يتناول العراقيون منذ أيام، عبارة أن العراق يغرق ويحتاج من ينتشله من أوضاعه المتدهورة ومن ازدحام المصائب وضياع الهوية واجتياح الفساد والفقر والبطالة لكل بقايا الثقة بالبرامج الحكومية ووعودها. السفارة الأميركية في بغداد أصدرت بيانا وصفت فيه الحياة في العراق بحالة الطوارئ، وأرفقت عددا من الإحصائيات عن النازحين ومن يستحق الإعانات الإنسانية، وصولا إلى ما يمكن اعتباره نداءا لكوارث متلاحقة. الولايات المتحدة وعلى لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو وصلت إلى قناعة من أن منطقة الشرق الأوسط تواجه ذات التحديات إن كان مصدر الإرهاب تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة أو تنظيم دولة إيران، لكن ما يثير السخط أن النظام السياسي يتحسس بداية غرق مركب الاحتلال الأميركي الذي أقلَّ على ظهره الاحتلال الإيراني. ذلك يرد بصوت مسموع من زعماء الميليشيات وهم يتحدثون بصفة قادة كتل برلمانية مؤثرة عن وجهة المجهول واحتمال نهايتهم، لعدم معالجتهم لإخفاقات العمل السياسي في ظل غياب القانون وتشظي التوجهات، بما ترسخ من منظومة ممارسات لا يمكنها أن تبني دولة دولة مؤسسات، للنهوض بالعراق من بين ركام الحروب أو مراكز الاستقطاب الإقليمي والدولي. صورة العراق تبدو أكثر وضوحا بعد نتائج زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني التي أرست نموذجا لسلطة في خدمة ولاية الفقيه ومشروعه في العراق والمنطقة، أي أن إيران أعلنت خلال الزيارة حالة الطوارئ بتسخير الاقتصاد والسياسة والسلاح والعلاقات الدولية وعلى طريقة “التقية” لعدم إثارة المجتمع الدولي أو بعض الأصوات في البرلمان أو بقية صوت في الشارع العراقي. رغم أن العراقيين يدركون خفايا ما هو معلن أصلا في تعميم التغيير الديموغرافي على أسس طائفية بما يراد له من اهتمام بالغ بترويج قانون الجنسية والتعديلات المقترحة، وبالذات من رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي طالب بمناقشة ما جاء في التعديلات بأقرب التوقيتات داخل مجلس النواب. الأمر يتعلّق بالتعداد السكاني الذي من المحتمل أن يجرى نهاية عام 2020 وما يتصل بقرار إلغاء رسوم التأشيرة عن الزوار الإيرانيين وهم بالملايين، أو من الميليشيات الأفغانية أو الباكستانية وجواز بقاء أعداد كبيرة منهم لمدة طويلة، وهو ما نص عليه مقترح تعديل قانون الجنسية في جواز منح الجنسية لهؤلاء المقيمين أكثر من سنة. 16 سنة من الاحتلال تراها إيران كافية لمفاتحة العراقيين بمشروعها في تحويل العراق إلى محافظة إيرانية تمتد من البصرة إلى سامراء وبشواهد الاهتمام المثير للجدل بأقضية سامراء والدجيل وبلد في زيارة السفير الإيراني، إيرج مسجدي، وطروحاته في فتح أبواب الاستثمار لبلاده في تلك الأقضية. ماذا عن مصير العاصمة بغداد التي عانت الإهمال والتهجير القسري والذي تبلور في الخاتمة لصالح تباين الميزان الطائفي؟ عقدة إيرانية عنوانها حزام بغداد مازالت في مخاضات الصراع لتبديل الهوية السكانية، والتجنيس حلّ قانوني يفسر أسباب عدم إعادة النازحين إلى منطقة جرف الصخر. الهدف هوية بغداد العربية وما ينتظرها من مخططات استباحة لتنوعها السكاني الذي ارتحلت منه العديد من المجموعات الدينية والقومية والمذهبية. الإحساس بغرق المركب لا يقتصر على ما يطلقه زعماء العملية السياسية ضمن اعترافهم بفشل الأداء الحكومي بل يتعدى إلى قصدية إخفاقهم في بعض الملفات، وآخرها ما كان ضمن سقف التوقعات في قضاء سنجار، فما حدث من انفلات أمني بدت ملامحه قبل أشهر لكن الإجراءات دائما متأخرة وعاجزة عن تحليل مستقبلات الأزمات قبل وقوعها لانصراف النظام السياسي لأجندات ما عادت ضربا من التكهنات بعد احتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل وضواحيها، ومهازل الانتهاكات في قضاء سنجار التي ارتقت إلى جرائم الإبادة وغيرها من جرائم ضد الإنسانية. المخططات الإيرانية تتنقل على مساحة العراق وما يصطدم منها بالإرادة الدولية يمكن أن تتلاعب به بإشارات صريحة، كالاجتماع الثلاثي لرؤساء الأركان في إيران والعراق وسوريا، والذين لم تكن لديهم أي نشاطات تذكر في الهجوم على معقل داعش في الباغوز، والذي تكفّلت به قوات سوريا الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة، وشاركت فيه أعداد من قوات حزب العمّال الكردستاني، وهي قوات تتواصل مع مقراتها ومن يعمل معها من قوات حماية سنجار. المهمات أبعد من مناوشات بين نقاط تفتيش للقوات النظامية مع أرتال منسحبة من سوريا لمقاتلين من حزب العمّال أو قوات لحماية سنجار، فالغاطس هو الصراع حول المناطق المتنازع عليها، وهو ما أشار إليه مسعود البارزاني أثناء لقائه بوجهاء من ناحية زمار، التابعة لمحافظة نينوى “أي جهد يبذل من أجل فرض الأمر الواقع خلافاً للجغرافيا والتاريخ في المناطق المتنازع عليها، يعمق المشاكل ولا يمكن قبوله”. تلك المناطق كانت تُدار بالتوافقات الأمنية المشتركة الواردة في المادة 140 من الدستور، وهي مادة معطّلة عن التنفيذ لارتباطها بأجندة مهدت لتقاسم العراق قبل الاحتلال، ثم تحوّلت إلى أداة بيد المشروع الإيراني، إذا تطلبت الإرادة الإيرانية جني بعض محاصيل الفوضى في صراعها مع الولايات المتحدة، لتسخير الخلافات بهدف فتح الطريق إلى حوض البحر المتوسط ولو على حساب المزيد من الانهيارات في العراق أو مدينة الموصل. غرق العبّارة بأهلنا في الموصل في نهر دجلة يشبه غرق العراق في موجات الغزاة، حيث لا تنفع لجان تحقيق ولا إدانات أو بكاء على الضحايا أو فتاوى من مرجعيات مذهبية أو إعلان الحداد. نقلا عن "العرب"
مشاركة :