استهوت 325 صفحة القارئ المتخصص والعام في العالم الإسلامي برصدها التوثيقي بالصورة أولاً ثم بالكلمة لتاريخ مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تضمنها إصدارها الكبير "الأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة"، لكونه أصبح مرجعًا بحثيًّا للدراسات التاريخية وللاطلاع العام ومنذ 16 عامًا مضت على إصداره. ويعد هذا الإصدار أحد الأعمال اللافتة لنشاط دارة الملك عبدالعزيز في الاهتمام بتاريخ الحرمين الشريفين ومكة والمدينة ضمن اهتمام الدولة بتطوير خدماتها المقدمة لزوار المدينتين المقدستين، ودعمها لحركة البحث العلمي حولهما خصوصاً أن الكتاب يقدم صوراً ورسومات موثقة بالتاريخ وأسماء مصوريها ورسّاميها، وأشكالاً، وشواهد تاريخية كتبها رحّالة مسلمون من العرب ومن الأجانب عن المعالم في مهبط الوحي والأماكن المقدسة تعود إلى القرن الخامس حتى النصف الأول من القرن الخامس عشر الهجري. وجاء الإصدار في طبعتين باللغتين العربية والإنكليزية، وتم إيداعه في المتحف البريطاني ومكتبة الكونغرس الأميركية بطبعتيه ليكون مرجعاً للعلماء والباحثين المهتمين في هذا الشأن عن حقبة زمنية قاربت 1000 عام. وتعمل دارة الملك عبدالعزيز على دعم مثل هذه الإنجازات التي تخدم التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ العاصمة المقدسة بصفة خاصة، لخدمة العلماء والباحثين والمهتمين بالمراجع التاريخية عن تاريخ المسلمين، بإتاحة هذا الإصدار إلكترونيًّا من خلال موقع الدارة، وعرضه في كل المعارض المختصة بالكتب ومنها معرض الرياض الدولي للكتاب الحالي. ولعل أضخم مشروعين تحت التنفيذ في إطار اهتمام الدارة بالتاريخ الإسلامي هما: مشروع تاريخ الحج والحرمين الشريفين، والأطلس التاريخي للسيرة النبوية اللذين يمران بمرحلتيهما الأخيرتين. فيما احتوى الإصدار، الذي عكف على تأليفه الدكتور معراج نواب مرزا، والدكتور عبدالله صالح شاوش على ستة أبواب، يتحدث الأول عن "مكة المكرمة في أعين الرسامين المسلمين"، والثاني عن "مكة المكرمة في أعين الرسامين الغربيين"، والثالث حول "أوائل الصور الفوتوغرافية لمكة المكرمة"، ويتحدث الرابع عن "صور لمكة المكرمة من أوائل القرن الرابع عشر الهجري"، واشتمل الخامس على "المسجد الحرام ومكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود"، والسادس "المسجد الحرام ومكة المكرمة في عهد أبناء الملك عبدالعزيز". ووثق الكتاب حتى عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، وشمل ملحقاً تاريخياً عن تطور التصوير الفوتوغرافي منذ فكرة "الغرفة المظلمة" التي عرفها أرسطو وطورها العالم المسلم ابن الهيثم وطبقها الإيطالي دافينشي وحتى ظهور "الأفلام الجافة" التي تطورت إلى الكاميرات الرقمية في 1991. ونال هذا الأطلس سبقاً في ضم أوائل الرسومات والصور بالأبيض والأسود والملونة للأماكن المقدسة في مكة التي التقطها المصورون المكيون وأيضا الرحالة الحجاج من المسلمين من دول العالم كافة وشعوبها، ما يعد سجلا تاريخيا رافدا للبحث العلمي المكتبي لا غنى عنه خصوصا أنه أيضا يذكر وبُذكر بإرث فوتوغرافي عن مكة المكرمة والأماكن المقدسة موجود الآن في المتاحف والمؤسسات العلمية الغربية. وضم الاطلس أيضاً الإنشاءات الأولى للخدمات التي قدمتها الدولة السعودية الحديثة منذ عهد الملك عبدالعزيز بإحصاءاتها وصورها الفوتوغرافية مثل تعبيد طرق المواصلات المؤدية لمكة المكرمة، وتعددها ودعم الخدمات وتطويرها مثل تطوير تقديم المياه للحجاج والمعتمرين، وإضاءة المسجد الحرام، ورصف وسقف المسعى، وصناعة كسوة الكعبة المشرفة وبابها، وإنشاء ساعة مكة المكرمة بدل المزولة وغيرها من الأمور التي تعد حينها طفرة نوعية في رعاية زوار مكة المكرمة والاهتمام بهم على مدى العام. وجسّد الإصدار اهتمام المسلمين بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من الناحية الدينية والتوثيقية منذ فجر الإسلام، إذ حاول الكثير من المسلمين منذ القرن السادس الهجري إعطاء تصور لرفاقهم في بلدانهم لشكل المسجد الحرام والمشاعر المقدسة لحفزهم على أداء فريضة الحج، كل حسب وسائله الفنية وإمكاناته المتاحة، ومن ثم تم رصد كثير من التطورات التي شهدها المسجد الحرام والمشاعر عبر التاريخ عن طريق الرسم اليدوي، حتى دخول عهد التصوير الفوتوغرافي وتوفر وسائله للرحالة والمسافرين، فظهرت أول مجموعة من الصور عام 1297هـ / 1880م، ثم توالى المصورون المختلفون، واتسع نطاق نشر الكتب والمجلات التي تضم الصور الفوتوغرافية.
مشاركة :