استند تحليل الاقتصاد الكلي التقليدي عقوداً من الزمان إلى صرح منحنى فيليبس، الذي يؤكد مفاضلة واضحة بين البطالة والتضخم: عندما ينخفض معدل البطالة إلى حد معين، يجب أن يرتفع معدل التضخم. على الرغم من أن الاقتصاد يطمح إلى قوة العلوم الطبيعية، فإنه في نهاية المطاف ما زال علما اجتماعيا، فخلال السنوات الأربعين الماضية كانت هذه المسألة أكثر وضوحا مما هي عليه الآن. لعقود من الزمان استند تحليل الاقتصاد الكلي التقليدي إلى صرح منحنى فيليبس، الذي يؤكد مفاضلة واضحة بين البطالة والتضخم: عندما ينخفض معدل البطالة إلى حد معين، يجب أن يرتفع معدل التضخم، لكن هذا الافتراض لم يثبُت في العقد منذ الأزمة المالية في عام 2008، ففي كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، على سبيل المثال، كان معدل البطالة منخفضا منذ فترة طويلة، لكن التضخم لا يزال ضعيفا. يجب أخذ السياسة النقدية بعين الاعتبار، فحتى بعد سنوات من التيسير الكمي وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، استمر رؤساء البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة- وخصوصا في منطقة اليورو- في التأكيد على أهداف التضخم، وقد تساءل الاقتصاديون أيضا عن الافتراضات القديمة حول تشديد الأجور الاسمية المنخفضة، وهي أداة في فترة الستينيات والسبعينيات، عندما كان العمل المنظم أقوى بكثير، ومن الواضح أن فكرة أن الموظفين سيقاومون دائما تخفيض الأجور (أو ساعات العمل) لم تعد مُجدية. في الواقع قد يفسر انخفاض القوة العاملة السبب وراء عدم ثبات منحنى فيليبس، والأهم من ذلك قد يكون السبب وراء ضعف الإنتاجية المُحددة، وبعد كل شيء فإن الشركات التي يمكنها بسهولة توظيف وفصل الموظفين من عملهم أو إجبارهم على ضبط نقطة سعرهم ليس لديها سبب وجيه للمخاطرة بمبالغ كبيرة على المباني والمعدات الجديدة التي قد لا يتم استخدامها حتى دورة العمل التالية. إذا كان الأمر كذلك، فإن أحد الحلول لمشكلة الإنتاجية هو ببساطة جعل أسواق العمل أقل مرونة والعمل أقل تكلفة، فإذا كان قادة الأعمال والاقتصاديون يعترضون على ذلك، فربما يتعين عليهم التوقف عن الاهتمام بالإنتاجية طوال الوقت. يتمثل الافتراض النظري الكبير الآخر، وخصوصا على المستوى الجزئي، في جذب نمو الأرباح القوي للوافدين الجدد إلى السوق، وبالتالي تقسيم الأرباح على نطاق أوسع على حساب الرئيس السابق، وهذا بدوره سيشجع زيادة الاستثمار، وبالتالي سيعزز الإنتاجية والأجور للعمال، ولكن مرة أخرى ليس هناك أدلة كافية على اعتماد هذا الافتراض في السنوات الأخيرة، بل على العكس من ذلك فإن أرباح الشركات وتركيز السوق في ارتفاع مستمر. ما السبب الرئيس وراء هذه المشكلة؟ لم يكن كارل ماركس صائبا في أن الرأسمالية محكوم عليها بالفشل، بل إنها نتيجة لتطورات معينة في الأسواق المالية والسياسات التنظيمية وأنظمة الحوافز منذ عصر الأزمة المالية في عام 2008، ومن الواضح أنه أصبح من السهل جدا على القادة المهيمنين في السوق مقاومة المنافسة، قد تساهم العديد من الأفكار في علاج هذه المشكلة، إذ إن إحدى المشكلات التي تطرقتُ إليها من قبل هي عمليات إعادة شراء الأسهم، والتي قد تسمح للمديرين التنفيذيين للشركات بزيادة أرباحهم دون الاضطرار إلى الاستثمار في مكاسب الإنتاجية. ولحسن الحظ بدأ السياسيون من جميع القطاعات يتساءلون عن السبب الذي يجعل السياسات الضريبية والتنظيمية الحالية تشجع مثل هذا السلوك، وبشكل عام يجب ألا تحظى الشركات التي لا تساهم في نمو الإنتاجية أو تساعد في حل التحديات الاجتماعية الأوسع نطاقا بأرباح دون مقابل. على سبيل المثال، كانت شركة البناء البريطانية "بيرسيمون" تكسب أرباحا أكبر ليس بسبب الاستثمارات التي قامت بها، ولكن لأن حكومة المملكة المتحدة قدمت خطة قروض خاصة لمشتري المنازل لأول مرة، ويبدو أن معظم الشركات الصيدلانية الكبرى تُبدي اهتماما بالبحث والتطوير فقط عندما تقوم بشراء عقار جديد وتحتاج إلى إجراء تجارب سريرية لتأمين الحقوق الحصرية له. أخيراً، على المستوى العالمي، يتمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه الأرثوذكسية الاقتصادية باستمرار نمو الصين منذ أن أطلقت سياسة "الإصلاح والانفتاح" الاقتصادية في عهد دنغ شياو بينغ. هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الولايات المتحدة ستفعل أي شيء لوقف صعود الصين، حتى لو كان ذلك يعني حرمان الشعب الصيني من الرخاء. وإن أولئك الذين تابعوا عن كثب تطور الصين على مدى السنوات الأربعين الماضية يعرفون أن جرعة كبيرة من الأيديولوجية الرأسمالية قد تسربت إلى الاقتصاد السياسي الشيوعي للبلاد، ولكن يبدو أن هذه الحقيقة قد استعصت على الاقتصاديين الغربيين المؤهلين فكريا. وفي الواقع، كما أشار الاقتصادي السنغافوري كيشور محبوباني مؤخرا في صحيفة ستريتس تايمز، يبدو أن النهج الأميركي المتشدد تجاه شركة التكنولوجيا الصينية هواوي مدفوع بالكامل بأيديولوجية معينة، وبدلا من تبني استراتيجية أكثر تحديدا لضمان التزام الشركة (وغيرها من الشركات المماثلة لها) بالقواعد العالمية المتفق عليها بشكل متبادل، جعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورقة مساومة في حربه التجارية، وإذا كان هذا هو ما يبدو عليه البديل عن الأرثوذكسية القديمة، فينبغي أن نشعر جميعا بالقلق حيال ذلك. * جيم أونيل * الرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول ووزير الخزانة البريطاني السابق، ورئيس مجلس إدارة تشاتام هاوس. «بروجكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»
مشاركة :