عملية إرهابية أسقطت كل معايير حماية حقوق الإنسان، وتجاوزت في جرأتها جميع بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فغابت معظم جمعيات حقوق الإنسان الغربية عن مناقشتها، وتجاهلت معظم مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية الغربية التحدث عنها.. سيتهم الإسلام بأنه دين تطرف، ويتهم المسلمون بالإرهابيين. ستوجه التهم للقرآن الكريم بأن آياته الكريمة تدعو للإرهاب، وستوجه التهم لكل من يحمله بيده أو يحفظه في ثنايا صدره. ستوجه أقصى أنواع التهم بالإرهاب وستستخدم أسوأ الأوصاف بالتطرف للتهجم على الرسول الكريم والنبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وستتهم أقواله وأفعاله وتوجيهاته الشريفة بشتى أنواع التهم والمنكرات، وسيتهم أتباع دينه القويم بشتى أنواع التطرف والإرهاب. سيحاكم الإسلام كدين بدعوى أنه دين تطرف وإرهاب، وستحاكم تعاليمه ومناهجه بدعوى أنهما تحثان على العنف والكراهية، وستصدر الأحكام الشعبية والإعلامية على المسلمين بأنهم محبون للموت كارهون للحياة. سيكون الحدث الإرهابي مادة رئيسة في وسائل الإعلام الغربية على مدى أسابيع وأشهر، وسيكون الإسلام المتهم الأول والأخير، والمسلمون سبب كل مصيبة على الأرض. سنجد مسيرات شعبية مليونية تتعاطف مع الضحايا الأبرياء، ومواكب رسمية تؤيد وتناصر وتؤازر وتقف إلى جانب الدولة الغربية التي وقع فيها العمل الإرهابي، وستنشط الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الحقوقية في توجيه الإدانات وتوزيع الاتهامات وترفع راية الحريات. بكل أسف، هكذا ستكون الحال وهكذا سيكون المشهد لو أن الإرهابي مسلم، وأبشع من ذلك سيكون لو أن الإرهابي عربي، أو بالتحديد يحمل الجنسية السعودية. جريمة ومذبحة مسجدي كرايست تشيرش بنيوزيلندا في 15 مارس 2019م لم تلقَ الاهتمام المأمول في المجتمعات الغربية وفي معظم وسائلها الإعلامية. عملية إرهابية أزهقت أرواح خمسين نفساً بشرية، فلم تجد أكثر من خطابات الإدانة السياسية وذرف دموع الحزن الإعلامية. عملية إجرامية حدثت في داخل دار عبادة وفي وقت أداء فريضة، فغابت الإشارة لحرمة التعدي على دور العبادة، وتناست معظم وسائل الإعلام الغربية حرمة مكان وقوع الجريمة. عملية جبانة حدثت في منتصف النهار وتحت أشعة الشمس الساطعة، فتم تجاهل الإشارة لضعف الحماية الأمنية لدور العبادة وعدم التحدث عن حالات التقصير الأمني. المجرم والقاتل والإرهابي "برينتون تارانت" أعلن عن نيته، وأعد خطته، ونفذها بدم بارد، وقتل عشرات الأبرياء وأرهب الآمنين، فلم يجد عمله الإرهابي وفعله الإجرامي أكثر من المطالبة بالتحقيق معه وتوجيه الاتهام له وتوصيفه باليميني المتطرف. عملية إرهابية أسقطت كل معايير حماية حقوق الإنسان، وتجاوزت في جرأتها جميع بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فغابت معظم جمعيات حقوق الإنسان الغربية عن مناقشتها، وتجاهلت معظم مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية الغربية التحدث عنها، وتغاضت معظم منظمات الدفاع عن الحريات والأديان عن توجيه الاتهامات، وتناست إصدار البيانات، وتجاهلت كتابة التقارير المنددة بسياسات وتوجهات المكان الذي وقعت فيه الجريمة. هكذا تكون الحال وهكذا يكون المشهد عندما يكون الإرهابي ليس مسلماً وعندما تكون الجريمة الإرهابية في دولة غير إسلامية. إننا هنا لا نريد توجيه الاتهامات لأي كان أو مناقشة التوجهات العامة للمجتمعات، ولكننا نتحدث عن طريقة المعالجة القائمة ونشير إلى ردة الفعل على الجرائم التي تتجاوز في بشاعتها حدود العقل، والعمليات الإرهابية التي يحزن لنتائجها كل إنسان سوي، وتدينها الحكومات والدول المعتدلة في سياساتها وممارساتها. وإذا كان عقد المقارنات التاريخية أمراً مشروعاً لمعرفة أسلوب المعالجة السياسية وردة الفعل على العمليات الإرهابية، فإننا لن نذهب إلى ذلك لأن مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ونصوصه الشرعية تصونان وتحفظان النفس البشرية وتحرمان التعدي عليها إلا بالحق الذي بيَّنهُ الشرع ويحكم به القضاء الشرعي. هكذا هو الإسلام الذي أرست قيمه أسس التسامح والمحبة بين الناس، ودعت مبادئه الأصيلة للسلم والسلام، ونادت نصوصه الكريمة بالعيش الآمن والتعارف البناء بين الشعوب والتواصل بين الحضارات. هكذا هو الإسلام الذي دافع عن النفس البشرية بغض النظر عن توجهاتها الدينية وخلفياتها الثقافية، وحارب العنصرية بشتى أنواعها ووبخ من يدعو لها. من هذه المبادئ والقيم الإسلامية الأصيلة التي بتطبيقها يتحقق العدل والمساواة، وتستقيم حياة البشرية، ويعم الأمن والسلام، وتهنأ الأمم بالاستقرار، جاءت رسالة قائد الأمة الإسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - إلى الحاكمة العامة لنيوزيلندا السيدة باتسي ريدي في ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة كرايست تشيرش. فمما جاء بالرسالة التي بثتها "واس" في 15 مارس 2019م، قوله - أيده الله -: ".. وإننا إذ ندين بكل شدة هذا العمل الإجرامي المشين، لنعرب لفخامتكم ولأسر المتوفين ولشعب نيوزيلندا الصديق باسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية وباسمنا عن أحر التعازي وصادق المواساة، مؤكدين مساندتنا لبلدكم الصديق بالوقوف ضد هذا العمل الإرهابي الذي تدينه كل الأديان والأعراف والمواثيق الدولية...". وفي الختام من الأهمية التأكيد الدائم على أن سياسة المملكة كانت ومازالت وستظل تنادي بأهمية العمل الجماعي وتكاتف المجتمع الدولي لمحاربة التطرف والإرهاب ومواجهة ومعالجة كل الأسباب التي تدعو للكراهية، أو تحث على الفتنة، أو تُعلي من صوت العنصرية والتمايز بين البشر على أي أسس كانت سواء فئوية أو عرقية أو دينية أو غيرها من ممارسات هدامة. هذه سياسة المملكة التي مكنتها من القضاء على التطرف والإرهاب في الداخل، وبذلت من مالها وجهد رجالها لتوحيد العمل الدولي لمحاربة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، فهل يستجيب المجتمع الدولي وينهض للعمل قبل أن تتسع دائرة التطرف والإرهاب؟ أم أن حالة الانتظار والتراخي مازالت قائمة؟!
مشاركة :