بيع الأوهام، نظام الفقيه مثالاً

  • 3/29/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

علمتنا تجارب التاريخ والأمم أن بيع الأوهام يصبح وسيلةً أساسية من وسائل تخفيف الأزمات الطاحنة التي ترزح تحت أنقاضها شعوب مثل الشعب الإيراني اليوم وما يُعانيه من أزمات. ولعل خروج خامنئي ببشارة وهمية خرافية سعى فيها لاستدراج آمال شعبه المطحون إلى دائرة وهمٍ أسطوريٍ مصطنعٍ في لحظةٍ ضاغطةٍ في الداخل نتيجة سياساته الرعناء وأحلام التوسع، لعل هذه المحاولة الاستدراجية الخرافية هي مثال ساطع على فشل الأنظمة الثيوقراطية في إدارة أزماتها. فبعد أن أدرك نظام الفقيه أن سعيه الحثيث لإلقاء تبعات أزمات شعبه المعيشية منها والسياسية الاقتصادية والاجتماعية على شماعة واشنطن «الشيطان الأكبر» وخشيةً من أن يفيض الكيل بهذا الشعب المنكوب بهكذا نظام خرج الفقيه ليبشر شعبه بقرب سقوط أمريكا، مؤكداً له «الشعب» أن هذا السقوط محسوم ومنتهي، وأن التفكير الآن متجه إلى قرار تحويل البيت الأبيض إلى حسينية بدأ وضع مخططها وتصميمها على الورق انتظاراً للتنفيذ فقط. وهذه البشارة الخرافية التي بدأ سدنة النظام الترويج لها تأتي في ظروف إيرانية شديدة الصعوبة ووسط اختناقات اقتصادية غير مسبوقة بدأت تستنزف آخر ما تبقى لدى الشعب الإيراني من صبر ومن احتمال بات معه انفجاره على وضعه مسألة وقتٍ فقط، وهو ما يخشاه النظام. ولعل خامنئي هنا وبمثل بشارته الخرافية استحضر بوعي ثقافة العمامة الولائية بشارة خميني القديمة عن حكومة الجمهورية الاسلامية العالمية التي عزف على أوتارها مستشاروه ومريدوه وحواريوه الذين اختفوا من المشهد مع اختفائه، ليظهر خامنئي مبشراً بحسينية واشنطن في البيت الأبيض، مروجاً وهماً على غرار وهم الجمهورية الاسلامية العالمية «الشيعية» التي يحكمها من طهران نظام الولي الفقيه. وما بين الحلم الصفوي القديم لإسماعيل الصفوي باحتلال مكة المكرمة بالتواطؤ مع المستعمر البرتغالي القديم، وما بين حلم خامنئي بحسينية البيت الأبيض في «واشنطن» مروراً بحلم خامنئي بحكومة الجمهورية الإسلامية العالمية وتنصيب نفسه حاكماً عليها، تتجسد لنا استراتيجية بيع الأوهام من خلال السلطة والسطوة الثيوقراطية الكنسية التي تسيطر على الذهنية العامة البسيطة والمغرر بها من خلال المنصب الديني والذي هو هنا «الولي الفقيه»، تماماً كما كان منصب الفرعون الأكبر في الميثولوجيا القديمة. وإذا كانت حكاية مفاتيح الجنة تعلق في رقبة صغار المقاتلين تشجيعاً على طلب الموت دفاعاً عن بقاء واستمرار النظام قد نجحت الى حدٍ ما مطلع الثمانينات بكل زخم الاسطورة الخمينية ذاتها، فإن خرافة تحويل البيت الأبيض إلى حسينية وسقوط أمريكا قريباً لم تعدْ قادرةً على خداع شعب اكتشف الخدعة منذ سنوات وسقطت باكتشافه كل الأساطير والأوهام التي راجت في سنوات سابقة، وما كان صالحاً استعماله في تلكم السنوات ما عاد مفيداً الرجوع إليه. والأقنعة وسيلة قديمة قدم الشعوب البائدة استخدمها الكهنة في أدغال أفريقيا قبل قرون انقضت وسيطروا من خلالها على مقاطعات واسعة وشعوب أفريقية استهلكها الجهل والتخلف يومها، وما العودة إلى أقنعة الأوهام وترويجها من فوق منصات دينية وسط لطميات تم إسقاط رمزيتها على الولي الفقيه إلا محاولة لاستثمار أقنعة الجهل الأفريقي الذي انقرض بانقراض كهنة الأدغال والغابات. لا نحتاج هنا لأن نؤكد على أن اليأس من تقديم علاج حقيقي ناجع للوضع في إيران هو أزمة خامنئي وهو ما دفعه إلى ترويج وبيع الأوهام لشعبه، فتلك حقيقة يعرفها أبسط البسطاء، لكننا نؤكد أن لعبة استغلال واستثمار الحالة الدينية لمصالح فئةٍ بعينها لمزيد من التسلط والسطوة ما عادت ناجحةً ولا ناجعة.

مشاركة :