خرج الخلاف المتصاعد بين كابول وواشنطن على مفاوضات السلام إلى العلن في 14 مارس/ آذار عندما وجه حمد الله محب مستشار الرئيس للأمن الوطني انتقادا لاذعا إلى خليل زاد الدبلوماسي الأمريكي الأفغاني المولد واتهمه بأنه ربما كان يحاول سرقة منصب الرئيس لنفسه. وقد تزايد فيما يبدو خطر حدوث ضرر دائم للعلاقة التي تربط واشنطن بالرئيس الأفغاني أشرف غني نتيجة تحول في السياسة الأمريكية كان من شأنه استبعاد حكومته من المحادثات مع حركة طالبان وعزمه على الاحتفاظ بالسلطة وإدارة مساعي السلام بنفسه. وينذر هذا الخلاف بتقويض الفرص الضعيفة للتوصل إلى اتفاق سلام يأمل الرئيس دونالد ترامب أن ينهي أطول حروب الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون لرويترز إنهم يعتقدون أن غني ربما كان يهيئ نفسه للوقوف حجر عثرة أمام المفاوضات الهشة وذلك لاستيائه من إبعاد الحكومة الأفغانية عن المحادثات وقلقه من مغزى ذلك على رئاسته. غير أن مسؤولين أفغانا يقولون إن المفاوضات نفسها التي يقودها المبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد تبدو من وجهة نظر الرئيس خيانة شخصية واستسلاما من جانب الولايات المتحدة قد يعيد حركة طالبان إلى السلطة. وقال مسؤول حكومي أفغاني “خليل زاد يريد إظهار أنه بطل السلام والرئيس غني لا يريد أن يكون الشرير. الرئيس يعتقد أنه تعرض للخيانة”. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إن غني يشعر بالقلق خشية “أن يكون هناك اتفاق على حكومة مؤقتة وأن يجد نفسه في الخارج متفرجا”. وأضاف المسؤول أن على واشنطن أن تتوقع أن يتصرف غني مثل سياسي في عام الانتخابات وقال “علينا ألا نتوقع أن يكون غني هو رجل الدولة حيث يقول ’أفضل شيء هو أن أتنحى جانبا’”. وكان لانتقادات محب تداعيات خطيرة. فقد قالت مصادر أفغانية طلبت الحفاظ على سرية هويتها إن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت تعليمات ألا يجري المسؤولون الأمريكيون أي اتصالات أخرى مع محب وإن وجوده في اجتماع يوم الاثنين بين غني ودبلوماسيين من حلف شمال الأطلسي دفع الوفد الأمريكي للانسحاب ومغادرة القصر الرئاسي. ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على طلب للتعليق على هذا الأمر. ويردد هذا الخلاف أصداء توترات في عهد الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي الذي أصبح شديد الانتقاد للولايات المتحدة خلال 13 عاما أمضاها في السلطة. غير أن الخلاف لا يزال حتى الآن مقصورا إلى حد كبير على الغرف المغلقة. ويعتمد غني على دعم الولايات المتحدة باعتبارها الداعم الرئيسي لأفغانستان اقتصاديا ودبلوماسيا وأمنيا. وثمة بوادر على أنه سيتحرك للحد من التداعيات على العلاقات بين الطرفين. فقد قال مسؤول أفغاني ثان إن غني يفكر في تغيير محب وتعيين السفير الأفغاني في لندن بدلا منه استجابة لاستياء واشنطن من تصريحاته. ولم يعلق مكتب غني على الأمر. الجولة الأخيرة مخيبة لآمال غني منذ الحملة الانتخابية في 2016 دعا ترامب إلى إنهاء الحرب الأفغانية التي بدأت عام 2001 وربط احتمال خفض حجم القوات في أفغانستان بالنجاح في مباحثات السلام. لكن من غير الواضح إن كان ترامب سيقبل إتمام صفقة بأي ثمن وهو أمر يتزايد خوف غني وأطراف أفغانية أخرى منه. وقال مسؤول بإدارة ترامب “الرئيس أشار إلى أنه يأمل خيرا في محادثات السلام لكنه لن يقبل أيضا بصفقة رديئة”. وقد رفضت طالبان التي ترى أن الرئيس غني ألعوبة في يدي الولايات المتحدة الاجتماع معه. ورغم أن الولايات المتحدة أحجمت في السابق عن إجراء محادثات منفردة مع طالبان فقد اتخذت إدارة ترامب قرارا بالمضي قدما فيها وهو ما انتقده مسؤولون أمريكيون مخضرمون بشدة. وكتب رايان كروكر السفير الأمريكي السابق لدى أفغانستان يقول في مقال بصحيفة واشنطن بوست “بالاستجابة لهذا المطلب من طالبان نزعنا بأنفسنا الشرعية عن الحكومة التي ندعي أننا ندعمها”. وأضاف أن الخطوة الأمريكية إشارة معناها “نحن نستسلم”. وانتهت هذا الشهر في العاصمة القطرية الدوحة الجولة الثانية من المحادثات الأمريكية مع طالبان والتي استمرت 16 يوما وتناولت إمكانية سحب قوات أمريكية وتطمينات من طالبان فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. غير أن عددا من المسؤولين الأفغان قالوا إن تلك المحادثات أثارت خيبة أمل لدى غني الذي كان يأمل أن يحقق خليل زاد بعض التقدم في التفاوض على وقف إطلاق النار لأفغانستان وأن يقنع طالبان بالتفاوض مع حكومته. وأضافوا أن خليل زاد توجه إلى واشنطن دون أن يحقق شيئا من ذلك ودون مناقشة تفاصيل المحادثات مع غني الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس. وقال المسؤول الأفغاني الأول “تباحث الجانبان واتفقا على أمور تخصهما لكن ذلك لم يغير شيئا للشعب أو الحكومة” في أفغانستان. ويبدي بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين تعاطفهم مع غني ويعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تجد وسيلة لطمأنته بسرعة. وسلم المسؤول الكبير في إدارة ترامب بالشعور بخيبة الأمل في كابول وقال “من الضروري أن نقنع طالبان بالحوار مع الحكومة الأفغانية وأطراف أفغانية أخرى وبالمشاركة في عملية سياسية”. الانتخابات الأفغانية يبدو أن الانتخابات الأفغانية ستمثل تحديا كبيرا لحكومة غني وسط تكهنات بأنها ربما لا تتم إذا تم التوصل أولا إلى اتفاق سلام مع طالبان. وقد تأجلت المحادثات مرتين ومن المقرر الآن أن تجرى في 28 سبتمبر/ أيلول المقبل. وقال مسؤول أمريكي سابق إن غني يأمل أن تفشل الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات حتى يمكن المضي فيها قدما. وقال مسؤول أفغاني كبير سابق إن غني “يعتقد أنه سيفقد كل شيء إذا نجحت عملية السلام ولم تجر الانتخابات”. ولتعدد العوامل السياسية يرى البعض أن غني يحاول السيطرة بشدة على العملية وهو ما يخشى خبراء أن يؤدي إلى استبعاد عناصر من المعارضة تعد أساسية لدوام أي اتفاق بين طالبان والمجتمع الأفغاني. وقال مسؤول أمريكي سابق إن شخصية غني المسيطرة أحد الأسباب التي تقلق واشنطن منذ فترة طويلة من أن يصبح “عقبة لا عاملا مساعدا في عملية السلام”.
مشاركة :