عصر البربرية الجديدة | واسيني الأعرج

  • 3/5/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

لم يبدأ قرننا بسلام، انتهى القرن العشرون بأكبر انهيار للتوازنات السابقة، ونشط رواد الانتصار النهائي للرأسمالية المتوحشة، وسقوط النظم الأخرى كالليبرالية الأوروبية، والاشتراكية الاجتماعية والشيوعية. مفكران جسدا جدلية ثقافة المنتصر النهائي هما: فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ، الذي اعتمد فيه على أطروحة هيغل التي تقول بأن وحدة المجتمع الإنساني ستقود حتمًا، في يوم ما، إلى نهاية التاريخ. وصاموييل هينتنغتون في مؤلفه صدام الحضارات الذي افترض فيه عدوًّا أو أعداء دينيين وحضاريين يجب تدميرهم قبل أن تصعب السيطرة عليهم. الأول افترض العالم الرأسمالي المتوحش بوصفه المثل الأعلى الذي يمكن أن تصل البشرية إليه، والثاني كان فاتحة عصر جديد، عصر الأحادية والبربرية التي كانت نتائجها وخيمة على العالم العربي أولاً، من خلال تجلياتها الإستراتيجية. تكونت القاعدة كطاقة قتالية، بعد أفغانستان، كان لابد أن يوجد لها مكان تتحرك فيه للمساهمة في تبديد الجهد العربي وتدميره من الداخل. لكن السحر انقلب على الساحر. انتهى بها عنفها إلى ارتكاب جريمة القرن بانهيار البرجين التوأمين أمام أعين عالم ظل مندهشًا، لا يصدق ما كان يراه من انهيار رمزي للحداثة وشيوع البربرية التي لا يشكل لها مصير الكائن البشري أي اهتمام. تلك اللحظة القاسية كانت إعلانًا عن ميلاد بربريات بلا اسم، إلاّ الأغلفة الدينية أو الحضارية، الذي تتخفى وراءها كل ممارسات القرون الوسطى. في ظل هذا الخوف، والتوازنات الهشة، ركض الكثير من الحكام العرب باتجاه التسلح لحماية أنفسهم، ولكن وصلوا متأخرين كالعادة، لأنه بعد اختلال التوازن العالمي وتسيد القطبية، تبخر حلم التكافئ في الرعب مع إسرائيل. بالموازاة، وجدت كوريا من يحميها، فتمادت في مشروعاتها النووية، وواصلت برنامجها، تحت مظلة صينية غير معلنة. حلم العرب بهذا التوازن انتهى. وظلت إسرائيل تعربد كما يحلو لها في السماء العربية بلا أدنى رادع. وسهرت على تدمير البرامج النووية العربية في البيضة. بدءًا بتدمير المفاعلات المشكوك فيها، والاغتيال المبرمج لكلِّ مَن كان وراء البرنامج النووي من علماء وخبراء عرب. تجلّت البربرية الحضارية في سقفها التدميري بتفكيك العراق ككيان تاريخي وليس كنظام حكم، وفتحت سجون بوغريب وغوانتنامو وغيرهما على اتساعهما. البربرية الكبرى التي مارستها أكبر دولة ديمقراطية في العالم كانت إيذانا بالتوحش الكلي، الذي فتح أبواب جهنم نهائيًّا على عصر لا يحكمه أي ناظم قانوني، وجُيّر كل شيء فيه لصالح القوة، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان التي أصبحت لا ترى إلاّ ما يراد لها أن ترى. داعش، في هذا السياق، ليست إلاّ جزءًا صغيرًا من الحلقة المعقدة التي دفع ويدفع ثمنها العرب والمسلمون الذين يتأهبون لمجابهة مستقبل لا أحد يعرف شكله، ممّا يؤكد أن عصر البربرية بدأ ومعه ظهرت الخرائط الجديدة لعالم آخر. شيء واحد يجعلنا نأمل قليلاً. ما قاله المفكر تزفتان تودوروف في مؤلفه الجديد: الخوف من البربرية، الذي أعاد فيه قراءة المفاهيم المتسيدة بأفق إنساني: الحضارة، البربرية، الإسلاموفوبيا، وصدام الحضارات.

مشاركة :