وزيرا الداخلية والعدل يتفاهمان على تجريد المقاتلين «المستقبليين» من الجنسيةخبراء: السجن فرصة للدمج فى المجتمع.. وجاسم محمد: سياسة برلين فى مكافحة الإرهاب «مترددة»يتواصل الجدل فى ألمانيا حول ضرورة مواجهة أى عمليات إرهاب محتمل فى البلاد، خاصة مع طلب مقاتلين ألمان فى تنظيم «داعش» الإرهابى العودة إلى بلدهم، فى وقت يواجه التنظيم ضربات فى آخر جيوبه فى بلدة «الباغوز» شرقى سوريا.ويناقش تيارا المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين فى ألمانيا، منذ سنوات كيفية التعامل مع مقاتلى «داعش» الألمان الذين يرغبون فى العودة إليها، لكن دون التوصل إلى صيغة أو قانون نهائى.وسافر نحو ألف ألمانى إلى سوريا والعراق للقتال فى صفوف «داعش»، منذ ٢٠١٤، وبينما لقى عدد منهم حتفه، ما زال يقبع الكثيرون فى الغالب مع أطفال ونساء وغالبًا فى معسكرات أو معتقلات كردية، ويدور الحديث حاليًا عن ٧٠ شخصًا على الأقل.وتستعد الحكومة الألمانية لإصدار قانون يتعلق بتجريد مسلحى «داعش» من الجنسية، لكن مشروع القانون المقترح يتم تنفيذه على المقاتلين المقبلين، الذين يحملون جنسية بلد آخر، لكنه لا يطال الإرهابيين من عناصر «داعش» المعتقلين حاليًا فى الخارج.التجريد من الجنسيةوتفاهم وزير الداخلية الألمانية، هورست زيهوفر، ووزيرة العدل، كاتارينا بارلى، على تجريد المقاتلين الألمان فى صفوف «داعش» من الجنسية الألمانية بشروط، وبحسب الحكومة، فمن يحمل جنسية ثانية ويبلغ سن الرشد ويريد المشاركة مستقبلًا فى القتال مع «داعش» يمكن مبدئيًا أن يفقد الجنسية الألمانية. كما أنّ القانون ليس له مفعول رجعى على المقاتلين المعتقلين حاليًا وقاتلوا لصالح داعش، والمعتقلون الذين يحملون جواز سفر ثانيًا لا يمكن تجريدهم من الجنسية الألمانية، ولا يُعرف ماذا سيحصل مع هؤلاء الأشخاص.وانطلاقًا من هذه الإشكالية، ومع وجود مقاتلين ألمان بينهم نساء وأطفال معتقلين فى سوريا والعراق، يطلب عدد منهم العودة لألمانيا، سيكون أمام الحكومة تحديًا كبيرًا.ووفقًا لتقارير الإستخبارات الألمانية الداخلية الصادرة خلال شهر مارس ٢٠١٩، يوجد نحو ٢٧٠ امرأة وطفلًا يحملون الجنسية الألمانية فى كل من سوريا والعراق، لا تتجاوز أعمار الثلثين منهم ثلاث سنوات.وباعتبار أن القانون المقترح لا يسرى على هؤلاء، فإنه سيكون على ألمانيا أن تستقبلهم مع عائلاتهم، وهذا سيشكل تحديًا كبيرًا بالنسبة للشرطة، فى حال سيكون من الصعب إثبات ارتكابهم جرائم فى منطقة تحرك «داعش»، وسيظلون بوجه خاص إرهابيين محتملين ويجب بتكاليف عالية إخضاعهم للمراقبة.وطالبت الخبيرة الألمانية فى مكافحة التطرف الإسلامى، كلاوديا دانتشكه، فى حوار مع شبكة «دويتشلاند» باستعادة الجهاديين الأوروبيين من سوريا، قائلة: «من الأفضل إيداع مقاتلى «داعش» السابقين السجن هنا فى ألمانيا، ذلك يوفر فرصة لإعادة إدماجهم فى المجتمع».ويقول جاسم محمد، الباحث فى قضايا الإرهاب، فى دراسة نشرها المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن السياسة الألمانية فى مجالات مكافحة الإرهاب تعتبر مترددة جدًا، وتعانى الكثير من البطء فى اتخاذ الخطوات المطلوبة، مضيفًا أنه ليس من المستبعد ألا تريد ألمانيا تطبيق القرار رجعيًّا، كونها لا تريد أن تثير حفيظة «الجهاديين» ضدها.