متابعة: ضمياء فالح أسهم «الواتس أب» و«إنستجرام» وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي، في تغيير عادات لاعبي كرة القدم وأجبرتهم على اتخاذ مسارات والقيام بسلوكيات غير مألوفة، كما أنها قضت على عنصر المفاجأة وأسطورة «الموعد النهائي»، وتدخلت في عقد الصفقات ونشر الأخبار والشائعات، ولم تعد وسيلة مراسلة أو دعابة أو مشاركة أخبار فقط. ويقول الكاتب الكندي جابور ماته: «يمكن أن تكون السكين في يد المجرم أداة للقتل، ولكن يمكن أن تكون في يد الجراح أداة لإنقاذ الحياة. إذن، هل السكين جيدة أم سيئة؟». يمكن أن ينطبق هذا الموضوع، بشكل أقل دراماتيكية بالطبع، على منصة تراسل أصبحت بين أكثر الأدوات شيوعاً في عالم اليوم. استخدم «الواتس أب» في البداية للثرثرة، ولكن سرعان ما أحدث ثورة في عالم الاتصالات، فهذه المنصة قادرة على نقل الأخبار والترفيه لدرجة الضحك، وإرسال فيديوهات فيروسية، وتقاسم أكثر أفكارنا ولحظاتنا، وعقد الصفقات، وتسويق منتجات، وصنع أو كسر سمعة شخص أو أشخاص، وغيرها كثير. أما في عالم الكرة فإن ل«الواتس أب» قصصاً مثيرة، بدءاً من تخليص صفقات الانتقال وتحفيز روح الفريق، إلى الحث على القتل وحضور اعترافات المجرمين، وتسجيل كلمات احتضار الأشخاص. «الواتس أب» ضربة عبقرية بسيطة أراد منها مخترعوها، تصميم طريقة مخصصة للجمهور العصري بعد أن سئموا دفع الأموال لتبادل الرسائل النصية التي باتت مكلفة، ولا يعتمدون عليها إذا ما أصبحوا خارج نطاق التغطية، ناهيك عن كون خدمات التراسل المستقلة الأخرى، مثل «فيسبوك»، وسيطاً مزعجاً أو محشواً بالإعلانات، بيد أن الوافد الجديد اللافت للنظر، يوفر خدمة رسائل مجانية دولية، من دون عملية تسجيل شاقة. شهد عام 2009 انطلاقة «الواتس أب»، ويقول فرنكي دي يونج، نجم برشلونة الجديد من واقع تجربته مع فريق أياكس الهولندي: «للواتس أب» فوائد لوجستية، حيث نحصل بواسطته من المدرب على أخبار الفريق وأوقات التدريبات والتغييرات في مواعيدها. وإذا كانت هناك مباراة يشاهدها الجميع، فإن الكل يتحدث عنها هنا». استخدم فرينكي تطبيق «الواتس أب» لإخبار زملائه في الفريق عن صفقة انتقاله إلى برشلونة في يناير/كانون الثاني الماضي، مضيفاً: «أخبرتهم قبل أن ينشر ذلك علناً. لم يكن لدينا تدريب في اليوم التالي؛ لذلك قررت إعلامهم قبل أن التقي بهم مرة أخرى، فبعثت إليهم رسالة قبل أن يقرأوا عن الصفقة في الإعلام». ل«الواتس أب» اليوم مثل أي قوة عاملة كيان مستقل داخل كل نادٍ، فقد أضاف بعداً جديداً لطريقة تواصل اللاعبين، وتحول إلى وسيلة مزاح ثقيلة وأحياناً مرعبة، وغالباً مسلية لتحل مكان المقالب الفعلية في الماضي، مثل تقطيع الجوارب كما فعل ألن شيرر. وشرح خبير كرة قائلاً: «هذه الوسيلة قوية للغاية، يعيش فريقنا حالياً أوقاتاً رائعة، لدينا كثير من الفتية المرحين، ومجموعة «الواتس أب»، إضافة حقيقية للتواصل في غرفة الملابس. أحوالنا جيدة؛ لذلك يسود الرسائل مناخ تفاؤل وكثير من التعبيرات الساخرة والصور والقصص المثيرة، لكن كل شيء بطريقة محترمة. وأعتقد حقاً أن مجموعة «الواتس أب»، أسهمت في تعزيز المعنويات. أنا عضو في بعض المجموعات على «الواتس أب»، ولكن مجموعة النادي هي المفضلة لدي. لقد أثبتت الإدارة أنه من الجيد أيضاً، تخطيط الفعاليات