مجلساً لتنفيذ «وثيقة العيش المشترك»

  • 3/19/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أكثر من سنتين من الحوار السري بين شخصيات ممثلة للمكونات السورية داخل البلاد وخارجها، خصوصاً من العلويين والسنة، قرر المتحاورون الخروج إلى العلن بـ«مدونة سلوك لعيش سوري مشترك» تكون بمثابة مبادئ فوق دستورية، وتأسيس «مجلس المدونة السورية» على أمل توفير «حاضنة اجتماعية» تشكل ضمانة للمستقبل «بعيداً عن معادلة النظام والمعارضة». الجولة الأخيرة من الحوار جرت في برلين، الجمعة والسبت الماضيين، بمشاركة 24 شخصاً؛ جرى اختيارهم باعتبارهم ممثلي مكونات، ولهم صلة بالبيئة الحاضنة ومجتمعاتهم المحلية. شارك في الجولة الحوارية 11 من داخل البلاد و13 من الخارج، وكان بين «سوريي الداخل» 9 شخصيات علوية هم نواب سابقون وأبناء شيوخ وشخصيات مؤثرة ذات علاقة بالمجتمع والدولة، على طاولة مستديرة، إلى جانب معارضين و«ثوار» من قادة عشائر من شرق البلاد وشمالها وجنوبها ووسطها ودمشق، وشخصيات كردية، ومسيحيين. واذ قلل دبلوماسيون من اهمية الحوار نظرا بسبب غياب افق حل سياسي عاجل وعدم فعالية المشاركين، اشار اخرون الى اهميته الرمزية وبعده الاجتماعي. الحوار الذي صار له يجري وراء الستارة، وتنقل بين باريس وزيوريخ وبرلين، وشاركت فيها شخصيات عدة، وأداره الدكتور ناصيف نعيم، الخبير السوري بالدستور والمقيم في ألمانيا، قرر القيمون عليه إخراجه إلى النور، حيث حضرت «الشرق الأوسط» اليوم الثاني من الجولة يوم السبت والجلسة الختامية «في مكان ما» في العاصمة الألمانية، حيث عمد المشرفون إلى مصادرة الهواتف الجوالة وأي جهاز إلكتروني. وتمت دعوة خبراء في الإرهاب والعملية السياسية لإيجاز المشاركين لرفد خلاصات الحوار في المسار السياسي وما بعده. وسُمح بتداول كل شيء إعلامياً باستثناء الأسماء الحقيقية للمشاركين من داخل البلاد، الذين أكدوا علم السلطات السورية بمضمون الحوارات والوثائق المتفق عليها، وأجمعوا على أنهم شاركوا ويشاركون «باعتبارنا سوريين، ونرفض تقديمنا باعتبارات طائفية، وألا نكون حرفنا المشروع عن هدفه». وفي الجلسة الأخيرة، اشتعل النقاش بين أبناء الداخل والخارج حول وجود القوات الأجنبية في سوريا. الفكرة كانت الوصول إلى موقف مشترك يطالب بانسحاب القوات الأجنبية تطور إلى بحث موضوع «داعش» ووجود «حزب الله» في سوريا، إلى أن جرى التفاهم على صوغ مسودة بيان تطالب بـ«انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا»، من دون ذكر لأي دولة أو ميلشيات، قبل فتح الباب أمام النقاش الإعلامي في أسباب اتخاذهم القرار بالعلنية، وعدم رغبة «أبناء الداخل» ذكر أسمائهم الصريحة طالما أن دمشق على علم بالحوارات. الحوار تعود فكرة الحوار إلى 2016، حيث جرت لقاءات في فرنسا وسويسرا بين شخصيات علوية وسنية بتردد أوروبي وقتذاك، من منطلق بحث «وثيقة الإصلاح العلوي». نهاية ذاك