يعد كتاب «ما قبل الإقناع: طريقة ثورية للتأثير والإقناع» للمؤلف روبرت شيالديني، من أهم الكتب التي تتناول كيفية إقناع الآخرين بما نريده. وهو مرجع مهم لكل من يعمل في مجالات الإعلام والمبيعات والتسويق والدعاية والإعلان وخدمة العملاء، وحتى التربية والتعليم، ورغم أنه موجه للقارئ العادي، إلا أنه كتاب علمي مستقى من دراسات أكاديمية مهمة. عنوان الكتاب Pre-Suasion: A Revolutionary Way to Influence and Persuade هو تلاعب بحروف الكلمة الإنجليزية persuasion والتي تعني الإقناع، لتصبح pre-suasion والتي تعطي معنى «ما قبل الإقناع».. أو الأشياء التي يمكن أن يقوم بها الإنسان قبل عملية الإقناع، لجعلها أكثر قابلية للحدوث، مستشهداً بمقولة الفيلسوف الصيني لاو تسو في كتاب «فن الحرب»: يتم ربح المعركة من قبل أن تخوضها. وصدر هذا الكتاب عام 2016 ويمكن اعتباره الجزء الثاني من (التأثير: سيكولوجية الإقناع) الذي أصدره الكاتب في ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح مكملاً له. لماذا يقتنع الناس بشيء ما؟ الخطأ الشائع الذي نقع فيه جميعاً، هو اعتقادنا بأن الاقتناع عملية عقلية منطقية. فليس الأمر بهذه البساطة، لأن الإنسان ليس كائناً عقلانياً بالكامل، بل تموج في داخله مشاعر وأحاسيس وآليات نفسية تجعله يتخذ قرارات غير محسوبة بالورقة والقلم طوال الوقت. خير مثال على ذلك قرار الشراء في المتاجر، حيث تلعب طريقة عرض السلعة وشكل تغليفها دوراً لا يقل أهمية عن جودتها!. ستة مبادئ للتأثير يذكر المؤلف ست قواعد تساعد في إقناع الناس والتأثير عليهم: 1. مبدأ التشابه: نميل للأشخاص الذين يشبهوننا في الأفكار والمواقف والأهداف، وننسجم معهم ونقتنع بهم أكثر. جعل الباحثون مجموعة من طلبة إدارة الأعمال يتفاوضون للوصول لاتفاق. لكنهم طلبوا من مجموعة منهم أن تبدأ التفاوض بالحديث عن الأشياء المشتركة فيما بينهم، عن اهتماماتهم وما يحبونه. فوجدوا أن هذه المجموعة كانت فرصتها أكبر للوصول لاتفاق بنسبة 90% من المجموعة الأخرى التي بدأت التفاوض مباشرة. يقول شالديني، إنك لو أردت أن يوافق شخص على كلامك. اسأله قبله ذلك مجموعة من الأسئلة التي إجابتها «نعم».. مثل: «ألا تتفق معي أن كذا» و«ألا تشاركني الرأي في أن كذا»، «أليس هدفنا المشترك هو كذا؟».. ثم اطرح عليه فكرتك بعد ذلك، لتزيد تقبله لها. 2 . مبدأ المعاملة بالمثل: تميل علاقات البشر لأن تكون تبادلية، فالشخص الذي يبتسم لك، تتبسم له. والذي يعاملك بشكل جيد تعامله بشكل جيد.وفي المطاعم، حيث يقدم النادل قطعاً من حلوى النعناع المجانية وهو يقدم الفاتورة. وجد باحثون أن هذا يزيد من البقشيش الذي يقدمه الزبون بنسبة 3%. الأكثر إثارة للاهتمام، هو أن النادل لو قدم قطعة حلوى مجانية، ثم ابتعد، ووقف قليلاً وهو يفكر، ثم عاد للطاولة مقدماً قطعاً إضافية من الحلوى قائلاً شيئاً على غرار: «عادة لا نقدم كل هذه الحلوى، لكني أقدمها لكم بشكل خاص لأنكم أناس لطفاء!» هذا الفعل البسيط، يزيد البقشيش ليصل إلى 23%. 