وبحسب الدراسة، فإن ألمانيا ما زالت تتعايش مع السلفية الجهادية كما تعايشت من منتصف القرن الماضى مع تمدد جماعة الإخوان، وغيرها من الجماعات المتطرفة، والموقف الألمانى هذا، دفع الجماعات المتطرفة، أن تتخذ منها نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات خارج ألمانيا، وكان منها خلية هامبورج التى نفذت أوسع عملية إرهابية فى التاريخ (١١ سبتمبر).ويتزايد عدد قضايا الإرهاب فى ألمانيا، فى وقت تحذر فيه السلطات من زيادة عدد أعضاء الجماعة السلفية، إضافة إلى عدد «الإرهابيين الخطرين» الذين يقيمون فى البلاد.ووفقًا لتقارير رسمية، صادرة عن الهيئة الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، فإن أعداد السلفيين فى البلاد شهدت فى سبتمبر ٢٠١٧، ارتفاعًا جديدًا، ليصبح نحو ١١ ألفًا، بزيادة نحو ٥٠٠ شخص، بينما كان عددهم لا يتجاوز تسعة آلاف وسبعمائة فى نهاية ٢٠١٦.وترى السلطات الألمانية أن جميع السلفيين ليسوا منخرطين فى العنف والتطرف، لكنهم يقعون تحت ضغط من المتطرفين الذين يستخدمون المساجد لجذب الشبان ونشر التطرف، وقال رئيس الهيئة الألمانية لحماية الدستور «هانس جيورج ماسن»، إن التطرف أصبح يحدث بشكل أقل فى المساجد أو التنظيمات الممتدة خارج الحدود، لكنه منتشر بشكل أكبر فى دوائر ضيقة تتكون عبر شبكة الإنترنت، إضافة إلى تكوين شبكات سلفية نسائية يصعب اختراقها من أجهزة الاستخبارات.وما يزيد من إبراز علاقة ألمانيا بالجماعات الإرهابية، ما نقلته مجلة «دير شبيجل» الألمانية عن مسئول ألمانى كبير بأن بلاده لن تحذو حذو بريطانيا، وتعلن جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران منظمة إرهابية.كما قال وزير الدولة «نيلز إينان» للمجلة إن الجماعة لا تزال مكونًا أساسيًّا فى المجتمع اللبنانى وإن الاتحاد الأوروبى أدرج بالفعل جناحها العسكرى فى قائمة الجماعات المحظورة فى ٢٠١٣.وتشير الدراسة إلى أنه ربما هناك ربط بين تراجع عدد العمليات الإرهابية فى ألمانيا ونظرة الإرهابيين لها باعتبارها «محمية» لهم، أو «أرض مدد» حسب أيديولوجية التنظيم لتنفيذ عمليات إرهابية.وتدور ألمانيا حاليًا بين رحى الإرهابيين، من جهة صعوبة تأهيل العائدين من مناطق النزاع، ومن جهة انتظار موجة جديدة من المتطرفين سببها السلفيون، وأولئك الموجودون فى السجون الألمانية.وتمثل عملية إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب تحديًا لأجهزة استخبارات ألمانيا، خاصة فى ظل تجارب دول أوروبية، مثل فرنسا، أثبتت فشل تطبيق برامج الوقاية ونزع الأيديولوجية المتطرفة.وقالت صحيفة «دى فيلت» الألمانية، فى فبراير ٢٠١٨، إنه استنادًا إلى بيانات المكتب الاتحادى للشرطة الجنائية، يوجد بالسجون الألمانية المزيد من الأفراد الذين يُعتبرون من المتعاطفين أو الداعمين للأوساط الإسلاموية المتطرفة.وقالت وزيرة العدل المحلية بولاية هيسن، «إيفا كونه-هورمان»: «فى غضون الأعوام المقبلة يتعين علينا توقع موجة من المتطرفين فى سجوننا.. هذا يُمثل تحديات كبيرة لعملنا الذى يهدف إلى مكافحة التطرف والوقاية منه».وربما يكون هذا هو سبب اتجاه ألمانيا إلى التفكير فى قانون يواجه الإرهابيين المحتملين، لكنها تظل متهمة بترك المجال لاعتبارها «محمية» للمتطرفين، و«مواربة» الأبواب للعائدين.
مشاركة :