(حماس) تبلع الطعم القاتل

  • 3/23/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كان يفترض من شرطة حركة (حماس) وقيادتها السياسية التي تسيطر على القطاع منذ أكثر من أحد عشر عاما بعد تنفيذ الحركة انقلابها العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس «أبو مازن»، نقول: كان يفترض، بل ويجب على الحركة وأجهزتها المختلفة، بدلا من قمع المحتجين على الغلاء الذي يجتاح القطاع واستخدام الأساليب العنيفة وأدوات القمع لتفريقهم، أن تستغل الأوضاع المعيشية المزرية والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها سكان القطاع بسبب جريمة الحصار التي يفرضها الاحتلال «الإسرائيلي» على غزة، من أجل فضح السياسة الإجرامية للقيادة «الإسرائيلية» ووضع المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة أمام مسؤولياتهم الإنسانية تجاه أبناء القطاع. شهد قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية تحركا شبابيا تحت شعار «بدنا نعيش» طالب المشاركون فيه بوقف الضرائب التي فرضتها سلطة (حماس) والتي أسهمت في رفع الأسعار وزادت من الأعباء المعيشية الملقاة على كواهل أبناء القطاع الذين يعانون الأمَرَّين، حركة (حماس) التي تعتبر نفسها جزءا من الشعب الفلسطيني وفصيلا من فصائل النضال الوطني من أجل التحرير والعودة، ما كان يجب أن يوجه سلاحها نحو صدور أبناء فلسطين الذين خرجوا بحثا عن لقمة عيش كريمة، بغض النظر عن الأسباب والظروف التي أدت بسكان القطاع للوصول إلى هذه الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة. «إسرائيل» التي تعتبر المسؤول الأول عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي وصل إليها سكان قطاع غزة بسبب جريمة الحصار الذي تفرضه على القطاع منذ عام 2007، سارعت لاستغلال الإجراءات القمعية التي نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة لحركة (حماس) في حملتها السياسية ضد الحركة ولتأكيد «صحة» الموقف «الإسرائيلي» من الأوضاع في قطاع غزة واتهام الحركة بأنها السبب الرئيسي في تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لسكان القطاع، (حماس) بإجراءاتها الخاطئة تجاه أبناء القطاع الذين تحملوا سلطتها القمعية على مدى أكثر من اثني عشر عاما، هي التي قدمت هدية مجانية لسلطات القمع «الإسرائيلي»، بل وبلعت الطعم «الإسرائيلي» بتصديها العنيف لاحتجاجات البطون الخاوية. الخطأ الفادح الذي ارتكبته سلطات (حماس) السياسية لا يكمن فقط في إعطاء الأوامر لأجهزة الحركة الأمنية للتصدي العنيف للمحتجين المدنيين، وإنما في عدم قدرتها على قراءة الأبعاد السياسية والدوافع التي تقف وراء هذه الاحتجاجات، صحيح أن القطاع يدار من قبل (حماس) وبأنها المسؤولة تجاه أبناء غزة على مختلف الأصعدة، لكن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأوضاع المعيشية والاقتصادية المزرية تقع على عاتق سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، وبالتالي فإن هذه الاحتجاجات موجهة بالدرجة الأولى ضد هذه السلطات لأنها هي من ينفذ جريمة الحصار. من الناحية الأخلاقية والسياسية، فإن حركة (حماس) التي استولت على السلطة عبر انقلابها العسكري، تبقى مسؤولة أمام أبناء القطاع خاصة وأنها مسؤولة بشكل كبير عن فشل وتعطل جهود المصالحة الوطنية التي تقوم بها العديد من الأطراف العربية والدولية، بسبب أن الحركة تعوِّل على الدعم الذي تحظى به من قبل كلٍّ من تركيا وقطر على أمل أن يساعدها هذا الدعم على التغلب أو تجاوز الأزمة المعيشية والاقتصادية التي تتسبب فيها جريمة الحصار «الإسرائيلي»، لكن هذا الاعتقاد أثبت فشله، ذلك أن «إسرائيل» وجدت في انقلاب (حماس) هديتها الذهبية للإبقاء على الوضع الحالي وإطالته قدر الإمكان من أجل تعميق الانقسام الفلسطيني. التدخل العنيف من قبل أجهزة (حماس) الأمنية ضد المشاركين في المظاهرات والاحتجاجات التي شهدها القطاع ضد الأوضاع المعيشية والاقتصادية، يمكن أن يدفع بالمتظاهرين إلى رفع شعارات ومطالب أخرى تتعدى المطالب المعيشية، ويمكن أن تكون المقدمة للخروج الجماهيري الواسع على حكم (حماس)، التي عمدت إلى فرض نمط سياسي وآيديولوجي «إسلامي» على سكان القطاع، وهو ما لا ينسجم ولا يستقيم مع التركيبة التعددية، الدينية والسياسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك سكان قطاع غزة الذين هم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني بتلاوينه وتركيباته المختلفة. هناك دون أدنى شك قناعة لدى قطاع عريض جدا من أبناء قطاع غزة، بأن جريمة الحصار التي تنفذها «إسرائيل» ضد أبناء القطاع، هي السبب الرئيسي في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على مدى السنوات الماضية من عمر هذه الجريمة حتى الآن، لكن هناك قسم من أبناء القطاع يحمِّلون سلطات حركة (حماس) جزءا من هذه المسؤولية، وهناك أيضا من يرفض الهيمنة السياسية والعسكرية لــ (حماس) على الشؤون اليومية لسكان القطاع ويرفضون كل ما ترتب على انقلابها العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية. في نظر شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، فإن حركة (حماس) فشلت بعد مرور ما يقارب الاثني عشر عاما على سيطرتها على قطاع غزة، فشلت في تقديم نفسها بديلا ناجحا عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ليس لأن «إسرائيل» تمارس خنقا ماليا ومعيشيا بحق أبناء القطاع أدى إلى عجز وشل قدرة الحركة على الإدارة، وإنما لأن الحركة نفسها أكلت، دون وعي منها، الطعم «الإسرائيلي» المتمثل في ترغيبها، بشكل غير مباشر طبعا، بسلطة الدولة في القطاع، وهو ما يتجلى في طريقة إدارة الحركة لشؤون سكان القطاع وهيمنتها العسكرية والأمنية على شؤونه.

مشاركة :