أنهى أمس الأربعاء الموافق 20 مارس 2019 مؤتمر (MEET ICT 2019) أعمال دورته التاسعة، التي عقدت تحت شعار «التحول الرقمي (Digital Transformation) القائم على الإبداع». وشارك في ذلك المؤتمر ومعرض (BITEX) المرافق له مجموعة من الشركات العالمية والعربية، بالإضافة إلى نظيراتها البحرينية. تتولى تنظيم هذه الفعالية السنوية الجمعية البحرينية لشركات التقنية والمعلومات «بتك BTECH». توقف المؤتمر هذا العام، أمام التطورات الملموسة التي تشهدها صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات، وركزت جلساته وورش عمله، انطلاقا من ذلك، على ثلاثة موضوعات مفصلية هي: الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات بتفرعاته المعقدة، وتقنية البلوك تشين (Blockchain)، دون إغفال واقع هذه الموضوعات في السوق العربية. وقبل الخوض في تفاصيل الموضوعات التي توقفت عندها جلسات المؤتمر، تجدر الإشارة إلى ما يلي: استحواذ، كما ينقل الكاتب في جريدة «البيان» الإماراتية عمرو عادل، «قطاع التكنولوجيا على حصة كبيرة من إجمالي حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة إلى دبي. وفي المقابل تشير التوقعات إلى نمو حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا بالسوق المصري بواقع 4.5% خلال العام 2018، وذلك على وقع الإصلاحات التي أنجزتها مصر على مستوى بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، (مضيفًا) وفي الوقت نفسه سجل الإنفاق على التكنولوجيا في الكويت نموًا متسارعًا، حيث حقق الإنفاق على قطاع تكنولوجيا المعلومات في الكويت نموًا قياسيًا بارتفاعه من مستوى بلغ 939 مليون دولار في العام 2012 إلى مستوى يبلغ 1.87 مليار دولار في العام 2017». الأمر الذي يشير إلى أن حجم هذه السوق الفتية يشهد نموًا متزايدًا، ويبشر بمستقبل واعد ينتظر صناعة تقنية المعلومات العربي، التي، رغم ذلك تعاني من مصاعب جمة، الأبرز بينها، كما تخللت النقاشات التي دارت في جلسات وورش عمل المؤتمر: 1. التعثر، وفي أحيان كثيرة، عدم توفر، الديناميكية التي تحتاجها التشريعات والبيئة القانونية، للعمليات المرافقة للتحول الرقمي. 2. ضعف الضمانات الأمنية الصارمة التي تقضي على عدم الثقة لدى المؤسسات والأفراد، الضالعين في أنشطة التحول الرقمي، وعلى وجه الخصوص المالي والتجاري منها، بما يضمن توليد الكتلة السكانية الحرجة التي تسرع من عملية التحول الرقمي المطلوب. 3. السياسات التعليمية العربية التي ما تزال، أسيرة المناهج والمقررات التقليدية، التي لا تلبي احتياجات التحول الرقمي من جانب، وغير قادرة على تزويد تلك السوق بمخرجات تعليمية مؤهلة لمدها - تلك السوق- بالموارد البشرية المؤهلة القادرة على إحداث النقلة النوعية المطلوبة لذلك التحول. 4. جبن الرأسمال الاستثماري العربي، وافتقاده لآليات متطورة جريئة تبيح له الاستثمار في المشروعات الناشئة، التي من شأنها، متى ما تلقت الدعم المطلوب، أن تساعد المجتمعات العربية على إحداث النقلة النوعية المطلوبة لتوفير مقومات التحول الرقمي. 