لاشك ان العراق أسس بنيانه على الثالوث التكويني”المقدس!” الذي لا بد من وجوده معا ليشكل كيانا قائما بذاته ذات سيادة بالمفهوم القانوني المتداول دوليا وهذا الثالوث هو”السنة والكرد والشيعة”، وأي اختلال في هذه المعادلة الاستراتيجية، لن يبقى للعراق وجود”قانوني”، وسيتغير الوجه السياسي والديموغرافي للمنطقة برمتها وليس للعراق وحده وبالتالي ستتغيرخارطة سايكس بيكو الغربية التي قسمت المنطقة وفق مصالح الدول الاستعمارية الغربية قبل نحو مئة عام من الآن وهذا ما لا تقبله هذه الدول تواجه بحزم وقوة وترفض اي مساس بخارطة العراق والمنطقة، وقد رأينا كيف أن الكرد جوبهوا برفض قاطع وحاسم من المجتمع الدولي الذي تهيمن عليه بريطانيا وأمريكا عندما حاولوا الانفصال عن العراق من خلال إجراء عملية استفتاء واسعة عام 2017 والخروج من هذا الاندماج القسري الذي لم يجلب لهم غير المصائب والويلات والاندفاع نحو تشكيل دولتهم المستقلة، لم تكتف الدولتان الاستعماريتان بإفشال المشروع القومي الاستقلالي للكرد بل انتزعتا منهم مناطق كردستانية واسعة والمعروفة بالمناطق المتنازع عليها(تقريبا نصف خارطة اقليم كردستان) كانوا قد اعادوها الى اقليمهم بعد تضحيات جسيمة في الأرواح تكبدوها في حربهم مع تنظيم “داعش “الارهابي ومن ضمنها مدينة “كركوك” الغنية بالنفط! وكعقاب صارم لهم على خروجهم عن خططتهما وسياستهما الاستعمارية التي تقتضي بادامة الفوضى والخراب في البلد والمنطقة من خلال المشروع الاستراتيجي الأمريكي “الفوضى الخلاقة”، فلا مجال لخروج أي طرف من الأطراف المشاركة في هذا المشروع من عملية الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة تمهيدا لاعادة خارطة جديدة للمنطقة بما توافق مع مصالحهما بنسبة مئة في المئة!. فلا تكتفي هذه القوى بتدمير العراق سياسيا عبر تمكين الميليشيات الطائفية المتطرفة على مفاصل الحكم، بل تدميره تدميرا كاملا وشاملا عبر عصابات مافيوية فاسدة، فلا عجب أن يتصدر العراق قائمة أكثر بلدان العالم فسادا واكثر خطرا على حياة البشر بحسب التقارير السنوية التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية ، البلد داخل في فوضى عارمة، القتل على الهوية والخطف وانعدام النظام والقانون وانتشار ظاهرة المجاميع المسلحة خارج إطار القانون، وقد اعترف رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بوجود “100 ميليشيا خارج القانون وتحمل هويات ميليشيا”الحشد الشعبي”! وقد وجدت عصابات اجرامية دولية منظمة في العراق مكانا مثاليا لتمارس فيه أعمال الخطف والقتل والاتجار بالبشر، وشكلت هذه العصابات الدولية مع مجرمي الداخل شبكة”مافيا” قوية ، استطاعت خلال فترة وجيزة ان تتسلل الى معظم مرافق الدولة الاساسية. وإذا كانت هذه المنظمات “المافيوية” الارهابية في العراق تقوم بعمليات تجارية تقليدية مشبوهة مثل خطف الناس وقتلهم مقابل المال او شراء ذمم الموظفين الحكوميين الكبار ،فانها استطاعت ان تطور من تجارتها لتشمل “بيع الاطفال”! أيضا ، التجارة الرائجة التي أثارتها وسائل الإعلام العالمية تفوق في بشاعتها وفداحتها الانواع الاخرى، لانها تمس كائنا بريئا، لم يخض بعد غمار الحياة المعقدة، يتعامل مع الواقع بمنتهى الصدق والبراءة، بعيد عن الغش والخداع، ففي “تقرير أصدرته منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) أن 3,6 ملايين من أطفال العراق – أي طفل من كل 5 أطفال في البلاد – معرضون لمخاطر الموت والاصابة والعنف الجنسي والاختطاف والتجنيد القسري في صفوف المجموعات المسلحة”. هذا هو العراق المستنقع الآسن الذي اراد الشعب الكردي أن يخرج منه ويتخلص من رائحته الكريهة التي ازكمت الانوف بآلية ديمقراطية متطورة وعبر طريقة انسانية تزعم امريكا دائما انها تمجدها وتدعو اليها، ولكن لسوء حظ هذا الشعب التعيس ان خطة امريكا الجهنمية تقضي ببقائه في هذه دائرتها “الفوضوية”لحين تفتيت المنطقة واعادة تركيبها من جديد!
مشاركة :