الاجتماعية ليرسل الناس صوراً مجنونة عنها، ولا ينجم عنها أي ضرر». «الواتس أب» بات اليوم بالنسبة لفرق الهواة شيء لا يقدر بثمن، لدوره البالغ في تسهيل جمع الأشخاص في المكان والزمان المناسبين. فبإمكان اللاعبين تنظيم طرق التواصل في ما بينهم، والإبلاغ عن التأخير بسبب مشاكل مواصلات عامة مثلاً. كما أنه أداة جيدة في فرق الكبار؛ إذ يستخدم فيل نيفيل، مدرب منتخب إنجلترا للسيدات، التطبيق مع كل لاعبة في منتخب إنجلترا للسيدات، وهناك مجموعة مخصصة للاعبات البريطانيات خارج إنجلترا. ويقول رييس نيلسون، المعار من أرسنال الإنجليزي إلى هوفنهايم الألماني: «نتبادل الرسائل يومياً بالواتس أب، وإذا كانت لديه مباراة قبل يوم من مباراتي فأقول له: حسناً يا سانش، أنت تعرف ما ينبغي فعله». تكون مراسلات اللاعبين على «الواتس أب» مضحكة أحياناً، فتجذب الاهتمام وهذا ما حصل على سبيل المثال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في محادثة بين لاعب نادي لانكستر سيتي الإنجليزي، الشابتوم بريستون والمعالج الطبيعي، ولكن اللاعب بعث رسالته بالخطأ إلى زميله في الفريق روب ويلسون. كان توم يشتكي من تورم قدمه اليمنى، فأجابه زميله ممازحاً: «ضع عليها شطيرة لحم»، فشعر توم بأن الرسالة ذهبت إلى غير وجهتها فأجاب ممازحاً: «كثيرة الدهن» مع صورة، ليرد زميله: «انظر إلى اللحم إنه أسود، إذا ما وضعت عليه الملح والفلفل، سيقل لونه ويساعدك في عملية الاستشفاء». وكتب جيرارد بيكيه في موقع «ذا بلاير تريبيون» مؤخراً، أنه أنشأ على «الواتس أب» مجموعة للاعبين في فريقي برشلونة وريال مدريد وعلق بيكيه: «كل ما فعلناه هو الثرثرة على الواتس أب عن برشلونة والريال في الموسم الماضي، عندما كان فريق برشلونة متقدماً في سباق «الليجا»، وعندما فازوا في الموسم الماضي كانت رسائل لاعبي الريال لا تتوقف، ولكن في هذا الموسم أصبحت صورهم على «إنستجرام» قاتمة؛ لذا أبعث لهم رسائل على «الواتس أب» قائلاً: هيا، لم وجوهكم جادة؟ ثم أضع إيموجي حزين ويبكي، وإيموجي وجه ضاحك، «قاسٍ لكنه عادل». ولدى تشيلسي جيش من اللاعبين المعارين، لهم مجموعة على «الواتس أب» تضم 33 اسماً، ويشرح ايدي نيوتن مدرب «البلوز» سابقاً: «هذه المجموعة مصممة لتساعد جميع اللاعبين على الشعور بأنهم جزء من نفس العملية، لدينا كثير من اللاعبين المعارين وهؤلاء هم كنز ثمين للنادي، ونراقب تطورهم ومبارياتهم باستمرار. تساعد المجموعة كل شخص على البقاء على مقربة من الآخرين، بغض النظر عن المكان الذي يلعب فيه. إنها أداة مساعدة كبيرة. نستخدمها عقب المباريات إذا ما سجل اللاعبون أو فازوا بلقب الأفضل في المباراة. كثير من هؤلاء اللاعبين كبروا معاً، لذلك يشعرون حقاً بالراحة لاستخدام هذه المنصة. كما نستخدمها نحن عندما نريد إيصال رسالة لهم». ومن سلبيات «الواتس أب» استخدامه أحياناً للإزعاج وإطلاق الشائعات، وهذا ليس خطأ تكنولوجياً؛ إذ على الرغم من التشفير، فإن التسريبات أمر لا مفر منه، ويمكن أن تظهر جميع المعلومات التي يفضل لاعبو كرة القدم أن تظل سرية، والدليل المكتوب حاضر ويمكن أن يعود ويرتد على كاتبه. في عام 2018 أوقف نادي «نوتس كاونتي» 7 من موظفيه بعد الكشف عن مجموعات «واتس أب» يستخدمونها لانتقاد مالك النادي. وهناك أيضاً قصة النزاع بين روي كين، وهاري ارتر، وجون والترز، حيث وجه كين، الذي كان آنذاك قائد دفاع فريق منتخب إيرلندا، كلمات بذيئة بحق ارتر، حينما كان مستلقياً على سرير العلاج، كما وجه كلمات قاسية إلى والترز أيضاً، لاعتقاده بأن الاثنين يبالغان في الضرب. كيف يمكن أن ينعكس شعور اللاعب في مجموعة «الواتس أب» على مكانته في الفريق؟ يجيب بيتر كراوش في كتابه: «كيف تكون لاعب كرة»: «منتخب إنجلترا له مجموعته الخاصة وأسلوبه القاسي الخاص، عندما يتم استدعاؤك تضاف إلى المجموعة، وإذا ما سقطت من التشكيلة سترى أن رسالة تحمل هذا الخبر تصل فجأة إلى هواتف الجميع: بيتر كراوش خرج من المنتخب»، أحياناً تتخذ علاقة «الواتس أب» بين اللاعبين الزملاء منحى أكثر سوداوية. فعلى سبيل المثال الرسائل التي كانت جزءاً من أدلة اتهام اللاعب آدم جونسون، بالاعتداء على قاصر، حيث تمت قراءة أكثر من 800 رسالة في المحكمة. وهناك جريمة قتل وتقطيع لاعب وسط فريق ساوباولو (دانيال كوريا) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن استخدم «الواتس أب» في إرسال صور لنفسه وهو مع زوجة القاتل كجزء من «مقلب». كما التقط «الواتس أب» الكلمات المأساوية الأخيرة للاعب اميليانو سالا، عبر الرسائل الصوتية من على متن طائرة خاصة. ومن المزعج أيضاً في التطبيق، أنك ستعلق في مجموعات تريد الخروج منها ولا تستطيع، وهذا ما اعترف به أحد لاعبي دوري الدرجة الأولى الإنجليزي. وقال: «في السابق كانت المجموعة تثير أعصابي للغاية، كان هناك لاعب لا ينفك يبعث الرسائل طوال اليوم، ثم صار أمراً مراوغاً ومثيراً للشبهات مع بعض الفيديوهات أو أي شيء آخر لم يوافق عليه مسؤولو النادي قطعاً. لم تكن مخيفة، ولكن لنقل إنها ليست مناسبة. كان هناك أيضاً شعور بالسلبية والتعبير عن انعدام السعادة في العمل مع المدرب، وهذا كان ينقل إلى المسؤولين والمالك. إنه من النوع الذي يمكن أن يثير جنون المدرب إذا ما اكتشفه، ولكن أعتقد أنه كان يعكس ما يدور في غرفة الملابس. إذا ما أزعجك شخص في الحياة الواقعية فستزعجه على «الواتس أب» أيضاً». ويبين الدكتور دانيال سميث، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة كارديف، أنه في الوقت الذي يمكن أن يكون فيه «الواتس أب» مفيداً وجيداً عندما تكون أمور الفريق على ما يرام، إلا أنه ليست هناك أدلة دامغة على أن مجموعة «الواتس أب» ستظل تساعد اللاعبين بطريقة إيجابية دائماً، ويضيف: «مسألة هذا التطبيق بالنسبة لمعظم الناس، أنه شيء يستخدمونه مع رفاقهم، محادثات مازحة ومرحة، وعادة ما يكون مفيداً أكثر للعدد القليل من الأصدقاء المقربين من بعضهم بعضاً. ربما تعتقد أن «الواتس أب» شيء يمكن أن يساعد في تحشيد مجموعة مكونة من 20 لاعباً معاً، نظرية مثيرة، ولكن هناك كثير من الدلائل التي تشير إلى أن هذا ليس واقع الحال. في كثير من الأحيان عندما تسجل في مجموعة عمل تؤثر الروابط الشخصية على التعليمات، وربما يكون من الأفضل تنظيم عمل المجموعة بمبدأ العمل أولاً، والصداقة ثانياً، وينطبق الأمر نفسه على لاعبي كرة القدم، ففي الفريق لاعبون من جميع أنحاء العالم، من أعراق ولغات مختلفة، يمكن أن يعملوا معاً؛ لأنهم محترفون، ولكن تخصيص مجموعة «واتس أب» واحدة لهم، لن يساعد دوماً. فبعض الأشخاص يستمتعون بمثل هذه المجموعات وآخرين لا يجدونها ممتعة، بعضهم هادئ والبعض الآخر متعجرف، وعليه ستكون لديك نفس المشاكل التي تواجهها في الحياة اليومية». يؤثر «الواتس أب» في الميادين التي يود المستخدمون فيها الاعتماد على وسيلة اتصال سريعة، ففي مجال انتقالات اللاعبين، أدخل «الواتس أب» طريقة عصرية حلت بدلاً من النظام القديم والمتهالك، مثل جهاز الفاكس. ويغوص دانيال جي، محامي كرة القدم ومؤلف كتاب «دان ديلز» في الأمر، ويقول: «الواتس أب» غيّر تماماً كيفية توقيع الصفقات، في النهاية إنها طريقة تواصل فعالة ومضمونة». وعندما يتم الكشف عن صفقة انتقال يتحدث عنها اللاعبون ووكلاؤهم بواسطة «الواتس أب»، ويخبر وكلاء اللاعبين وكلاء آخرين عنها، ويسهبون في الحديث بكثير من التفاصيل الدقيقة، بينما في السابق كانت مثل هذه الأمور تُجرى عبر الرسائل الإلكترونية أو الهاتف، والصوت والفيديو لهما تأثير كبير خصوصاً عندما يكون لديك وكلاء لاعبين أجانب لا يرغبون في قطع آلاف الكيلومترات، والقيام بمكالمات هاتفية مطولة، ويشيع اليوم استخدام الرسائل المصورة. فعلى سبيل المثال، يريد نادٍ ما، صورة توكيل اللاعب من أحد وكلاء اللاعبين، فيرسله إليه بواسطة «الواتس أب»، وفي بعض الأحيان يريد النادي ووكيل اللاعب، معرفة مكان وجود اللاعب حالياً، فيرسل إليهم صورة عبر «الواتس أب» معلقاً عليها: «في طريقي لصعود الطائرة». ويمكن أن يظهر «الواتس أب» مدى صدق اللاعب عند التفاوض على الصفقة، خصوصاً النقاط النهائية في الجانب المالي، ويتم بحث كثير من الأمور التقنية بواسطة الرسائل الإلكترونية؛ لأنك تحتاج مسودات كتابية لتقديمها للمحامين، لكن غالباً ما يجري بحث الجوانب المالية عبر «الواتس أب». ويواصل دانيال جي الكشف عن تفاصيل العلاقة بين «الواتس أب» وعالم الكرة، ويقول: «قبل الهواتف المحمولة كان الناس ينتظرون بجوار الهاتف الأرضي في آخر يوم من نافذة التنقلات في «الميركاتو»، وجهاز الفاكس لا يتوقف عن الطنين، ثم جاءت الرسالة الإلكترونية لتمثل أول ثورة في هذه العملية، ولكن ما فعله «الواتس أب» فاق كل شيء، فهو وسيلة اتصال فورية لا مثيل لها ولا تعرف من خلالها أن الرسالة قد أرسلت فعلاً فحسب؛ بل أيضاً أنها قرأت، وتأمل أن تتسلم الرد سريعاً. والأمر الآخر المهم جداً، هو إمكانية تخزين رسائل «الواتس أب» على أنها غير مقروءة، فتتمكن بذلك من وضعها ضمن جدول أعمالك، وهو أمر مفيد للغاية لوكلاء اللاعبين والمديرين التنفيذيين في عالم الكرة». فرصة للإعلانات يبدو أن الفرص التجارية، التي يخلقها «الواتسآب» للإعلانات المُتعلقة بالكرة لا تزال حتى يومنا الحاضر في مراحلها الابتدائية، فمؤخراً لجأ اللاعب كيفن دي بروين إلى قنوات التواصل الاجتماعي؛ ليقوم بمشاركة الآخرين برقم مجموعة «واتسآب»؛ بحيث يضغط الشخص عليها، فستذهب به إلى رابط «سري»، وهو عبارة عن إعلان لشركة «نايك»، يظهر فيه لاعب مانشستر سيتي إلى جوار رونالدينيو ونيمار وفيليب كوتينيو، مثل هذه الإعلانات التسويقية بدأت للتو، وفي الوقت الذي يتردد فيه مؤسسو «الواتسآب» في وضع الإعلانات على التطبيق، وأعلن «الفيسبوك» أنه يخطط لفعل ذلك، وعلينا الانتظار لنرى فيما إذا كانت هذه الخطوة ستشكل ضربة قاصمة للتطبيق أو أنها ستكون ملياراًَ جديداً في جيب مخترعه مارك زوكربيرج.
مشاركة :