تظهـر الدراسات المعمقة للظواهر الاجتماعية والسياسية أن هناك ميلا غير صائب لتقديم تفسيرات مبسطة للظواهر المعقدة والذي من أضراره عدم مواءمة المعالجات المتبعة للمسببات المعقدة للظاهرة محل النظر، وعلى سبيل المثال نشرت شبكة «سي إن إن» الأمريكية الإخبارية تقريرا وإحصائية أعدها المركز العالمي لدراسات الراديكالية والعنف السياسي ومعهد «بيو» للأبحاث عن عدد المقاتلين بالجماعات المتطرفة كداعش في العراق وسوريا منذ 2011 وكانت المفاجأة أن تونس تصدرت قائمة البلدان التي ينضم مواطنوها للجماعات المتطرفة بحوالى 3000 شخص، والسعودية بالمرتبة الثانية بحوالى 2500 شخص، والأردن الثالثة بحوالى 1500 شخص. وكانت الدول الأوروبية الأعلى تصديرا للإرهابيين هي دول الاتحاد السوفيتي السابق الخارجة من الشيوعية، فهل صدفة أن تتصدر تونس الخارجة من عقود من تحجيم التعليم الديني ودول سادتها الشيوعية التي منعت الدين قائمة المصدرين للإرهابيين؟ هذه الإحصائية إن صحت فهي تقدم مفهوما أكثر توازنا وتعقيدا عن دور التعليم الديني من عدمه في تسويغ الإرهاب، فهي تظهر أن التعليم الديني بحد ذاته ليس ما يؤدي للإرهاب إنما الظروف المحيطة به ونوعيته، فالدول التي تضيق على التعليم الديني العلني تضطر الناس لطلب التعليم الديني بالسر وفي السر تزدهر الميول للانتقام ممن اضطرهم لطلب العلم الديني بالسر كما لو أنه جريمة، وقلة الثقافة الدينية السليمة تجعل الشباب لا يميزون المتطرف من الصحيح، ولو كان التعليم الديني علنيا لحصل وعي جماعي بالميول المتطرفة فيه وتم تصحيحها، فقلة التعليم الديني أو عدمه ليست وقاية من الميل للتطرف والإرهاب وكذلك كثرته، فالوقاية من التطرف والإرهاب تكون بالتعليم الديني العلني المتوازن غير المجير لصالح التجييش العدواني للعاطفة الانفعالية إنما الذي يعمل على ترشيدها بمعارف الحكمة والرقائق «الروحانية» والترقي النفسي والأخلاقي والسلوكي..
مشاركة :