العام، حصل اجتماع عاصف عندما وُضع على الطاولة اقتراح الموافقة على «مرحلة انتقالية» وتشكيل «مجلس رئاسي» في سوريا. وجرت بعض التغيرات في الهيكلية والمشاركين إلى أن عقدت اجتماعات أخرى بين «فريقين: علوي وسني» في منتصف 2017، حسب إيجاز أحد المنظمين. وكان بين المشاركين، ملهم الشبلي من عشيرة الفوارة، والشيخ أمير الدندل من عشيرة العقيدات، وعوينان الجربا من عشيرة شمر، ومصطفى كيالي من أحفاد «الكتلة الوطنية» في حلب - إدلب، إضافة إلى «شخصيات علوية» من طرطوس وحمص واللاذقية. للخروج من «المأزق»، جرى التوافق على إبعاد ثلاثة أمور من النقاش، هي: «النظام والمعارضة، الرئيس بشار الأسد، ثورة أم مؤامرة»، حسب شرح ناصيف نعيم، حيث بدأ صوغ وثيقة فوق دستورية عرفت باسم «مدونة سلوك لعيش سوري مشترك» تتضمن أموراً يتفاهم عليها السوريون، وتبلورت في نهاية 2017. وأنجزت الوثيقة في صفحتين تضمنت 11 مبدأ هي: «وحدة الأراضي السورية، المكاشفة والاعتراف، لا غالب ولا مغلوب، لا أحد بريء من الذنب، محاسبة لا ثأر، جبر الضرر، متابعة الملف الإنساني، الهوية التنوعية للمجتمع السوري، عدم تسييس الانتماء، جماعية التراث السوري، مبدأ المساواة بين السوريين وحماية حرياتهم». وبين أكثر النقاط التي جرى انقسام حولها، البند الرابع المتعلق بالمسؤولية، و«هل نذكر النظام أم لا» إلى أن جرى التوافق على عبارة «لا أحد بريء من الذنب على أساس الاعتراف المتبادل بين أطراف الصراع أن لا أحد بريء من الارتكاب، كلٌّ حسب دوره ومستقبله». وبعد الوصول إلى الوثيقة، جرى توقيعها من قبل المشاركين أمام القضاء الألماني، مع ذكر تفاصيل الهوية والمعلومات لكل شخص، إضافة إلى أخذ صورة لكل مشارك مع الوثيقة. وقال أحد المشاركين، إنه أخذ «مدونة السلوك» إلى دمشق، وجرى تسليمها إلى مسؤولين رفيعي المستوى. ورغم الوصول إلى «الاختراق»، استمرت الاجتماعات طيلة العام الماضي في برلين للمضي خطوة إضافية في الحوار إلى أن جرت «مأسسة العمل» عبر تشكيل «مجلس المدونة السورية»، ونصت وثيقته على أن «شخصيات سورية مهتمة بالشأن العام من اتجاهات فكرية واجتماعية متنوعة في المجتمع السوري» توصلت إلى مدونة، و«بناءً على ما تم من اجتماعات بين الشخصيات الموقعة التي اتسمت بطابع الدورية، وأخذت شكلاً مؤسساتياً بحكم الأمر الواقع، تم انضمام الكثير من الشخصيات، ووقعت عليها، معتبرة نفسها امتداداً لمبادئها وجزءاً من الجسم الحامل لهذه المدونة، وباتت الشخصيات جميعها تشارك في الاجتماعات الدورية». وأشار الموقعون إلى أنهم اتفقوا على تأسيس «مجلس المدونة السورية جسماً حاملاً ومسؤولاً عن مدونة السلوك تجاه السوريين، أينما وجدوا، وتجاه الدول والمجتمعات الدولية كافة». كما جرى في الجلسة الأخيرة تعيين ثلاثة ناطقين باسم «المجلس»، إضافة إلى العمل على إقامة نظام داخلي وتشكيل لجان عمل من المشاركين لوضع «خريطة تنفيذية» لشرح المبادئ الـ11، وتقديمها إلى الحواضن الاجتماعية لكل منهما داخل البلاد وخارجها. أسئلة وأجوبة أتيحت فرصة الحوار مع جميع المشاركين على مائدة واحدة في بناء ألماني قديم ذي سقف عال ونوافذ واسعة تتوسطه لوحة مذهبة تطل على طاولة مستديرة انحشر فيها 24 شخصاً. من الداخل والخارج. رجال ونساء. شباب وكهول. بالزي التقليدي والزي العصري. بعضهم تحدث بلهجته، فيما تحدث آخرون بالإنجليزية. بعضهم خبر الغرب، فيما لا يعرف آخرون سوى قريتهم وضيعتهم. وما إن هدأت النفوس بعد النقاش الساخن حول القوات الأجنبية، حتى طرح السؤال: «لماذا قررتم الآن الخروج إلى العلن؟». كل أجاب على طريقته، وكان المنظم هو ناصيف نعيم. أجاب الجربا أنه بعد إقرار الوثيقة لاحظ ردود فعل إيجابية وصدى طيباً في أوساط من يعرفهم و«حاضتنا الاجتماعية»، ذلك أن هدف المشاركين هو الوصول إلى «نظام سياسي اجتماعي للدولة القادمة على أساس العدالة الاجتماعية». في الصورة الأوسع، أشار، وهو القادم من شرق سوريا، إلى ضرورة وجود دور عربي في سوريا و«نناشد الدول العربية، وفي مقدمها السعودية، القيام بدور عربي لحل القضية السورية. الدول الأخرى لها مصالح، لكن الدول العربية هي أهلنا والسعودية هي الأخ الأكبر لنا». وأشار إلى أن «الشعب السوري لا يرى حلاً عبر معادلة النظام والمعارضة، بل الحل عبر الحاضنة الاجتماعية. والمدونة هي رسالة طمأنة إلى الشعب بأن هناك أشخاصاً يعملون للناس ويشكلون ضمانة للمستقبل». وأضاف: «قبل الثورة نعرف المشاركين معنا من الداخل من حمص وطرطوس، ونعرف أنهم مؤثرون، ويعرفون أن مفتاح الحل هو الحاضنة الاجتماعية... النظام لم ولن يسمح بوجود مجتمع مدني، ويعرف دائماً أن الحل هو عند المجتمعات المحلية، ونحن نشكل ضمانة للمستقبل، والعلويون المشاركون يعرفون ذلك». وإذ رأت سيما عبد ربه أن المدونة ضمنت «11 مبدأ تضم أفكاراً جامعة ستتبعها آليات تنفيذ»، قال أحد المشاركين من طرطوس إن المبادئ «يقول البعض عنها إنها طوباوية، نريد هذه الطوباوية والحلم، ونريد العيش بالفضيلة. والمدونة هي أيقونة المستقبل السوري بعد المقتلة السورية لكل الأطراف». وقال مشارك آخر من حمص إن المبادئ «تعبر عن نبض الشعب السوري، وهي خريطة طريق لسوريا». من جهته، قالت إحدى الشخصيات البارزة، وهو نائب سابق وشخصية فاعلة في طرطوس، إنه يرفض مثل غيره أن يقدم من منطلق طائفي و«العلويون رفضوا عبر التاريخ الانفصال واختاروا الدولة السورية»، والخلاف الموجود حالياً «هو سياسي يحاول البعض تقديمه طائفياً». ونقل عن الشيخ صالح العلي، أحد قادة الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، قوله «إن العلويين جميعاً سنة إذا تعرض سني للخطر». وذهب آخر للقول: «الخلاف ليس داخلياً، بل مؤامرة خارجية». غض الطرف ورأى السفير السوري السابق في لندن سامي الخيمي، أن الخطر على سوريا أن السوريين غير مجتمعين على مواجهة أطماع الخارج، مطالباً