العنصرية البيضاء ووجهها القبيح

  • 3/24/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

محمد خليفة عندما تصل موجة التطرف إلى أوروبا، فهذا يعني أن الحضارة الغربية التي انطلقت شعلتها من هناك قد استنفدت قواها، وباتت تسير في مسارها نحو هوة عميقة متسارعة نحو الحضيض؛ ذلك أن التطرف هو عدو التمدن والإنسانية؛ لأن جوهر الحضارة يكمن في تلاقي الثقافات، وتعارف الأمم، وتعاونها لما فيه الخير لها.فمن المعروف أن قارة أوروبا أكثر القارات التي شهدت اختلاطاً عرقياً على مر التاريخ، وحتى الآن يتوافد المهاجرون إليها من كل حدب وصوب، لكن الهجرات القديمة كانت في الغالب تحدث بشكل جماعي، وإلى مختلف أنحاء القارة الصغيرة، ولعل أهم تلك الهجرات، تلك التي جاءت من الشرق الأوسط، لأن المهاجرين حملوا معهم معارفهم العلمية واللغوية والدينية. ومن الطبيعي الذي لا ينكره أحد، أن امتزاج الشعوب بعضها ببعض، أمر تفرضه أحداث التاريخ والضرورة الكونية، وبالتالي لا يوجد شعب يتمتع بصفاء العرق مئة بالمئة. وهذا يعارض النظريات العرقية الشوفينية التي ظهرت في أوروبا، مدفوعة بدرجات متفاوتة من أيديولوجيات يمينية متطرفة، تضم مفكرين وسياسيين وإعلاميين وناشطين ومسؤولين بارزين في دول العالم المتقدم، ومنهم الإرهابي اليميني الأسترالي المتطرف الذي ارتكب مجزرة أثناء صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، وأوقع 50 مصلياً قتلى، وأكثر من 40 جريحاً، بينهم أطفال وشباب وشيوخ، بعضهم في حالة حرجة. والأعجب في هذه الجريمة الإرهابية، هو أن منفذ الهجوم بث لقطات حية للجريمة على الإنترنت من المسجد على غرار عمليات القتل في ألعاب الفيديو، وشرح دوافعه للجريمة في بيان اعتبر فيه أن «تدفق المهاجرين على الدول الغربية، يشكل أخطر تهديد لمجتمعاتها».إن هذه الجريمة ترقى إلى جرائم «الإبادة الجماعية»، حيث أعلن من قام بهذه العملية الإجرامية، أن دافعه كانت «من أجل إقناع الغزاة بأن أراضينا لن تصبح لهم أبداً»، وانتقاماً لملايين الأوروبيين الذين قتلهم الغزاة الأجانب عبر التاريخ، وآلاف الأوروبيين الذين قضوا في هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية. وقد تناسى هذا السفاح أن الإرث الاستعماري أوجد تركة ثقيلة من المهاجرين الذين خدموا في الغرب، وجاؤوا إليه للعيش فيه، ومعظم هؤلاء من شبه القارة الهندية، حتى تشكلت هناك أقلية كبيرة من المسلمين. وأسهمت موجات الهجرة التي استمرت طوال العقود الماضية، في إيجاد تجمعات ضخمة من أصول غير أنجلوسكسونية، ولم تكن المسألة لتشغل بال الغربيين في البداية؛ لأنهم كانوا يعيشون في دعة ورفاهية، لكن عندما ضاقت بهم الأحوال بدؤوا بالشكوى من المهاجرين الذين يقاسمونهم أرزاقهم، ما أدى إلى ظهور تيارات يمينية متطرفة، ومنظمات قومية بيضاء تعارض الهجرة غير البيضاء والهجرة الإسلامية تحديداً مثل: الجبهة الوطنية (NF)، والحركة البريطانية (BM).وقد عارضت هذه الحركات بشدة، الهجرة غير البيضاء لاعتقادها بأن موجات اللجوء الأخيرة إلى هذه القارة، ستؤسس لمستقبل أوروبي مختلف عن الهجرات السابقة؛ لأن المهاجرين ومعظمهم من دول الشرق الأوسط المسلمة ربما يتمكنون في المستقبل البعيد من تغيير الواقع الديمغرافي هناك بشكل بطيء. فمع وصول نسبة المواليد في بعض دول أوروبا إلى درجة الصفر؛ فإن المهاجرين الجدد الذين يتمتعون بخصوبة عالية، سيتكاثرون على حساب السكان الأصليين، وربما بعد مئة سنة ستولد أوروبا جديدة، بعد أن تكون هذه العناصر قد تحولت إلى مجتمعات كبيرة، لها ثقافتها وقيمها الحضارية والدينية.المذبحة الإرهابية التي وقعت في نيوزيلندا، رسالة للضمير الإنساني بأن يتحرك في كل مكان لمكافحة الإرهاب، ويمنع تداول الأفكار المتطرفة. فالجريمة تتنافى مع كل مبادئ الإنسانية، وتضع العالم في قاعدة وجود التطرف الإنساني على واقع الوجدان الأنثروبولوجي، والذي يهيئ في اتجاه البحث عن ذاته، بغية تحقيق المتناقضات الفكرية والموروثات الدينية، وطوائف الأفكار والتماثلات التي ترافق الفكرة المتطرفة. والانعزال عن الانفتاح الكينوني الذي لا تضبطه القوانين الأخلاقية والأيديولوجية، يمضي في متاهات مجهولة إلى العنف والقتل وكراهية الآخر. hima_2011_hima@hotmail.com

مشاركة :