5. حاجة البنية التحتية التقنية، وخاصة في قطاع الاتصالات، إلى ثورة حقيقية تؤهلها للحاق بركب نظيراتها في بلدان آسيوية مثل الصين، وأوروبية مثل الدول الاسكندنافية، وتمكنها من استخدام الأنشطة المرافقة للتحول الرقمي، مثل «انترنت الأشياء»، والذكاء الاصطناعي. فما زال العديد من البلدان العربية، باستثناء بعض دول مجلس التعاون الخليجي، غير قادرة على استخدام تقنيات الجيل الخامس (5G)، بل ان البعض منها ما يزال يقدم خدماته اعتمادا على مواصفات الجيل الثالث. مسألة في غاية الأهمية توقفت عندها جلسات المؤتمر، وحظيت باهتمام ملموس من لدن النقاشات التي سادتها، وهي أن التحول الرقمي، إن أريد له أن يتم بالسرعة المنطقية المطلوبة، والسلاسة التدريجية التي تحفظه من التعثر، بحاجة إلى قيادة شابة ناضجة تتمتع بالمواصفات الذهنية والمعرفية التالية: 1. الخلفية العلمية الراسخة التي تؤهلها لمعرفة واقع التقدم الذي تشهده صناعة، ومن ثم سوق تقنية الاتصالات والمعلومات. ففي غياب مثل هذه الخلفية الرصينة، التي لا يمكن أن تستغني عنها تلك القيادة يصعب الحديث عن استراتيجيات متقدمة، قادرة على إحداث النقلة النوعية التي تفسح في المجال أمام التحول الرقمي المطلوب. 2. الشفافية الاقتصادية التي تبني أركانها المختلفة بيئة تشريعية واضحة المعالم، يجري تطبيقها، دون تشويهها بأية عوامل سياسية، كانت، أو اجتماعية، تحجبها عن تلك الشفافية، وتنعكس سلبا، يصل إلى درجة القتل الذي يحول دون سير التحول الرقمي على الطريق الذي توصله إلى أهدافه، بشكل سلس، وبعيدًا عن أية مطبات تحرف مسيرته عن اتجاهها السليم. 3. بناء قنوات قوية، قابلة للصمود، وتتمتع بمواصفات الاستمرار التي تعينها على مد جسور التعاون، مع حركة العولمة التي تسيطر على صناعة وأسواق تقنية الاتصالات وتقنيات المعلومات. مثل هذه القنوات، ولكي تؤدي مهامها على النحو الأفضل ينبغي لها بناء علاقة بين الأسواق العربية من جانب، وتلك العالمية المنخرطة في بيئة العولمة. من جانب آخر، قادرة على أن تدافع عن المصالح العربية، بعيدا عن أية نزعة معادية، او سياسات دونية. مثل هذه المعادلة الدقيقة التي تحافظ على العلاقات السليمة بين الطرفين، بحاجة إلى سياسات عربية جريئة تقف وراءها عقول عربية متمرسة وكفؤة، وقادرة على اتخاذ القرارات السليمة. الأمر الذي يحتمل النقاش، وهو ما جرت الإشارة له، ولو بشكل خجول، أن عملية التحول الرقمي قادمة على المستوى العالمي، وفي عالمنا اليوم، يصعب، بل ربما يستحيل، كما كان الأمر عليه في السابق، إغلاق الأبواب العربية، او سد منافذها، أمام أمواج هذا التحول العاتية. وبالتالي فالمجتمع العاقل، الباحث عن مساحة مجدية يحتلها في خارطة هذا التحول العالمي، هو القادر على تهيئة نفسه، بما تسمح به ظروفه، كي ينخرط في هذا التحول، ليس في ركب التابعين لرواده، والمتلقين لإفرازاته، بل المتفاعلين معها بإيجابية مبدعة تضمن لهم ممارسة دور فاعل ومؤثر، ينعكس إيجابا على طموح المواطن العربي كي يصبح رقما مهما ومؤثرا في معادلة التحول الذي يجري تحت ناظريه. وهذا ما سوف تسعى لتحقيقه مؤتمرات (MEET ICT) القادمة، في الحيز المتاح، والهوامش المسموح بها.
مشاركة :