3 . مبدأ الندرة: عاش الإنسان مئات الآلاف من السنين في بيئة طبيعية تتسم بنقص الموارد. لذلك نحن منجذبون تجاه الشيء النادر، وندفع أكثر للسلعة الفريدة غير المتاحة بكثرة، وهو ما يستغله المعلنون دائما بأشياء على غرار: «عرض لفترة محدودة» أو «سارع قبل نفاد الكمية» أو «خصم خاص للحجز المبكر» لإيحاء المشتري أن هذه الفرصة نادرة وسوف تفوته إن لم ينتهز الفرصة. فالإيحاء للشخص بندرة السلعة، يجعله أكثر انجذاباً لانتهاز فرصة الحصول عليها قبل فوات الأوان! 4 . مبدأ السلطة: يميل الإنسان لتصديق سلطة معرفية ما ويتأثر بها، ويميل لشراء المنتج الذي ينصح به الخبراء والمتخصصون أو حتى المشاهير؛ لأن هذا يعطي مصداقية أكبر. ويحكي شالديني عن شركة عقارات، جعلت موظف الاستقبال فيها يرشح لكل زبون السمسار المناسب له، قائلاً مؤهلاته: «ما يناسب طلبك هو فلان، خبرته 15 عاماً في هذا المجال»، وهذا الفعل البسيط زاد العقود الموقعة بنسبة 15%. فإعطاء الانطباع بأن مقدم الخدمة يبدو خبيراً ويمتلك المؤهلات اللازمة، يجعله محلاً للثقة. 5 . مبدأ الإجماع: يميل الناس بشكل لا واعٍ لتقليد بعضهم؛ لذلك يتم الترويج للسلع بأشياء على غرار «الكتاب الأكثر مبيعاً» أو «المنتج الأوسع انتشاراً في العالم» وما إلى ذلك من تعبيرات. ويحاول المعلنون في مواقع التواصل الاجتماعي إظهار أن منتجهم له معجبون كثيرون، منهم أصدقاؤك ومن هم في دائرتك الاجتماعية، لجعلك تميل إليه أكثر! كتطبيق لهذا الأمر، قام أحد المطاعم بتغيير قائمة الطعام، وكتب أمام بعض الأطباق أنها «المفضلة لزبائننا»، زاد الطلب على هذه الأصناف بشكل ملحوظ. 6 . قاعدة الاتساق: لا يريد الإنسان أن يكون متناقضاً مع نفسه. وتم استخدام هذا المبدأ في عدد من الدراسات المدهشة.. فمثلًا، هناك مطعم كان يعاني الزبائن الذين يحجزون موعداً ولا يأتون، من دون أن يلغوا الموعد مسبقاً. رغم أن الموظف طلب منهم أن يتصلوا مسبقاً لو أرادوا إلغاء الحجز. فتم اللجوء إلى شالديني لحل هذه المشكلة، فطلب منهم أن يفعلوا التالي: حين يتحدث زبون لحجز موعد، يسأله موظف الاستقبال: «هلا تفضلت بالاتصال بي لو أردت إلغاء الحجز؟» يقول شالديني، إن صيغة السؤال وإجابة الشخص بـ«نعم» تجعله يشعر بالالتزام تجاه هذا الوعد الذي تلفظ به وقطعه على نفسه للتو. وبالفعل أصبح الناس يتصلون لو أرادوا إلغاء الحجز. في تجربة أخرى، أحد المستشفيات جعل المريض يكتب بنفسه في الاستمارة الموعد الذي يريد القدوم فيه، بدلاً من أن يكتبه موظف الاستقبال، ووجدوا أن هذا يزيد التزام المرضى بالموعد بنسبة 18%. الاقتناع قبل النقاش! يضيف شالديني على كل ما سبق مبدأ يمكن تطبيقه قبل عملية الإقناع نفسها. عن طريق أخذ تفكير المتلقي في اتجاه معين، يجعله أكثر قابلية للاقتناع قبل بدء النقاش. مثال: لو كنت تجتاز مقابلة وظيفية ما، يمكنك أن تبدأ بسؤال: «قبل أن نبدأ، هل تسمحون لي أن أسأل - بدافع الفضول لا أكثر- ما الذي رأيتموه في سيرتي الذاتية وجعلني أمام حضراتكم اليوم؟» إجابة هذا السؤال سيوجه انتباه الشخص نحو الإيجابيات وعناصر القوة التي جعلته يختارك، وهو ما يجعل المقابلة الشخصية تبدأ بهذه الذهنية الإيجابية تجاهك! مثال: في موقع إلكتروني للمراتب الفاخرة، لو كانت خلفية أول صفحة في الموقع صورة مسامير معدنية، تكون المبيعات قليلة نسبياً. لكن لو تم استبدالها بصورة سحابة (أو أشياء توحي بالنعومة والليونة