السديس في خطبة الجمعة : مرحلة الشباب تتميز بتقوية المُعْتَقَد وتكوين الفكر

  • 3/29/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل واغتنام الأوقات وإعمارها بالخيرات قبل الفوات . وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: الناظر في تاريخ الحضارات، وواقع الشعوب والمجتمعات، والمتأمل في أحوال قادة الفكر ورُوَّاد العلم والطموحات، يتوسَّم من غير مَشَقَّةٍ أو عَنَاء حقيقة تبعَثُ على الإجلال والانْبِهَار؛ وهي أن وراء ذلك كله نُخَبٌ وادعة، وكَوْكَبَةٌ سَاطِعَة، وفئة لامعة، إنها فئة الشباب؛ فالشباب في ذلك كله الركن الركين، والكنز الغالي الثمين، هم الرَّيْحَانة الشذية، والسواعد الفتية، والأمل المشرق، والجبين الوضّاء. وأكد أن الإسلامُ أولى الشَّبَابَ كامل العناية، والاهتمام والرعاية، حتى من قبل ميلادهم، حيث أوصى الزوجين بحسن اختيار كل واحد منهما لشريك حياته، ثم عُني به جنينًا في بطن أمه، ثم رضيعًا، ثم صبيًا، ثم طفلاً مُمَيِّزًا، ثم شابًا، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاّ ظله، “شابٌ نشأ في عبادة الله” (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم : “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أَغَضُّ للبصر” أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد أخرجت هذه العناية الفائقة صُوَرًا مُشْرِقَةً من شباب حازوا قَصَبِ السَّبْقِ في إعلاء القيم، والتمسك بالفضائل وحُسْن الشِّيَم، حتى كان الناس يدخلون في دين الله أفواجًا لِمَا يَرَوْنَهُ من الأخلاق الحميدة، والبطولات الفريدة، والأفعال الراقية المجيدة. وذكر “السديس” في خطبته، أن مرحلة الشباب هي مرحلة تقوية المُعْتَقَد، وتكوين الفكر، وسلامة المنهج، وفيها يُعَزِّزُ الإنسان نفسه وذاته، و هدفه وغايته، لذا فمن أهم المهمات وأوجب الواجبات؛ توجيه طاقته نحو المكارم والمراشد، وتحصينه من البوائق والمفاسد، ويحصل ذلك بأمور أهمها: تحصينه بالعلم الشرعي، فبالعلم الشرعي تُصَانُ الحُرُمات، وتُحْفَظ حدود الدين من الانتهاك والتعدي، وبالعلم الشرعي يَنال المرء السَّبْق إلى السؤدد في الدنيا والآخرة، وحتى يكون الشرع هو الهادي والمُرْشِد، فلا تتحكم في الشباب عَاطِفَتُهُ، ولا تَقُودُه حَمَاسَتُهُ، إنما يسير على طريق الهداية بتوجيه العلماء الثقات، والشيوخ الكبار، ممن لهم عِلْمٌ وَاسِعٌ، وتجاربُ نَافِعَة، فيهتدي بِنُصْحِهِم، ويعمل بمشورتهم، ويُرجى أن يكون بعد ذلك أكثر نفعًا لأمته، ودينه، ويكون أكثر حماية ممن يكيد بالشباب لصرفهم عن رسالة الحق، ونشر النور في الأرض، قال تعالى: ”وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” وثانيها: تَحْفِيزُ الشَّبابِ إلى السَّعْي في بِنَاءِ الأوطان وعِمَارَتِهِا، من خلال حُسْنِ الظَّنِّ بهم وتمكينهم وبيان أنَّ الانتماء إلى الوطن ليس مُجرَّدَ عاطِفَة غامرة أو مشاعر جيَّاشة فحسب، بل هو مع ذلك إحساسٌ بالمسؤولية وقيامٌ بالواجبات، إن المواطنة شَرَاكةٌ بين أبناءِ الوطن في الحياة والمصير والتحدِّيات، وفي المكتسباتِ والمُنْجَزَات، وفي الحُقُوقِ والوَاجِبَات، ومَثَلُنَا في هذا الوطن كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِد، وبناء الوطن امتثال لمهمة الاستخلاف في الأرض وإعمارها. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: ما يميز المجتمع الإسلامي عن غيره أنه آخذ بعضه بيد بعض، يوصي بعضهم بعضًا بالحق والصبر عليه، ويتعاونون على البِرِّ والتقوى، قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسئول عن رعيَّته” (متفق عليه)، فشريعتنا الغراء لاتعرف الانعزالية والانغلاقَ، والتقوقعَ والجمود، لكنها تعرف الانفتاح والتجدد والمرونة وَفْقَ المتغيرات والمستجدات، مع المحافظة على الثوابت والمُسَلَّمَات. ودعا الشباب أن يكونوا على قدر هذه المسئولية مبيناً أن مسئوليات وواجبات الشباب تجاه دينهم ووطنهم ومجتمعهم الإخلاص لله في القَوْلِ والعَمَلِ، وكما يعتني الشاب بسلامة بَدَنِهِ ومَظْهَرِهِ فكذلك يعتني بسلامة قلبه ونفسه، فلا يفتح على نفسه أبواب الشهوات، ولا يُورِدها مَظَانَّ الشُّبُهات، ولا يَلِجُ بها مَرَاتِعَ الفِتَنِ والمعاصي، ويُعلِّم الجاهل، ويُرشد الضَّال، ويدعو الناس إلى الخير والهُدَى، وما ظَهَرَ الدِّين وعَرَفَ الناس شرائع النبيين إلا بفضل الله ثم الشباب الصالحين؛ فهم النُّقَبَاء والحواريون، والأنصار والمهاجرون، وهم العلماء والمعلمون، وقد قال تعالى في أصحاب الكهف:?إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى? وعندما يُخْلِص المرء في العمل للدين يكون ذلك نابعًا من افتخاره به واعتزازه بالانتماء إليه، وهذا ما يجب على جيل الشباب أن يفقهوه في حياتهم، فيجعلوا من انتمائهم للإسلام والعمل لأجله مَصْدَرَ فَخْرٍ وعِز، كما أنه مَصْدَرَ هِمَّةٍ وعزيمة، فلاينساق الشاب المسلم خلف التقليد الأعمى في الكلام أو اللِّبَاس أو الهيئة، بل يتأسى بهدى النبيين وسمت الصالحين، قال تعالى “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”. وأوضح “السديس” أن واجبنا الديني والأخلاقي والوطني لَيُحَتِّم على كل فردٍ مِنَّا، وخاصة الشباب أن ينهض بواجباته لنكون يدًا واحدة في وجه المفسدين والمنتهكين لحرمات الدين والوطن؛ من خلال التَّصَدِّي للشائعات المُغْرِضَة، والأخبار الكاذبة، والدَّعَواتِ المشبوهة، والجماعات المُنْحَرِفَة، والأحزاب الضالة، والتنظيماتِ المارقة، التي تسعى جاهدة إلى إثارة البلبلة والفتن، والقلاقل والإحن، لننعم جميعاً بالأمن والاستقرار، ونحافظ على الوحدة الدينية، واللُّحمة الوطنية والدَّعْوَةُ الحرَّاء مُوَجَّهة إلى من لهم مَسْئُولِيَّة تجاه الشَّبَاب والفَتَيَات: من آباء وأُمَّهَات، ومُعَلِّمِين ومُعَلِّمَات، وأَرْبَاب التَّرْبِيَة وحَمَلَةِ الأقلام ورجال الإعلام؛ أن اتقوا الله في مسؤولياتكم تجاه شَبَاب الأمة، رَوُّوا قُلُوبهم من الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، ومُجَافَاة البِدَعِ والشِّرْكِيَّات والمحدثات، وخطابات التَّحْرِيضِ والإقْصَاء والكراهية وأعمال الإرهَاب الذي لادِينَ ولاوَطَنَ له، رَبُّوهُم عَلَى الوسطية والاعتدال والحِكْمَة والتَّوَازُن، فلا غُلُو ولا جَفَاء، حَصِّنُوهُم من الأفكار الدخيلة والمناهج الهزيلة، حَفِّزُوهُمْ على كل ما يبني القُدُرات ويُحَقِّق الطُّمُوحَات، ومَكِّنُوهُمْ من خدمة الدين وتنمية الأوطان، وحذروهم ممن يستهدفونهم خَلْفَ بعض مِنَصَّاتِ التواصل وممن لا يفتئون من النَّيْلِ من القُدُوُات وهَزِّ القَنَاعَات بالثِّقَات الأثْبَات وَلِيَعْلَمَ أرْبَابَ الطُّمُوحَاتِ أن هناك قَعَدَة مُحْبِطِين، ويائسين قانتين، أعداء التميز والإبداع، يغتالون كل مبادرة، ويقطعون الطريق على كلِّ واثقٍ ناجحٍ طموح، فلا يلتفتوا إلى بُنَيَّات الطريق، وليبذلوا الهمة ليبلغوا القمة، مُستعينين بالله تعالى متوكلين عليه، وصَدَقَ رَبُّ العالمين “وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”. وأشار إلى أن الحديث عن مكانة الشباب ومسئولياتهم وتمكينهم وتحفيزهم؛ يستوي في ذلك الذَّكَر والأُنْثَى، فَعَلَى الفَتَاةِ المُسْلِمَة التَّمَسُّك بِدِينِهَا والحفاظ على ثوابتها وقِيَمِهَا، وتتويج عَمَلِهَا وخدمتها لدينها ووطنها ومجتمعها بالاعتزاز بِهُوُيَّتِهَا ومُقَوِّمَاتِهَا في ظِلِّ الضوابط الشرعية والآداب المرعية، ولِيَكُن مِنْكُم بحسبان أنَّ سَقَطَاتِ الشَّبَابِ وعَثَرَاتِه لا تُحْمَل قطعًا على العُمُومِ والشُّمُول، ولا تدعو إلى فقد الثقة والإحباط، بل يتعين هنا أن نَذْكُر بكثير من الغِبْطَةِ والابْتِهَاجِ، أنَّ الشَّبَاب المستقيم، المستمسك بِعُرَى دينه، السَّائِرَ على صِرَاطِ الهُدَى والاعتدال هُمُ الأَكْثَرُ بحمد الله وفضله، وهم محل الفخر والدفاع، والاعتزاز والانتفاع، لذا وجب علينا دَوْمًا حُسْنَ الظَّنِّ بهم ودعمهم وتحفيزهم. وقال: الشَّبَاب في كُلِّ أُمَّة هم الدَّم الجديد الضامن لحياتها واستمرار وُجُودِهَا، وهم الامتداد الصحيح لتاريخها، وهم الورثة الحافظون لمآثرها، الحاملون لخصائصها لمن بعدهم من الأجيال والناشئة . وأضاف: إنَّنَا لَنَرَى فيكم أيها الشباب مستقبلنا، ونقرأ فيكم تحقيق طموحاتنا، في جَمْعٍ بَيْنَ الأصَالَةِ والمعاصرة، وفي مُوَاكَبَةٍ مستقبلية لرؤية هذه البلاد المباركة، ومن يقف وراءها من الشباب الطموح في خدمة البلاد ونفع العباد.

مشاركة :