قبل ثلاث سنوات حكمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على الصربي البوسني رادوفان كرادزيتش بالسجن لمدة أربعين عاما بسبب القتل الجماعي وجرائم أخرى. والآن يصدر قرار يكشف ما إذا كان هذا الحكم ثابتا. رجل ذو أوجه متعددة؛ طبيب نفساني وشاعر وفي تسعينات القرن الماضي سياسي قوي. وبالنسبة إلى الكثيرين في البوسنة والهرسك هو ببساطة مجرم حرب، وحالة يجب عرضها على الطب النفسي. ويُلقى على رادوفان كرادزيتش أيضا اللوم في جرائم الحرب البشعة التي ارتُكبت خلال الحرب التي استمرت أربع سنوات في البوسنة والهرسك (1992 ـ 1996). ورادوفان البالغ من العمر في هذه الأثناء 73 عاما هو مسؤول، حسب الدعوى كقائد سياسي سابق للصرب في البوسنة والهرسك عن القتل الجماعي لنحو 8000 رجل وشاب مسلم في مدينة سريبرنيتسا. كما يُتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبشكل ملموس بالتهجير والقتل والتعذيب. كما يرتبط الأمر بخرق قانون الحرب فيما يخص محاصرة سراييفو. ورادوفان كارادزيتش المولود في 1945 في قرية في الجبل الأسود كان يعيش منذ الـ 15 من عمره في سراييفو المتعددة الثقافات، لكنه ينحدر من عائلة تضم "تشيسنيكس"، وهؤلاء متطرفون قوميون صرب ينشطون من أجل صربيا كبرى. وسبق لهم أن تعاونوا في الحرب العالمية الثانية مع الجيش النازي وهُزموا على يد المقاتلين الشيوعيين التابعين للرئيس الراحل تيتو. "روح القتال لدى الصرب" وبعدما انتقل مع عائلته من مرتفعات الجبل الأسود إلى سراييفو وأنهى المدرسة، درس الطب. وقضى سنة من أجل مواصلة التكوين في جامعة كولومبيا بنيويورك. بعدها أسس عيادة للعلاج النفسي في قرية بالي بالقرب من سراييفو تسكنها غالبية صربية. كرادزيتش ( يمين ) وراتكو ملاديتش قائد القوات الصربية في أغسطس 1993 واشتهر سابقا كشاعر. "أن يتمخض عن هذه الشخصية التي كانت تمتاز بوجوه متعددة سياسي يمثل توجها قوميا، يعد بمثابة ظاهرة مثيرة"، كما يلاحظ خبير شؤون البلقان فرانتس لوثار ألتمان. وقد أمكن التعرف على ميوله القومية من خلال قصائده، لأنه تحدث فيها عن "الروح القتالية" للصرب. ثم تعرًف على دوبريتشا كوزيتش الروائي القومي وتأثر به. وليس فقط الشاعر والكاتب الصربي دوبريتشا كوزيتش من أثّرَ على رؤية كرادزيتش، بل تعرّف كذلك على سلوبودان ميلوسوفيتش الرئيس الصربي السابق الذي مثل أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. إلا أن ميلوسوفيتش توفي في 2006 قبل أن يصدر حكم بحقه. المسلم "كعدو" لم يكن رادوفان الوحيد الذي كان بإمكانه التمتع بتوجهاته القومية. كانت يوغوسلافيا السابقة مطبوعة بالقومية المتجذرة في فترة زمنية. السلوفينيون والكروات وشعوب أخرى شعروا بالقمع من طرف بلغراد، وأرادوا مغادرة يوغوسلافيا المشتركة، كما هو الحال أيضا بالنسبة إلى البوسنة والهرسك. لكن السياسيين الصرب لم يريدوا السماح بحدوث ذلك. وشعارهم هو "أينما يعيش صربي تكون صربيا". وكرادزيتش تطور لديه في ذلك الوقت كسياسي نزعة معادية للمسلمين. "وهذه كانت على ما يبدو إرثا من الصورة العدائية السابقة القائمة تجاه العثمانيين"، كما يشرح فرانتس لوثار ألتمان مضيفا: "المسلمون أي البوشناق المسلمون هم بالنسبة إليه أحفاد العثمانيين الذين قاتل الصرب والشعب الصربي ضدهم طويلا". صوّت البوسنيون والكروات في الأول من مارس/ آذار 1992 في استفتاء لصالح بوسنة وهرسك مستقلة. وقد قاطع الصرب الاستفتاء. وبعدها بشهر تفجرت الحرب. وفي المناطق التي تسكنها غالبية صربية تم إعلان قيام الجمهورية الصربية التي كان رادوفان كرادزيتش رئيسها الأول. وفي السنوات التالية قُتل نحو 100.000 شخص وحصلت اغتصابات جماعية ومنهجي. كما تم تهجير مئات الآلاف من قِبلِ مختلف الجهات. وحصلت الإبادة الجماعية في سريبرنيتسا حيث قُتل نحو 8000 رجل وشاب مسلم. وبسبب المذبحة مثل آنذاك القائد الأعلى للقوات الصربية في البوسنة والهرسك، الجنرال راتكو ملاديتش أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وكانت الأمم المتحدة تخلت له في يوليو/ تموز 1995 عن سريبرنيتسا التي كانت في ذلك الوقت منطقة حماية تابعة للمنظمة الدولية وملجأ لآلاف اللاجئين البوسنيين. تصوير جنائي تعريفي لكرادزيتش وملاديتش الاختباء في صربيا وتمكن ملاديتش وكرادزيتش بعد الحرب من العيش مختبئين في صربيا. وكرادزيتش لم يتقمص فقط هوية أخرى ـ بل ظهر كرجل آخر تحت اسم دراغان دابيتش وغيًر مظهره الخارجي بإطلاق اللحية والشعر الطويل. ويقول ألتمان: "كان له عدد كبير من المساعدين والمعجبين الذين ساعدوه وحذروه عندما انطلقت عملية لإلقاء القبض عليه". لكن بعد ضغط قوي على صربيا من قبل الاتحاد الأوروبي ألقي القبض في العاصمة الصربية بلغراد على كرادزيتش بعد اثني عشر عاما من الاختباء. وبعدها بثلاث سنوات تقريبا قُبض على راتكو ملاديتش. وفي 24 مارس/ آذار 2016 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي حكمها بالسجن 40 عاما على كرادزيتش بسبب جرائم ضد الإنسانية والقتل الجماعي ومحاصرة سراييفو. سراييفو- مارينا مارتنوفيتش/ م.أ.م
مشاركة :