بضرورة أن يبحث السوريون عن المصالح الاقتصادية فيما بينهم، فيما أملت عبد ربه في بناء «كتلة حرجة اجتماعية سورية» تشكل رافعة للحل. ورأى إبراهيم محمد إبراهيم باشا، وهو من أكراد الحسكة: «نحن كثوار قمنا ضد النظام، وأرى أن المدونة تمثل حلم كل السوريين». أما أحد المشاركين من الساحل والفاعلين في مساعدة النازحين، «بما في ذلك أسر المسلحين»، فقال: «جرى العمل الممنهج على تدمير الرموز السورية، ولم يبق لنا سوى فعل الممكن. والمبادئ الـ11 هي خطوة نحو المستقبل»، الأمر الذي وافق عليه إبراهيم شاهين من ألمانيا، قائلاً: «المدونة خلاصة عمل هادئ وعميق من دون ضجيج للوصول إلى المشتركات». وأضاف آخر أن «العلنية ضرورية لجمع السوريين حول هذه المبادئ التي لا خلاف حولها، وتوفير ضمانة وأمل للمستقبل». من جهته، قال نائب سابق في حمص، معروف بصلاته وفعاليته، «الحرب السورية فريدة. بعض القوى زادت ضراوة الحرب تحت عنوان مساعدة الشعب السوري»، إذ إن السوريين لم يكونوا متعودين على القتل و«القوى الخارجية كان لها دور في سفك الدم السوري»، محذراً من «اصطياد البعض في الماء العكر، وتأسيس كانتونات شرق سوريا»، الأمر الذي وافق عليه زميله، وأضاف أن «السلطات على أعلى مستوى على علم بهذا الحوار وتسلمت نص المدونة». وحض آخر على ضرورة رفع العقوبات الغربية التي تضر بالإنسان السوري العادي. في المقابل، قالت إحدى الشخصيات المعارضة إن «حديث النظام عن الانتصار يستفز الكثيرين، ونعرف أن هناك ردوداً وعمليات ضد قوات النظام في الجنوب السوري، لذلك فإن طرح هذه المبادئ يدفع الناس للبحث عن المشتركات»، فيما قالت مشاركة بارزة من دمشق إن مشاركة «سوريي الداخل» بالحوارات حصلت «من دون وهم: نحن نحاول أن نراوغ ضمن الهامش بحثاً عن التغيير»، مشددة على رفض فكرة «أن الداخل كتلة واحدة موحدة». وأضاف إلى ذلك شخص آخر من طرطوس: «إذا كان الشعب السوري لا يقبل بعضه بعضاً، يمكن للأمور أن تنفجر في أي لحظة. لذلك لا بد من التحرك الاجتماعي، وهذه المدونة ضرورة والإعلان ضروري». بسام صباغ، وهو مسيحي من حلب ومقيم في الخارج، حرص على إيصال صوته، قائلاً: «الانطباع أن المسيحيين هم مع النظام، وليسوا مع المعارضة. في الواقع المعارضة تأسلمت، أو دُفعت إلى التأسلم، وبالتالي من يرتبط بالمعارضة السياسية يعتبره بعض المسيحيين خائناً لهم، لذلك فإن هذه المدونة مهمة لأنها تتحدث عن مبادئ سامية وفوق الاستقطاب بين النظام والمعارضة». وبعد يومين من الأخذ والعطاء تحت سقف ألماني، وبقواعد حوار ألمانية، من دون هواتف جوالة، وبعزلة كاملة، عاد كل إلى مكانه الجغرافي. أبناء الداخل إلى سوريا. أبناء الخارج إلى الشتات. لكن التواصل قائم بينهم للترويج لـ«مدونة سلوك»، إضافة إلى العمل لحل إشكاليات وقضايا في مجتمعاتهم المحلية... من دون انتظار حل سياسي من فوق، وبتفاهمات خارجية، طال انتظاره، وقد يطول فرضه.

مشاركة :