والراحة)، فإن المبيعات تزيد نسبياً. لأن فكرة «الراحة والنعومة» تم غرسها في ذهن العميل فور دخوله للموقع، فأصبح يتصفحه وهذا الانطباع في ذهنه! مثال: في تجربة عجيبة، وجدوا أن الشخص قد يدفع بقشيشاً كبيراً في مطعم اسمه «ستوديو 97» بينما يدفع بقشيشاً أقل لو كان اسم نفس المطعم هو «ستوديو 17»! والسبب هو أن هناك رقماً كبيراً استقبله العقل اللاواعي في البداية! مثال: في تجربة كندية، سألوا بعض الناس: «هل أنت سعيد في حياتك الاجتماعية؟» وسألوا آخرين «هل أنت غير سعيد في حياتك الاجتماعية؟».. فوجدوا أن الإجابة في الحالتين تتسق مع السؤال. فمن سئل ما إذا كان «سعيداً» تبادر لذهنه الأحداث الاجتماعية السعيدة، بينما من سئل عن كونه «غير سعيد» سيتجه ذهنه لتذكر الأحداث غير السعيدة.. أي أن صياغة السؤال قامت بصياغة الإجابة! مثال: قبل إقناع شخص بسلعة ما، يمكن سؤاله عما إذا كان يتسم بصفة إيجابية لها علاقة بهذه السلعة.. فمثلاً، اسأله: «هل أنت رومانسي وتحب مجاملة الناس؟» قبل عرض سلعة (باقة زهور) عليه مثلاً.. أو لو كنت تعرض سلعة جديدة في السوق، اسأله: «هل أنت شخص يحب المغامرة والتجديد؟».. فلا أحد سيقول «لا» على هذه الصفات الإيجابية.. والإجابة بنعم ستهيء الشخص للتفكير في السلعة بهذه العقلية! مثال: الموسيقى تؤثر على المشاعر. يمكن وضع خلفية موسيقية تثير الشعور الذي تريد الشخص أن يقبل على المناقشة/ المقابلة به. الجانب الأخلاقي قد يساء استخدام ما في هذين الكتابين، من جانب مؤسسات غير أخلاقية تحاول خداع الناس وإغوائهم لشراء سلعة رديئة مثلاً أو أفكار فاسدة مدمرة.. أليس هذا ممكناً؟ يجيب شالديني بأن استخدام هذه الوسائل بطريقة غير أخلاقية، يسبب الضرر لمن يفعل ذلك ولا ينفعه، لأسباب عدة. أولاً، حين يكتشف الناس أنك قد خدعتهم، سيفقدون الثقة فيك مستقبلاً إلى الأبد من دون رجعة. فوسائل الإقناع هذه تجذب الناس لك في المرة الأولى فيعجبوا بما لديك فعلاً، كمحل تجاري يجذب الزبائن لدخول المحل، وإن دخلوا واكتشفوا أن الدعاية كانت خدعة، سيوصم هذا المتجر إلى الأبد. أي أن الاستخدام غير الأخلاقي قد يكون مفيداً على المدى القصير فقط. وثانياً فإن الموظفين الذين يعملون في هذه الوظيفة غير الأخلاقية، من كان منهم ذو ضمير يقظ سيغادر المؤسسة إن وجد أي فرصة شريفة، ليتبقى لديك فقط أكثر الناس انعداماً للضمير والتفكير المستقل، وهو ما يعني أنهم ليسو أفضل نوعية من البشر ولن يتورعوا عن خداعك وسرقة الشركة، فاستخدام وسائل التأثير المذكورة بشكل أخلاقي- يؤكد شالديني- يحقق نتائج إيجابية لمؤسستك. العقل والإعلانات ألا تلاحظ أن كثيراً من الإعلانات لم تعد تعدد مميزات المنتج، بقدر ما تحاول ربطك عاطفياً بهذا المنتج؟ فالكتاب هنا يتحدث عن الأسباب اللاواعية التي تنبعث من العقل الباطن وتجعل الإنسان يقتنع أو تدفعه لسلوك ما. سيرة المؤلف روبرت شيالديني، أستاذ علم النفس والتسويق بجامعة فلوريدا ستيت. وقد عمل أستاذاً زائراً للتسويق وعلم نفس إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد. وهو باحث رائد في هذا المجال، وواحد من أشهر المرجعيات العلمية في سيكولوجيا الإقناع. وبيعت من كتبه ملايين النسخ حول العالم.
مشاركة :